النباء اليقين

كل عمل له آثاره

 من هدي القرآن ..
كل عمل يقوم به الإنسان ويقدمه في هذه الحياة له أثره الطيب أو عاقبته السيئة {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} ولأن الإنسان خلق عجولا ويحب العاجل ويخاف منه أكثر من الأجل فقد جعل الله له نموذجا الآثار أعماله الطيبة والسيئة هنا في الدنيا قبل الآخرة حرصا منه سبحانه وتعالى على هدايتنا وتخويفا لنا من اقتراف المعاصي والآثام ومن هنا فمناسب جدا أن نفهم هذه القضية ونتفهم أن كل ما يلحق بالإنسان من ظلم وقهر واستذلال وضنك المعيشة إنما هو عقوبة من الله لتفريطه بتوجيهات الله وعدم اهتمامه بها .

إن التقصير في فهم هذه القضية هو ما جعلنا نجهل وضعيتنا التي نحن فيها حتى آل الأمر إلى أن أصبحنا نتعبد الله سبحانه وتعالى بالبقاء على وضعية هي في واقعها عقوبة! والعقوبة التي تأتي من جهة الله هي أساسا ليزدجر الإنسان ليخاف ليعود إلى الله والى صراطه المستقيم.. ليس صحيحا ما يقوله البعض بان ما يحل من ظلم وتسلط وفقر واستضعاف وغلاء أسعار وشح في الأرزاق والمياه والأمطار بأنها تأتي من جهة الله ولا علاقة للإنسان بها وان هذا هو حال الدنيا والدنيا هكذا يعيش فيها أولياء الله مستضعفين مساكين ويوم القيامة سيعوضهم الله بدلا عنها جنات تجري من تحتها الأنهار هذا الكلام ليس صحيحا وحاشا لله أن يريد لعباده المؤمنين أن يعيشوا في الحياة مقهورين مغلوبين على أمرهم يعانون الأمرين سيادة الباطل وانتشار الفساد.

الله لا يريد هذا .يريد أن يعيش أوليائه حياة العزة والكرامة والغلبة والسعادة لكنه التقصير والإعراض عن هدى الله وتعاليمه وإرشاداته هو الذي يوصل الإنسان إلا أن يعيش حياة البؤس والشقاء {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} هذا بالنسبة للحياة الدنيا أما في الآخرة بحسب السياق والتوصيف القرآني فهكذا {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} ربط واضح في سياق هذه الآية ما بين عقوبة الشقاء في الحياة الدنيا وبين الشقاء في الآخرة فإذا ما كنت شقيا في الدنيا فاحذر أن تكون شقيا في الآخرة الله يقول عن ألعصاه {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}،وكم تكرر في القران الكريم هذا النوع من الآيات التي تبين أن الناس قد يحصل لهم في هذه الدنيا عقوبات على أعمالهم السيئة .

أما بالنسبة للجانب الأخر المتعلق بالهداية فقد يستطيع الناس تجنيب أنفسهم حياة البؤس والشقاء والاستصغار والذلة والمسكنة فقط يستنيروا بنور الله يتبعوا هدى الله يحذرون أن يقعوا في عمل أو يقدموا عمل يكون محط سخط الله {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} أرزاق مبسوطة، ورغد عيش وسعادة وعزة وكرامة وغلبه إذا ما استقاموا أما وقد كذبوا وعتوا وابتعدوا عن النهج الصحيح المرسوم في كتاب الله فإن العاقبة بلا شك ستأتي من جهة الله {وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي أخذ كان سيأتي من عند الله سوى كان نقص في البركات، أو خزي في الدنيا، أو ذلة ومسكنه كما هو حاصل اليوم عند الكثير من الشعوب الإسلامية التي نبذت كتاب الله ورأى ظهرها وأخذت تقتبس رؤاها وأفكارها ومنهجيتها ودساتيرها من أعدائها تقلدهم في كل شئ حتى في المأكل والملبس والزي حتى طريقة التعامل اصبحوا يتعاملون بالربا على الرغم من التحذير الشديد اللهجة للمسلمين من الاقتراب من التعامل بالربا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ومع ذلك استساغوه عن طريق البنوك الربوية فدخلوا بسبب ذلك في حرب مع الله والحرب مع الله يأتي بأشكال متعددة نقص في الأموال والأولاد والأنفس غلاء أسعار شح في المياه قلة أمطار تسلط الأعداء قهر ظلم قتل ضياع تيه شقاء حرب الله إذا ما دخل الإنسان فيها فانه سيخسر خسارة لا يمكن لأحد توصيفها لأنه سيحارب من له جنود السماوات والأرض يحاربه من كل جهة، من حيث يشعر ومن حيث لا يشعر، يحاربه في نفسه، يحاربه داخل أسرته، يحاربه في سيارته، يحاربه في مزرعته، يحاربه داخل مصنعه، يحاربه في كل شيء، ولهذا لا نقول بأنه يجب أن نتجنب الدخول في حرب مع الله لأن كل الدلائل والمعطيات وما نحن عليه اليوم من ذله وشتات وتيه وغفلة وشقاء تؤكد أننا قد دخلنا في هذه الحرب ولكن نقول بأنه يجب أن نبحث عن الطريقة التي تخرجنا من هذه الحرب الإلهية ولن نحصل عليها إلا بالعودة الجادة والصادقة إلى الله ومن ثم نسلم لله ونتبع هديه ونسير في الطريقة التي رسمها لنا في كتابه الكريم وفي سيرة أنبياءه ورسله وأعلام دينه .