النباء اليقين

ظلمناك حيّاً، وظلمناك ميتاً

صادق البهكلي…
تمُــرُّ علينا ذكرى اسْتِشْهَاد الشَّـهِيْد القائد السَّـيِّـد حُـسَـيْـن بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) ونحنُ في مرحلةٍ استثنائيةٍ بكُلِّ ما للكلمة من معنى، وهي مرحلةٌ ليست بالضرورة مفاجئةً لنا، لا من ناحية العدوان ولا من ناحية الصمود، فالشَّـهِيْدُ القائدُ رضوان الله عليه بما قدّمه من وعي وبصيرة وثقافة استباقية كان قد تناولها بكل تفاصيلها وكأنه كان يستبق الزمن لينقل لنا ما يخططه الأعداء وما سيعملونه، ونجده اليوم حاضراً بيننا ومعنا حرباً ومؤامرة، ونصراً وصموداً، تحدّياً وثباتاً..
وفي ذات الوقت الذي تتجلى فيه بورتريه حُـسَـيْـنية رسمتها ملاحم رجال الحُـسَـيْـن على فوهات مدافع الإبرامز الأَمريكية ما بين عسير وجيزان وصواريخ الزلزال والصرخة وقاهر1 تعيد رسمَ خطوط الطول والعرض من جديد، ومندهشاً حَـدَّ الذهول يرقب العالم كله ويترقب طرقات بنادق رجال الله الحُـسَـيْـنيين على أبواب وأسوار الإمبريالية الاستعمارية ليتم مواراتها على صرخات الله أكبر والنصر للإسْلَام.. على مد البصر يمتد البساط الأحمر تحت أقدام الحفاة القادمين من كهوف مَطْرَة ووديان صعدة التي لم تكن لهم سوى سجنٍ ومترسٍ ومقبرة، ومدرسة عملية وَصفحة حية تحكي عشرين حرباً وعشرَ سنوات عجاف، ولكن الثقافة القُــرْآنية التي كان قد غَرَسَها الشَّـهِيْد القائد في صدور رجاله تتشكل في النفوس موجة مِن لهب وبركان من نار تتحين الفرصة لتلتهم الطغاة والمتآمرين في ثورة هزمت طغيان العالم.
عامٌ كان يكفي ليحترق العالم كله بحقد أَمريكي أسود كلَون النفط والبارود وأدخنة قنابلهم الفراغية، وهي تدك قرى وجبال الـيَـمَـن يومياً وليتهم أدركوا أن رجالَ الـيَـمَـن لا يسقطون، وليتهم أدركوا أن الحُـسَـيْـن لم يَمُت!
تبّت أياديكم لم تدركوا يومَ نسفتم ضريحَ الحُـسَـيْـن أن الحُـسَـيْـن ليس رخاماً وقبراً ومزاراً، بل هو جذوة في النفوس، وكبرياء، ونخوة، عزةً وإباء، رجولة وشهامة، نصراً وشهادة..
وها أنتم اليوم بعد عام من لُغة تهديدية نيرونية وخيارات الموت قياماً أَوْ الحياة حبواً تحت أقدامكم تقفون صاغرين أذلاء تتوددون لرجال الحُـسَـيْـن.. وتمدّون أياديكم طمعاً في مصافحة عابرة من يد محمد عَبدالسلام أَوْ مهدي المشاط، ولكن الأيادي الطاهرة التي طبعت على ضريح الشَّـهِيْد القائد ذات يوم عهداً لن تحنث.. فلتفسحوا الطريقَ، فهي لم تعد لكم، واتركوها لرجالها وَأهلها فالمجد لا يصنعه العبيد.
* * *
ويبقى لنا أن نقولَ لك سيدي في ذكرى اسْتِشْهَادك هذه هي ثمرتك وهذا سراج حصانك.. سيدي مثلك لا يُكتب عنك حبراً وتبراً، بل دماء ووفاء ومواقف.. وها أنا أقفُ في حضرتك وكلما حاولت أن أكتب عنك تهزمني سطوة العجز، وتهتز في مشاعري مظلوميتك، تتناثرُ من بين أناملي أبجديات الحروف، وتتلاشى الكلماتُ تحت جاذبية الخجل.. فما في حضرتك سيدي إلّا شجاعةُ علي، وصرخةُ الحُـسَـيْـن، وإباء زيد.. وجهادُ الهادي.. وَتضحياتُ رجالك.
نتذكرك يا سيدي..؛ لأن دفءَ العزة والصمود والتحدّي والثبات التي تعمر بيوت الـيَـمَـنيين اليوم هي بفضل ثباتك وصمودك ونخوتك وإبائك يوم كنت لا تقبَلُ الظلم ولا ترضى بالضيم.. فصدعت بالحق حين سكت الآخرون، وأيقظت الأُمَّــةَ حين أرادوا لها السُّبات العميق، وحرّرتنا في زمن الاسترقاق والاستعباد، وأعدت لنا الكرامة في زمن الخضوع والاستكانة.. صفعت كبرياءَ الظالمين وقوّضت مضاجعهم وزلزلت عروشهم بصرختك التي أعادت للمستضعفين عزتهم وكرامتهم..
لقد كُـنْـتَ الفضيلةَ في أبهى حُلَّة..
كُـنْـتَ الشهامةَ في أبلغ صوره..
كُـنْـتَ الشجاعةَ في أصعبِ موقف..
كُـنْـتَ الوعي بمنطقه..
وكُـنْـتَ القُــرْآنَ بحكمته وهُداه..
كُـنْـتَ بسيطاً ولكنها بساطة هزمت أُبَّهتم..
كُـنْـتَ متواضعاً ولكنه تواضعٌ كسر كبرياءَهم.
كُـنْـتَ متزناً ولكنه اتزانٌ حَطَّم غطرستهم..
* * *
من أجلنا لاقيت الكثيرَ من المتاعب والملاحقات والاستهداف المتواصل وختمت حياتك مضحّياً من أجلنا، ونحن في المقابل ظلمناك كثيراً..
نعم يا سيدي ظلمناك يومَ دعوتنا لما فيه عزتنا وكرامتنا فتخلينا عنك، ظلمناك يوم تركت كُلَّ شيء وتفرّغت لنشر الوعي بيننا لمعرفة ما يُخطَّط لنا من مؤامرات من قبل أعدائنا، فسخرنا منك واتهمناك بالإمامة وَقلنا ساحر و.. و.. إلخ.
ظلمناك يوم صرخت في وجه أعدائنا لحمايتنا.. فوجّهوا إليك الحملات العسكرية لقتلك والتخلُّص منك ونحن نشاهدهم يحاصرونك ويضربونك بكلِّ برودة، وها نحن يا سيدي محاصَرون كما حاصروك، وها هم يتجهّزون للانقضاض علينا وقتلنا كما قتلوك..
ظلمناك يا سيدي يوم قتلوك بكل وحشية من أجلنا وتضحيةً في سبيل عزتنا وكرامتنا ونحن نتفرج عليك.. بل ونصفق لهم..
ظلمناك يوم لم نسمعْ نصائحَك وتوجيهاتك فلم نقدرها وفرطنا فيك، وأنت الذي شهد لك العالَمُ كُلُّه بأنك لم تكن شخصاً عادياً إنما كنتَ منحةً ربانيةً ورجلاً عظيماً..
ظلمناك ميتاً؛ لأننا لم نقدّر الكنز العظيم الذي تركته بين أيدينا وحُجَّة علينا..
ظلمناك ميتاً عندما اعتبرناك مجرَّدَ شخصٍ لطائفة وليس لأمة.. كما أنتَ في مشروعك عالميٌّ بعالمية هُدَى الله الذي بينته..
أخيراً يا سيدي وإن كنا نشعُرُ بخجل الحديث عنك فنحن وإن ظلمناك كثيراً نحن ظلمنا أنفسنا أَكْثَــرَ مما ظلمناك.. أما أنت فقد انتصرت انتصارَين، انتصارُ مشروعك القُــرْآني.. وانتصارٌ شخصيٌّ عندما اختارك اللهُ شهيداً عظيماً..
فسلامُ اللهِ عليك يومَ وُلدت، ويوم أطلقت صرختك المدوية، ويومَ استشهدتُ، ورحمةُ الله وبركاتُه.