النباء اليقين

كيف ضرب الـ”أف بي آي” الثقة بالنظام السياسي الأميركي؟

تلقّى الشارع الأميركي من جديد خبر عودة مكتب التحقيقات الفيدرالي للتحقيق في استخدام المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية لبريدها الإلكتروني الشخصي عندما كانت وزيرة للخارجية.

وهو ما يجد فيه مراقبون أنه قد يُلقي بظلاله على مسار الحملة الإنتخابية الرئاسية الأميركية قبل أيام من العملية الإنتخابية خصوصاً أن إثارة الـ “إف بي آي” للمسألة باتت وكأنها تؤثر بشكلٍ مباشر في عمليات استطلاعات الرأي حول أسهم الفوز الخاصة بالمرشحين الأميركيين. وهو ما جعل العديد من الخبراء يتساءلون عن دور وكالة التحقيقات الفيدرالية وأثرها على مجريات الإنتخابات الأميركية.

فيما لوحط أن أسهم المرشحين تعود لتتساوى بعد كل إعلانٍ يصدر عن الـ”إف بي آي”. لكن كل ذلك لم يعد الحديث المهم، على قدر التحليلات التي بات يخرج بها خبراء أميركيون وغربيون، حول ثقة الناخب الأميركي بنظامه بلده السياسي، الى جانب تراجع ثقة الدول والأطراف بالنظام السياسي الأميركي بعد أن دخلت مسائل أمنية حساسة في بازار السباق الإنتخابي بشكلٍ يُعتبر الأول في تاريخ أميركا.

فماذا في تسريبات الـ”إف بي آي” وردود الفعل عليها وأثرها على استطلاعات الرأي؟ وكيف ضربت من جديد النظام السياسي الأميركي؟

الـ”إف بي آي” يُعيد إثارة الجدل

إعلن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي استئنافه التحقيق في قضية هيلاري كلينتون والتي تتعلق بتسريب رسائل. وكان قد وجه جيمس كومي مدير الـ”إف بي آي”  خطاباً رسمياً لعدد من رؤساء اللجان في الكونغرس يوم الجمعة معلناً أن مكتبه سيستكمل التحقيق في مزيد من الرسائل المتعلقة بهذه القضية دون أن يحدد إطاراً زمنياً للإنتهاء من التحقيقات، مضيفاً أنه من غير الواضح حتى الآن مدى خطورة الرسائل الجديدة. وهو الأمر الذي أثار بلبلة جديدة على الصعيدين الرسمي والشعبي.

تسريبات الـ “إف بي آي” تؤثر على استطلاعات الرأي

ذكرت وكالات الأنباء الأميركية أن إعادة طرح التحقيق أثرت على الحملات الإنتخابية في أميركا قبل أيام من الإقتراع المرتقب في الثامن من تشرين الثاني لاختيار الفائز في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض. وهو ما أعاد اعتبار المرشح الجمهوري ترامب، بعد أن كانت كلينتون تتصدر استطلاعات الرأي. فقد أظهرت استطلاعات للرأي أن نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية المقررة خلال أسبوع أصبحت مفتوحة مرة أخرى بعد أن نجح مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، في إعادة تقاربه مع مرشحة الديمقراطيين هيلاري كلينتون وذلك بفعل فضيحة الرسائل الإلكترونية التي أثرت سلبا على كلينتون. حيث أظهرت آخر استطلاعات الرأي في أميركا اليوم الاثنين أن كلينتون لم تعد تتقدم على منافسها الجمهوري سوى بنقطة أو نقطتين.

كما استطاع ترامب تعويض تراجعه أمام كلينتون في بعض الولايات الأميركية المهمة مثل ولاية “فلوريدا” و زيادة تقدمه في ولايات أخرى كـ “أوهايو”. غير أن كلينتون لا تزال حسب هذه الإستطلاعات متقدمة فيما يتعلق بمسألة عدد أعضاء الهيئة الإنتخابية. وهو ما يحتاج ترامب لمواجهته عبر تحقيقه تقدماً أكبر في ولايات أخرى.

كيف تأثر الناخبون الأميركيون بالتسريبات؟

قام الناخبون الأميركيون بطرح العديد من الأسئلة بشأن الرسائل الجديدة وما قد تحتويه من معلومات، خصوصاً لجهة إعتبارها تمس بالأمن القومي الأميركي أم لا. وهو ما دفع بالمرشحة الديمقراطية كلينتون لمطالبة مكتب التحقيقات بكشف كافة الحقائق الخاصة بالقضية، وذلك في محاولةٍ منها لإظهار ثقتها بسلوكها تجاه مسؤولياتها التاريخية لا سيما في وزارة الخارجية. لكن ذلك لم يمنع حالة البلبلة الحاصلة.

لكن ما زاد الأمور تعقيداً كان تصريح نائب الرئيس الأميركي “جو بايدن” يوم الجمعة بعدم تفضيله العمل تحت ظل المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون إذا انتُخبت رئيسة للولايات المتحدة. وهو ما فسره الكثيرون بأنه يُشكل ضربة جديدة لكلينتون من قبل حلفاءها قد تساهم في التأثير على أصوات الديمقراطيين، خصوصاً أن التصريح ساهم في تعزيز تراجع الثقة بكلينتون.

قضية التسريبات: آثار وتحليل

عدة مسائل يمكن تفسيرها من خلال تطورات المشهد الإنتخابي يمكن إيجاؤها بالتالي:

أولاً: تعتبر مسألة التحقيق في رسائل بريد هيلاري كلينتون وما يتعلق بالقضية، مسألة غير واضحة، لجهة أنها ما تزال تخضع للتجاذب الإعلامي والسياسي دون وجود وضوح في الدلائل والبراهين. وهو ما يُعزِّز فكرة فشل الديمقراطية الأمريكية ودخول قضايا أمنية وطنية في بازار السباق الإنتخابي. خصوصاً أن المرشح الجمهوري ترامب يعتبرها دليلاً على عدم أهلية كلينتون، فيما تعتبرها الأخيرة مسألة تتعلق بعملية قرصنة إلكترونية روسية سعى ترامب لحصولها!

ثانياً: لم يعد يوجد أي ثقة لدى الناخب الأميركي بأي طرف من المرشحين، خصوصاً بعد أن دخلت قضايا الأمن القومي في الحملات الإنتخابية بطريقة لم تشهدها أميركا من قبل. وهو ما يمكن لحاظه من خلال عمليات إستطلاعات الرأي والتي شغلت الرأي العام الأميركي حول أهلية المرشحين وتراجع ثقة الناخب الأميركي بهم، مع فارق وتفاوت الآراء الأميركية حول ذلك.

ثالثاً: بات النظام السياسي الأميركي محط جدل واسع في الغرب والعالم، بعد أن فقد ثقة الشعب الأميركي به وثقة الدول الأخرى أيضاً. وهو ما يُطرح لأول مرة حول الواقع السياسي الأميركي، حيث لم يتم طرح هكذا نقاش فيما قبل. كما أن ذلك التحدي بات من أهم تحديات الرئيس الأميركي الجديد أياً يكن، خصوصاً حول كيفية إعادته لثقة الشعب الأميركي والعالم بالنظام السياسي الأميركي.

رابعاً: لأول مرة تدخل البلبلة الصف الأميركي الواحد، حيث أن الصراع الداخلي بين الأميركيين لم ينحصر على الديمقراطيين مقابل الجمهوريين، بل انتقل الى داخل الصف الواحد الديمقراطي وكذلك الجمهوري. حيث جرى منذ فترة النقاش حول أهلية دونالد ترامب ومخاطر وصوله للرئاسة، داخل الحزب الجمهوري، فيما يتم النقاش أيضاً منذ فترة داخل الفريق الديمقراطي حول أهلية هيلاري كلينتون الصحية والقانونية منذ تسريبات التحقيق في قضية البريد الإلكتروني.

إذن، لم تعد أميركا بسياساتها الداخلية أو الخارجية محط أمل أو ثقة العديد من الدول والشعوب. بل إن النظام السياسي الأميركي بات يحتاج لإعادة نظر بحسب رأي غالبية الشعب الأميركي. وهو ما عزَّزته تسريبات الـ”أف بي آي”، والتي أعادت طرح موضوع الثقة بالمرشحة الديمقراطية، لكنها أعادت أيضاً طرح مسألة أهلية النظام السياسي الأميركي!

المصدر: الوقت