النباء اليقين

الإخوان المسلمون.. من التشدد والتطرف إلى الانغلاق والإرهاب

الهدهد / مقالات

أحمد الحبيشي

 

بعد عشرسنوات من هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام 1914م – 1918م، وإلغاء الخلافة الإسلامية رسمياً، ظهرت جماعة ” الإخوان المسلمين ” في محاولة حركية لسد الفراغ الناشئ عن غياب دولة الخلافة في العالم الإسلامي، وتطويق الأفكار القومية والاشتراكية والليبرالية التي تزامن انتشارها في العالم العربي والإسلامي مع سقوط الخلافة. وقد تقاطعت مع اهداف الجماعة الوليدة مصالح متناقضة لقوى داخلية وخارجيـة تركت ظلالا ثقيلـة على مسـيرة جماعــة ” الإخوان ” وتحالفاتها العربية والدولية وخطابها السياسي والأيديولوجي !!

حرصت هذه الحركة على أن تزاوج بين الأفكار السلفية المعتدلة والمعاصرة للشيخ رشيد رضا والمخرجات السلفية للبيئات البدوية التي صاغت ـ في وقت لاحق ـ الجهاز المفاهيمي لفكر وثقافة ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن رجب الحنبلي ومحمد عبد الوهاب، وجنحت إلى تكفير كافة المذاهب غير السنية كالجعفرية والزيدية والاسماعيلية والأباضية , ولم تستثن من ذلك بعض الفرق السنية كالأشعرية والصوفية.

كان حرص جماعة ” الإخوان المسلمين ” واضحاً على ربط هذه المخرجات السلفية بأكبر مرجعية سلفية متشددة في التاريخ الاسلامي، وهي الأمام أبو حامد الغزالي، ما أدّى إلى تمهيد التربة لولادة سلفيات أخرى مدمّرة , تمثلت بدايتها الأولى في سلفية سيد قطب المتطرفة، حيث يصف الكثيرمن المفكرين كتابه التكفيري الشهير ” معالم في الطريق ” الصادر عام 1964م، بـ (مانفيستو) الإسلام السياسي المتطرف، الذي أنجب في أواخر القرن العشرين حركات جهادية مقاتلة ومنظومات فكرية متطرفة في عدد من البلدان العربية والاسلامية على طريق إقامة دولة الخلافة !!.

وقد اندمج معظم هذه الحركات في إطار” الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى “،وتلاقحت افكارها المتطرفة في خلاصة البيان الذي صدر باسم هذه الجبهة في فبراير 1998م، معلناً انطلاق شرارة الحرب الدينية و”بدء المعركة الفاصلة بين فسطاط ” الاسلام ” الذي تمثله هذه الجماعــات، و”فسطاط الكفر” الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والدول المتحالفة معها والموالية لها , بحسب ما جاء في ذلك البيان.

شكلت الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى ” جهازاً خاصاً ” مقاتلاً أطلقت عليه اسم “القاعدة” وأعلن هذا “الجهاز الخاص” مسؤوليته عن عديد من التفجيرات والاعتداءات التي استهدفت مصالح أمريكية وغربية، وابرزها تدمير البارجة الأمريكية ( كول ) في ميناء عدن عام 2000 وتفجيرات 11 سبتمبر 2001م الإرهابية في واشنطن ونيويورك، وتدمير ناقلة النفط الفرنسية (ليمبرج) في ميناء الضبة النفطي بمدينة المكلا عام 2002.

وبحسب فكر هذه الجماعات ” لا يجوز أن يبقى شبر على الأرض لا يحكمه الإسلام وشريعته، ولا يجوز ان يبقى إنسان على الأرض خارج دين الاسلام.. والله ما أرسل نبيه عليه الصلاة والسلام ليدعو ويبقى في مكانه , بل قال له ولأتباعه : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) أي قاتلوهم حتى يكون الاسلام حاكما علي الأرض بمن فيها وما عليها ” على نحو ما جاء في كتاب ( فرسان تحت بيارق النبي ) لأيمن الظواهري زعيم تنظيم ( القاعدة ) وكرره في شريط صوتي الشيخ عبدالله صعتر القيادي البارز في حزب ( التجمع اليمني للإصلاح !!

يمكن ملاحظة جذور هذه الأفكار في كتاب ” معالم في الطريق ” الذي قال فيه سيد قطب على نحو قاطع: ” ان العالم يعيش اليوم كله في جاهلية، والإسلام لايقبل أنصاف الحلول… فإما إسلام وإما جاهلية، وليس هنالك وضع آخر نصفه إسلام ونصف الآخر جاهلية “.

ويحدد سيد قطب بوضوح ودقة الطريق الذي يجب على المسلمين سلوكه من اجل أن يتسلم الإسلام قيادة العالم بمن فيه وما عليه حيث يقول : ” إنها لسذاجة أن يتصور الإنسان دعوة تعلن تحرير النوع الإنساني في كل أرض، ثم تقف أمام العقبات في وجه هذه الدعوة تجاهدها باللسان والبيان. فلا بد من إزالة هذه العقبات أولاً بالقوة ” ويرى سيد قطب أن الهدف الرئيسي للإسلام هو إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر، مشيراً إلى الطبيعة الهجومية للإسلام، ونافياً عنه في الوقت نفسه طابعه الدفاعي.

تجد النتائج والخلاصات التي وصل إليها سيد قطب، مقوماتها في ذلك الحجم الهائل من العداء لدور العقل في الحضارة الإسلامية.. فقد سار سيد قطب على خطى أبي حامد الغزالي الذي يطلق عليه السلفيون صفة ” الإمام المجدد حجة الإسلام ” ويحظى بتوقير وتكريم شديدين في أوساط مختلف التيارات السلفية المتشددة والمتطرفة والمعتدلة على حد سواء، ويعد القاسم المشترك فيما بينها بوصفه أشهر مرجع معادٍ للفلسفة والعقل النقـــدي في الموروث الفقهي الإسلامي.

ولعل ذلك هو ما دفع بعض المفكرين العرب إلى الاعتراف بأن الفقهاء والمفكرين المسلمين سبقوا هنتغتون في الترويج لموضوعه صدام الحضارات، ” فليس قليلاً ما كتبه أبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي وسيد قطب وآخرون ممن ” لم يجدوا في العلاقة بين الحضارة الإسلامية وغيرها من حاكم سوى التناقض والصدام , حيث تشكل كتابات هؤلاء، المادة الثقافية الأساسية التي تغذّى منها جيـلان من ( الصحويين )، جيل عمر عبد الرحمن وعبود الزمر وسعيد حوا وعبد السلام فـرج، وجيل تنظيم ( القاعدة ) ومن ذهب مذهبهم في هذه الأفكـار “.

والحال أن الفقه المعادي لدور العقل والفلسفة الذي صاغته وتمسكت به كافة المرجعيات السلفية باختلاف طبعاتها المتشددة والمتطرفة والمعتدلة، يقود بشكل تلقائي إلى معاداة الثقافات والحضارات الأخرى التي يلعب النشاط العقلي دوراً حاسماً في الانفتاح عليها وتمهيد التربة للتفاعل فيما بينها.

ولذلك ليس غريباً أن يرتبط العداء لدور العقل النقدي وللفلسفة وعلم المنطق والعلوم الطبيعية وغيرها من المناشط العقلية التي انتعشت في مرحلة ازدهار الحضارة العربية الإسلامية وعصرها الذهبي، ليس غريباً أن يرتبط هذا العداء , بمعاداة الثقافات الأخرى والخوف من التلاقح الثقافي معها بدعوى الدفاع عن الهوية والتمسك بالخصوصية، وهو ما وصفه الدكتور أحمد كمال أبو المجد بأنه دعوة إلى ” الانتحار الحضاري “.

لاريب في أن ذلك يساعدنا على تفسير الدعوة إلى التمسك بنمط حياة الأسلاف وثقافتهم والتي تجد تعبيرها في قول سيد قطب : ” إ ن الدعوة الإسلامية خرّجت جيلاً مميزاً في تاريخ الإسلام كله وفي تاريخ البشرية جميعها هو جيل الصحابة. وكان النبع الأول الذي استقى منه ذلك الجيل هو نبع القرآن وحده، فكان له في التاريخ ذلك الشأن الفريد. وعندما صـُبّت في هذا النبع فلسفةُ الإغريق ومنطقهم، وأساطيرُ الفرس وتصوراتهم، وإسرائيليات اليهود ولاهوت النصارى وغير ذلك من رواسب الحضارات والثقافات في البلدان التي فتحها المسلمون، اختلطت الينابيع، واختلط هذا كله بتفسير القرآن، وعلم الكلام، كما اختلط بالفقه، فلم يتكرر ذلك الجيل. وكان ذلك الاختلاط عاملاً أساسياً من عوامل ذلك الاختلاف البيـّن بين الأجيال وذلك الجيل المميـّز الفريد من السلف الصالح ”

منذ أن تحوّلت الدولة الإسلامية إلى مُلك سُلطاني عضوض، تعرّض مشروع الإسلام التغييري الثوري للتشويش والتلبيس والتعطيل، إذْ أصبح الأمن الداخلي المطلق هاجساً رئيسياً للنخب الحاكمة التي لجأت إلى السيف والذهب – الترهيب والترغيب – لشراء السلام الداخلي وانتزاع الشرعية.. فكانت النتيجة نكوص وتراجع عملية التغيير لصالح التعايش مع مصالح واحتياجات البنى التقليدية السائدة في المجتمع وإعادة إنتاج ثقافتها وقيمها الجاهلية التي جاء الاسلام لتغييرها.

وبالنظر إلى الدور البارز الذي لعبه الفقه المتشدد ورموزه الفكرية في مواجهة النشاط العقلي وتكفير الفلاسفة والمشتغلين بالعلوم الطبيعية، يتوجب التوقف عند أفكار ” الإمام المجدّد حجة الإسلام أبي حامد الغزالي ” المتشددة والمعادية للعقل، وهي الأفكار التي احتلت مكاناً محورياً في الفقه السلفي المتشدد، ولعبت دوراً مؤثراً في تشكيل ثقافتنا لقرون طويلة، فيما أدّى توقيرها والتمسك بها، وإضفاء القداسة عليها والإصرار على إعادة إنتاجها , إلى دخول ثقافتنا العربية والإسلامية نفقاً مظلماً أسفر عن مأزقها الراهن في هذه الحقبة من تطور عصرنا وحضارته الحديثة.

تعود صفات القداسة التي أضفيت على أفكار الغزالي إلى الاعتقاد الديني بالحديث الذي يُنسب إلى أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها”. وكان لهذا الاعتقاد أثر كبير في أن يتحوّل الإمام أبو حامد الغزالي من العزلة إلى معترك الدعوة والعمل في بداية المائة الخامسة الهجرية، حيث تملّـك الغزالي شعورٌ بأنه الإمام المجدد في مائته وعصره على نحو ما جاء في كتابه ” المنقذ من الضلال ” حيث قال : ” فشاورت في ذلك جماعةً من أرباب القلوب والمشاهدات فاتفقوا على الإشارة بترك العزلة والخروج من الزاوية، وانضاف إلى ذلك مناماتُ الصالحين كثيرةً متواترةً تشهد بأن هذه الحركة مبدأ ُخيرٍ ورشدٍ قدرها الله سبحانه على رأس هذه المائة. فاستحكم الرجـــاء، وغلب حسن الظن بسبب هذه الشهادات. وقد وعد الله سبحانه بإحياء دينه على رأس كل مائة، ويسّر الله تعالى الحركة إلى نيسابور للقيام بهذه المهـمة “.

يبدأ الغزالي دوره الملتبس في ” احياء الدين وتجديده ” في المائة الخامسة الهجرية بهجوم على العلوم الطبيعية التي شهدت انتشاراً واسعاً في العصر العباســي الذهبــي الأول، وأسهمت بقسط كبير في ازدهار الحضارة العربية إلى جانب المناشط الواسعة للحركة العقلية التي تميز بها ذلك العصر.

ينفي الغزالي أهمية العلوم الطبيعة، ويبالغ في التقليل من قيمتها، ويتشدّد في تحقيرها وتكفير المشتغلين بها قياساً إلى موقفه الداعم لعلم الفقه. ويصل عداء الغزالي للعلوم الطبيعية إلى حد أنه نفى أي فائدة منها لحياة الإنسان ومعيشته وتطوره الحـضاري، حيث يقول في كتابه الشهير ” جواهر القرآن ” بعد أن استغرق وأطال في شرح أهمية علم الفقه ومكانة أهل العلم في هذا المجال : ” إنما أشرنا إلى العلوم الدينية – يقصد الفقه – التي لا بد من وجودها، ولا يكون العالِم إلا بها، حتى يتيسّر سلوك طريق الله تعالى والسفر إليه. أما هذه العلوم الدنيوية (يقصد الطبيعية) فلا يتوقف على معرفتها صلاح المعــاش والمعاد، فلذلك لم نذكـرها “.

وكما هو الحال في هذ الكتاب، فقد هاجم أبو حامد الغزالي ـ في بقية كتبه ـ الفلاسفة والعلماء الذين اشتغلوا بالبحوث العلمية، وألفّوا وترجموا فيها، ورفض الاعتراف بالمنهج العلمي الذي يقرر أن الفلسفة تبحث عن الحقيقة وتقدمها إلى العلم فيما بعد، وهو ما أكده مسار تطور العلوم المعاصرة قبل وبعد الثورة الصناعية الكبرى في العصر الحديث.. وتمادى الغزالي في تحقير الفلسفة ووصفها بـ ” البهتان ” فيما وصف عمل ونشاط العلماء في مجال الفلسفة بـ ” التهافت ” على البهتان بحسب ما جاء في كتابه الشهير ” تهافت الفلاسفة ” الذي رد عليه ابن رشد بكتابه الشهـير أيضاً ” تهافت التهافت “. أما أخطر الأفكار التجديدية التي يزعم الغزالي وأضرابه أنه جدد بها الدين , فهي تلك التي عارض فيها بقوة , أن يكون المشتغلون والباحثون في علوم الطب والفلك والتشريح والكيمياء والرياضيات في عداد العلماء بذريعة أنهم ( يشتغلون في علوم لا نفع منها في معاش الناس ) على نحو ما أورده في كتابه الشهير إحياء علوم الدين !!.

على درب الغزالي سارت ثقافتنا وأصبح الفقهاء والمتكلمون في مجال النقل عن النصوص الفقهية القديمة هم العلماء، فيما أصبح تعريف العلم مقصوراً على الفقه. وبعد كتابه ” جواهر القرآن ” جاء كتـاب ” إحياء علوم الدين ” الذي اشتهر به الغزالي ليحوي مجموعة من الأفكار التي يستطيع الباحث فيها تفسير أسباب تراجع الحضارة العربية الإسلامية، ودخولها منذ المائة الخامسة الهجرية، مرحلة جديدة اتسمت بأفول ذلك الوهج والبريق اللذين تميزت بهما فترة صعود هذه الحضارة في العصر العباسي الأول.

صحيح أن أفكار الغزالي المتشددة ضد الفلسفة والعلوم الطبيعية حاولت التماهي مع العقيدة الدينية، إلا أنها لم تتمكن من احتكار تمثيلها قطعاً وحصراً، ولم تنجح أيضاً في قطع الطريق أمام محاولات أخرى للإحياء الإسلامي الصحيح لهذه العقيدة في أوقات متفرقة. أما قدرة أفكار الغزالي على البقاء لفترة طويلة، فلا يعود سببها إلى قوتها أو إلى أنها تمثل تجديداً للدين والعياذ بالله، بحسب ما يزعم به غلاة المتشددين والمتطرفين الأصوليين.

عندما ترجم العرب افلاطون وارسطو وسقراط خرج من بينهم الفارابي وإبن سيناء والرازي وإبن رشد وإبن خلدون والخوارزمي وابن الهيثم.. وعندما ترجم الأوروبيون إبن سيناء والرازي وإبن رشد والخوارزمي وآخرين من الذين نفى عنهم الغزالي صفة العلماء، ومعهم ارسطو وفيثاغورث والكثير من العلماء والفلاسفة الأغريق الذين كان للفلسفة والعلوم الطبيعية العربية فضل تعريف أوروبا بهم، خرج من بينهم ديكارت وكانطواينيشتاين ووليم جلبرت وهيغلوفوليتر وتوماس أديسون وجراهام بل وغيرهم من قمم النهضة العلمية والفكرية الأوروبية في العصر الحديث.

بالتوازي مع هذا الاتجاه استوعب الرعيل الأول من طلائع الفكر العربي المعاصر صدمة الحداثة على إثر احتكاكهم بالحضارة الغربية في عصر الاستعمار أواخر القرن التاسع عشر، وشرع بعضهم إلى ترجمة ديكارت وهيغلوكانط وفولتير، فخرج من بينهم رفاعة رافع الطهطاوي ومحمد عبده ولطفي السيد وأحمد أمين وطه حسين وقاسم أمين وغيرهم من روّاد النهضة الفكرية التي انطفأت في الثلاثينيات، على أثر ظهور جماعة ” الإخوان المسلمين ” وانبعاث الفكر السلفي المتشدد على يدها، كرد فعل لإلغاء الخلافة العثمانية رسمياً في تركيا بعد قيام ثورة مصطفى كمال اتاتورك التي أنهت نظام الخلافة وأقامت على أنقاضه أول نظام جمهوري في العالم الاسلامي.

كان النشاط العقلي يعد مظهراً للمعارضة، إذْ يؤدي التفكير العقلي في نهاية المطاف إلى نقد البنى الداخلية للأفكار والظواهر, وإقتراح وإبداع حلول جديدة لمشاكل المجتمع الإسلامي، ولذلك تعرّض العقل للعدوان عليه، وقام فقه التشدّد بدور وظيفي خطير في العدوان على العقل.

من المفارقات الخطيرة أن الفقهاء المسلمين تحوّلوا إلى رجال دين على غرار الإكليروسالمسيحي، ونهضوا بدور هام في تأطير ذلك التعايش لصالح الطرفين (السلطة والبنى التقليدية في المجتمع)، بعد دخولهم كشريك وسيط ضمن مفاعيل هذه العلاقة

يبقى القول إن انتعاش الاتجاهات المحافظة والمتشددة في التاريخ الإسلامي يعود في تقديرنا إلى الظروف التي مر بها المسلمون في حقبة الغزو الصليبي وحقبة الغزو المغولي، وصولاً إلى السيطرة العثمانية التي سبقتها سيطرة السلاجقة المرابطين في نيسابور التي اعترف الغزالي بأنه ذهب إليها وعاد منها برسالة ” تجديد واحياء الدين ” في المائة الخامسة من عصره، وما رافق ذلك ” التجديد والإحياء ” من هدم للبنى الثقافية الحضريـة، وتصفية لكنوز المعرفة العلمية، وتراجُع مكانة المدن والبيئات الحضرية، مقابل هيمنة ونفوذ البيئات البدوية والثقافة القبلية، وصولاً إلى الانقطاع التام عن إبداع الحضارة والسقوط المريع في هاوية التخلف !!.