النباء اليقين

مجزرة القاعة الكبرى…قصة قصيرة

مجزرة الصالة الكبرى بصنعاء

زينب عبدالوهاب الشهاري

 

كان الصباح كمثل أي صباح في وطني المنكوب فنبيت على أصوات الطائرات التي تحط جحيمها كل ليلة على جماجم الصغار و النساء و نصبح على رائحة الدم و الدمار و نمضي يومنا حيث لا يمكن لأحدنا التكهن بأنه سيكون بمنأى عن آلة القتل التي لا تفتأ تحصد الأرواح يوميا في وطني بالعشرات و في كل وقت و بمباركة من العالم أجمع. أخبرني والدي أن هناك واجب علينا القيام به اليوم و لأن أبي لا يتخلف عن حضور المناسبات الاجتماعية و خير من يقوم بالواجب فقد انتهينا من طعام الغداء مبكرا و جهزنا أنفسنا للذهاب و عند ساعات العصر الأولى كنا قد وصلنا للمكان المحدد و ترجلنا عن السيارة و ركناها جانبا و كانت القاعة الكبرى هي محطة الوصول حيث يقام العزاء و كانت فعلا كبيرة كاسمها و تعج بالمعزين و بعد تقديم تعازينا لأسرة الفقيد جلسنا و مرت الدقائق حيث انشغلنا بالحديث مع من بجانبنا و المعزون لا ينفكون يحضرون تباعا و الجميع لا يعلم أن كارثة مهولة على وشك الوقوع …..

و فجأة ……

سمعنا هدير طائرة كان صوتها يعلو فوق رؤوسنا أكثر و أكثر ثم تبعه أزيز صاروخ هادر عظيم كاد يمزق طبلتي أذني و بعدها حل السواد و أحسست بلذع ألسنة اللهب تلفحني بشدة فحاولت إخفاء وجهي بين كفي و لم أعد أشعر بشيء بعدها و كانت تلك هي اللحظة الفارقة و الفاصلة بين الحياة و الموت…..

بعد فترة لم أعرف مدتها ….

إذ بي أحس ببعض الأيادي تزيل الركام المتكدس فوقي و الآلام الفضيعة لا تفتأ تنخر جسدي و أدركت أن المنية لم تزرني بعد و أني ما زلت على قيد الحياة أتجرع من عظيم الألم . برؤية مشوشة رأيت لوحة مخيفة من الموت تلف المكان … انتشلوني من مكاني و عدت ثانية لا أعي بمن حولي و أغمي علي من شدة الوجع. بعد ساعات فتحت عيني بصعوبة و تفقدت المكان حولي و أدركت أني بالمشفى كان صوت الصاروخ لا يزال عالقا في أذني و كان الرباط يلف معظم أجزاء جسدي التي نالت منها النيران و الشظايا… أغمضت عيني و عدت أتذكر المشهد، و روحي التي لم يقدر لها الموت تسأل كم يا ترى أرسل هذا الصاروخ اللعين اليوم من البشر الى الموت و كم هم الذين يكابدون الآلآم الشديدة على إثره مثلي. أغمضت عيني و لا زال مشهد من كان في صالة العزاء عالق في فكري و أفكر بأبي و مصيره. و بعد فترة… لا أدري لماذا سرت في نفسي سكينة عجيبة …. لم أدري كنهها لكني تيقنت أنها لم تأتي من فراغ و لكنها جاءت لتعلمني أن ما سيكون بعد هذه المجزرة ليس كما قبلها و أن القادم و الرد على المعتدين أعظم.

 

ملاحظة: الأشخاص الذين في القصة من خيالي جسدت فيهم مأساة القاعة الكبرى كما تخيلتها