الشــهداء وطـريق النصـر
بقلم/هاشم الوادعي
عندما تتحدث عن الشهداء، تتواضع الأقلام ويجف مدادها خجلاً أمام عظمتهم. عندما تبحر في متون وصاياهم ومفرداتها تنساب ريح هادئة من عالم آخر عرفوه حق المعرفة، ولا مكان فيه للزيف أو الرياء.
كلمات صادقة خُطت بدمهم القاني، ليست بحاجة إلى دليل عن صدقيتها، إذ إنهم كمن كشف له الغطاء فأصبح بصرهم حديدا. عرفوا الدنيا لكنها لم تأسرهم بحبها فأعرضوا عنها طائعين، فأحياهم الله في كتابه العزيز ﴿بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾. كلماتهم تضج «حزماً في لين» و«إيماناً في يقين وحرصاً في علم وعلماً في حلم»
كما وصفهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فهم «أهل الفضائل ومنطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع». ملامحهم تظهر بين سطور وصاياهم، فيفوح منها عبق الإيمان والتقوى والولاية والجهاد والتضحية والإيثار واليقين من النصر بتحقيق إحدى الحسنيين. «فهم يعلمون بأن طريقهم طريق ذات الشوكة والصعاب، فلم يهنو ولم يحزنوا حين اعتبروا من دعائم الإيمان وهو على أربع شعب، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين… وصاياهم تتمحور حول مجاهدة (امريكا وإسرائيل) والتشديد على وحدة المسلمين لتتكامل في منظومة واحدة يكمل بعضها بعضا، وتؤكد أهمية سلوك درب الجهاد وتأثيره على قوة الأمة وعزتها.
فقضية الجهاد لها قيمة في الإسلام باعتبار أنها توحي بقوة الأمة ووحدتها، والجهاد هو الطريق الذي سلكه المسلمون ليقطعوا سبيل الفتنة في العالم». وفي العنوان التفصيلي للجهاد ضد (امريكا وإسرائيل) تظهر تضحيات الشهداء وعياً ايمانيا رفيعاً وثقة كاملة بالنصر فهم يعرفون بأن قوق العدو التي يتحدث عنها المرجفون والمرتزقة بأنها القوة التي لا تقهر لا تعني شيئاً أمام قبضات المجاهدين ودماء الشهداء»…
وببصيرتهم الثاقبة أدركوا منذ البداية عظيم المسؤولية الملقاة على عاتقهم فكانوا أهلاً لها، وأدركوا المؤامرات وتحدثوا عنها وحذروا منها علم ومعرفة الشهداء بواقع الصراع الذي يخوضونه لم يقتصر على معرفة ميدانية أو قطرية إنما كانت رؤيتهم شاملة، ومؤمنين بصوابية وحقانية هذه الرؤية التي أثبت الواقع أنها عين الحقيقة.
فالتزموا بخط الجهاد الذي هو منار الأمة وعز الأمة التأكيد على الالتزام بنهج المسيرة القرانية لايفارق أي وصية من وصايا وهي كثيرة ونسمعها تتردد على السنتهم هي كلمات من نور، ولكنها قبسات سريعة تبقى عاجزة عن تفسير كنه ذلك البحر الواسع من الفيض الإلهي الذي يجسده الشهداء فكانت «أنفسهم عفيفة صبروا أياماً قصيرة أعقبتها راحة طويلة، تجارة مربحة يسّرها لهم ربهم، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها».