النباء اليقين

التهديد الأميركي الجديد للجغرافية السورية

تحولت سوريا في الوقت الحاضر إلى بؤرة للتوتر وصراع الإرادات بين الأنظمة الإقليمية والدولية التي يسعى كل منها إلى فرض رؤيته المستقبلية على جغرافية هذا البلد والمنطقة والنظام الدولي برمته.

وبمعنى آخر باتت سوريا محلاً للنزاعات ليس بين المعارضة وحكومة الرئيس بشار الأسد فحسب؛ بل تحولت إلى ساحة حرب إقليمية ودولية محدودة ضمن الإطار الجغرافي لهذا البلد من ناحية، ومسيطر على تداعياتها الأمنية والجيوسياسية الى حد ما من قبل القوى العظمى لاسيّما أمريكا وروسيا من ناحية أخرى. ولهذا يسعى كل طرف إقليمي أو دولي من الأطراف المؤثرة في الأزمة السورية إلى تحقيق أهدافه عبر هذه التشابكات والتقاطعات في المصالح ليكون الرابح الأكبر في نهاية المطاف.

ومنذ بداية الأزمة السورية في مطلع عام 2011 إنتهجت أمريكا إستراتيجية تقوم على أساس التلويح بالقوة العسكرية في العديد من المراحل التي مرّت بها هذه الأزمة، خصوصاً خلال المنعطفات المهمة والمؤثرة في تحديد مسارها على الصعيدين السياسي والأمني.

ويمكن الإشارة في هذا الخصوص إلى التهديدات التي أطلقها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في وقت سابق ضد سوريا بحجة إمتلاكها لأسلحة كيمياوية والتي كانت بمثابة ورقة رابحة بيد الإدارة الأمريكية لتبرير شن الحرب على سوريا. وقد ساهم في تقوية هذه الذريعة التصور السائد لدى بعض الأطراف بأن دمشق كانت تمتلك فعلاً مستودعات لمواد وأسلحة كيمياوية ولابدّ من تسليمها وإتلافها إستجابة لمطالب المجتمع الدولي في هذا الخصوص.

وتحاول أمريكا توظيف هذه الذريعة في الوقت الحاضر لإدخال قوات عسكرية إضافية إلى سوريا بهدف مضاعفة الضغط على حكومة الأسد بحجة أنها لم تقم بتسليم جميع ما لديها من أسلحة كيمياوية وربما قامت بإخفائها، ومن ثم الادعاء بأن جهات أخرى موالية لدمشق قد استفادت من هذه الأسلحة في الحرب الدائرة في سوريا. وفي كل الأحوال تسعى واشنطن من خلال ذلك لتنفيذ سيناريو جديد يهدف الى توسيع نطاق تحركاتها العسكرية داخل الأراضي السورية.

من هنا يمكن فهم سبب الضجّة الإعلامية التي تثيرها أمريكا والدوائر الاستكبارية المرتبطة بها والتي تسعى واشنطن من خلالها لتهيئة الأرضية المناسبة لبدء مرحلة جديدة من التهديدات ضد سوريا وبشكل أوسع وأشمل من أي وقت مضى.

ونظراً لتشابك التطورات الميدانية في سوريا تحاول أمريكا تنفيذ مخططها العسكري دون الحاجة إلى مشاركة قواتها بشكل مباشر في هذه التطورات، وتريد أن تستعيض عن ذلك بالتخطيط لإشعال فتيل المزيد من المواجهات بين المعارضة المسلحة لحكومة الأسد والقوات السورية.

وتستهدف أمريكا من وراء هذا المخطط إضعاف كلا الطرفين (المعارضة والقوات السورية) من أجل تهيئة الظروف المؤاتية لإدارة دفّة الصراع والسيطرة على مجريات الأزمة السورية بما يخدم مصالحها السياسية واستراتيجيتها العسكرية والأمنية في هذا البلد وفي عموم المنطقة.

وتشهد الساحة السورية في الوقت الحاضر حضوراً عسكرياً ملحوظاً من جانب روسيا وإيران ومحور المقاومة لاسيّما حزب الله من ناحية، وكذلك قوات الدول الغربية والإقليمية المتحالفة مع أمريكا. وهذا الأمر من شأنه أن يترك تأثيراً واضحاً على المسار السياسي للأزمة السورية من الناحيتين الواقعية والمعنوية.

وبذريعة محاربة الإرهاب تمكنت أمريكا حتى الآن من تعزيز تواجدها العسكري في الشرق الأوسط في إطار مساعيها الرامية إلى فرض هيمنتها على المنطقة باعتبارها قوة عظمى قادرة على بسط نفوذها الأمني والعسكري وقيادة العالم على حد زعمها.

ومن هذا المنطلق تريد أمريكا الترويج لفكرة الاستفادة من قوات عسكرية إضافية لتغيير جغرافية سوريا تحت ذريعة إستخدام السلاح الكيمياوي من قبل قوات هذا البلد.

وفي حال تمكنت أمريكا من تحقيق الحد الأدنى من أهدافها العسكرية في سوريا فأن ذلك سيعني إنها لن تجازف في زجّ قوات إضافية في هذا البلد أو لن تعمد على الأقل إلى إشراك هذه القوات بشكل مباشر في المواجهات الجارية في سوريا، وإلاّ فإنها ستتخذ دون ريب تدابير عسكرية أخرى في المستقبل للوصول إلى هذه الأهداف.

الوقت