النباء اليقين

العلمانيون والليبراليون الجدد

الهدهدنت/مقالات

عدنان قاسم قفلة

نعاني في العالم العربي والإسلامي من التبعية العمياء للغرب في أساليب حياتهم وفي طريقة تعايشهم وبما لا ينسجم مع واقعنا الحقيقي حتى وإن أراد الشخص الشرقي أن يعيش اقتداءً بهم إلا أنه سرعان ما يصطدم بفطرته أو بواقع الدولة أو المجتمع الذي يعيش فيه .

ومن ذلك التقليد الشكلي فقط أشكال ومفاهيم طريقة التعايش وواقع الحياة في بعض الدول ومن بينها اليمن وسأحاول شرح مفهومي الليبرالية والعلمانية وإسقاطها على الواقع .

ماذا يعني النظام العلماني

الدولة العلمانية تعرف بأنها الدولة المحايدة تجاه القضايا المتعلقة بالدين كما أن الدولة تعامل جميع مواطنيها بشكل متساوي بغض النظر عن انتماءاتهم أو تفسيراتهم أو أفكارهم الدينية , وغالباً ما كان يطلق على العلمانية الفصل بين الدين و الدولة .

وبالنظر إلى الدول العربية والإسلامية ولنجعل على سبيل المثال سوريا وتركيا التان تعلنان أنهما دول علمانية , فهل هاتين الدولتين علمانية أم لا؟

الاجابة بكل بساطة أنهما تدعيان ذلك ولكن واقع الحال يقول بخلاف ذلك فتركيا دولة علمانية فقط لاستجداء الاتحاد الاوروبي للانضمام إليه وإلا فالواقع يؤكد أن النظام يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتنظيم الإخوان المسلمين الذين يعتبرون أردوغان زعيمهم السياسي .

وسوريا كذلك تتبنى الفكر الحنفي ويحكمها حزب البعث ومن خلال الفكر الحنفي تغلغل الفكر الوهابي والتكفيري والداعشي ومن قبلها الإخواني في المجتمع السوري ورفض الرئيس الراحل حافظ الأسد – فيما أعرف – أي نشر للفكر الشيعي وغيره ما مكن التنظمات الإرهابية حالياً من زرع الفكر الإجرامي الذي زعزع الأمن والنظام في سوريا وما تشهده سوريا هذه الأيام ليس نتاج تعبئة ضد النظام والدولة هناك في هذه الفترة بقدر ما هو تعبئة مزمنة لم تلتفت لها الدولة وبالتالي شاركت الدولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في نشر هذا الفكر إما بمنع الفكر الآخر من التواجد أو بالدعم الغير مباشر للإخوان التي كانت تعاديهم عبر دعم حماس واستضافة قادتها مع أن الدولة السورية متحالفة بشكل علني وواضح مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي الدولة الإسلامية الشيعية في مفارقة عجيبة وغريبة .

إذن لم تكن الدولتين ولا كل الدول التي تدعي أنها علمانية من دول العالم العربي والإسلامي كذلك بقدر ما كانت تستخدم هذه الشعارات لأغراض سياسية لا أكثر وأن ما تشهده مثل هذه الدول هذه الأيام ليس أكثر من أن الدولة فصلت نفسها عن المجتمع بدل أن تنفصل عن الدين لأن المجتمع العربي بالذات مجتمع متدين بالفطرة وبالتالي تفكيك نسيج الدولة والمجتمع وتفكك النسيج الاجتماعي مع بعضه البعض وهذه المشكلة لن تنحل إلا مع مرور السنين والعقود إذا وجدت الإرادة الفعلية لذلك ولا أظن هذا سيحدث كون ما يطرح من حل سياسي سوري – وأنا أذكر سوريا هنا على سبيل المثال – يبدأ بعبارة (علمانية الدولة ) وهذا يعني عودة أصل المشكلة وبالتالي فإن على الحلفاء وأعني بذلك ( حزب الله) التنبه لذلك .

المفهوم الليبرالي

تشدد الليبرالية على أفكار الحرية والمساواة ويتبنى الليبراليون أفكاراً مثل حرية التعبير وحرية الصحافة والحقوق المدنية والمجتمعات الديمقراطية .

وبالنظر إلى العالم العربي هل توجد دولة عربية ليبرالية أم لا ؟

في الحقيقة هناك من يدعي الليبرالية ادعاءً فقط وإلا فالحقيقة أن لا أحد يطبق هذا المفهوم كما هو .

نجد مثلاً في اليمن حزب المؤتمر الشعبي العام يقول أنه ليبرالي ولكن مجريات الأحداث على مرّ السنوات الماضية تنفي ذلك , فإغلاق الصحف ووجود السجناء السياسيين ومحاربة الصرخة وتبني الخطاب الديني لهيئة علماء الإصلاح وهذا كله فترة ما كان هو الحزب الحاكم ينفي صفة الليبرالية .

وفي هذه الأيام التي يروج الحزب عن نفسه أنه ليبرالي نسمع بين الفينة والأخرى أصواتاً وأقلاماً تتوجه نحو الشيعة مثلاً وتهاجم مكونات ثقافية أو فكرية أو اجتماعية أو حتى سياسية كتلك الأصوات التي نسمعها من بعض الدواعش من تشنيع للشيعة أو الزيدية وتلك الخطابات تكفر الآخر لاختلاف مذهبه .

إن هذه الأصوات لا تخدم الحزب الذي يفتح أبوابه لزيادة قواعده تضر بالحزب أكثر مما يستفيد وتجعل من القواعد الجديدة منتمية إلى مذهب بعينه ما يعني أن الحزب الذي عانى جرّاء أحداث العام 2011م يعاود نفس الخطأ وذلك أن الانتماء والولاء المذهبي في اليمن يكون أكثر من الولاء الحزبي إلا في النادر .

خلاصة القول

يبدو أن الساسة العرب لا يستفيدون من تجارب الماضي القريب فضلاً عن الماضي القديم ولازال تفكيرهم كتفكير زعماء السبعينات مع مرور العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وهو ما ينذر بمزيد من تفكيك النسيج الاجتماعي خصوصاً مع توجه الأعداء لهذه المهمة من خلال أياديهم وعملاءهم كأنظمة وأحزاب وحكومات وأفراد وما نراه في الخليج خير دليل على ذلك ويساعدهم في ذلك غياب الخطاب الديني الجامع في بعض الدول .

كما يبدو أن معتنقي هاتين المدرستين ( الليبرالية و العلمانية ) أخذوا المسمى وتركوا المضمون فلا هم تمسكوا بالدين وتركوا هذه المفاهيم ولا هم طبقوا هذه المفاهيم قولاً وعملاً وهذا سبب البلاء .