عن السلام الدافئ وعيد تأسيس إسرائيل
بقلم/ حنان محمد السعيد
لم نكن نتصور أن يأتي اليوم الذي يهنئ فيه رئيس مصري ووزير خارجيته، الكيان الصهيوني المحتل بعيد التأسيس، وخاصة في الوقت الذي يقوم هذا الكيان بتنفيذ عمليات عسكرية على قطاع غزة بالتزامن مع هذا الخطاب العاطفي.
ولا يخفي على أحد الدور الصهيوني في تدمير دول المنطقة، بداية بالعراق ومرورا بسوريا وأخيرا اليمن وليبيا، وكيف لا تتواني إسرائيل عن إرسال الأسلحة والإمدادات لقاعدة العند التي يشن منها التحالف المعتدي غاراته على اليمن، بل لا نكون مخطئين إذا اعتبرنا أن الحرب التي يتم خوضها اليوم في اليمن هي ضمن المخططات الاسرائيلية للسيطرة على مضيق باب المندب ومد هيمنتها على مداخل ومخارج البحر الأحمر، وقتل أي بؤرة مقاومة يمكن أن تعرقل في يوم مشروعها الاستعماري، فمن لا يمكن ضمان ولاءه سنقضي عليه كي لا تقوم له قائمة.
ولا ننكر أن حديث هذا الرئيس عن “السلام الدافئ” كان له مقدمات كثيرة، تجعل من هذا التعبير غير غريب ولا مفاجئ، فالتصريحات والأفعال السابقة ومنذ ظهوره على الساحة السياسية كانت تظهر مدى تعاونه مع هذا الكيان المغتصب، وتصريحات العديد من المسؤولين في المنطقة حول نفس الأمر في نفس الوقت لا يمكن أن تكون مجرد تصريحات عشوائية.
ففي وقت سابق تحدث السيسي عن “توسيع اتفاقية السلام لتشمل دول عربية أخرى” وما سبق ذلك وتلاه من أفعال تؤكد انه يقوم بتنفيذ ما كانت تطمح إليه الحكومة الإسرائيلية في توفير منطقة عازلة على الحدود المصرية في سيناء، وهو ما حدث بالفعل بعد تهجير أهالي رفح، والحملات الأمنية المكثفة على المناطق السكنية في سيناء، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير وما ترتب عليه من تنازل عن السيادة المصرية على مدخل خليج العقبة، وادخال السعودية بصورة رسمية ضمن اتفاقية كامب ديفيد، والعديد من الأفعال التي تظهر تعاون وتوافق غير مسبوق بين النظام المصري والاسرائيلي.
ومنذ بداية العام انطلقت العديد من التصريحات من شخصيات عربية تؤكد على ضرورة التعاون والتماهي مع الدولة الإسرائيلية واعتبارها امر واقع يجب التعامل معه وليس رفضه أو مقاومته، وان الدول العربية لا يمكنها أن تقاوم إسرائيل ومن الأفضل أن تتعاون معها كقوة في المنطقة، بل وتمادى البعض للمطالبة بادخالها ضمن حلف سني لمواجهة المد الشيعي الإيراني.
من ضمن هذه التصريحات التي صدمت الرأي العام، تغريدات ضاحي خلفان، والتي قال فيها إن الصراع العربي الإسرائيلي يجب أن ينظر اليه كصراع على الميراث مع أبناء العم، وليقدم كل طرف مستنداته ليثبت أحقيته في الأرض! لهذه الدرجة تم تسفيه القضية ومحو كل جرائم الإبادة والتدمير وانتهاك الأماكن المقدسة!!.
ولا ننسى تصريح الملك البحريني عن “قدرة إسرائيل على حماية الدول المعتدلة في المنطقة” فإسرائيل ليست عدوا الآن ولكنها أصبحت بالنسبة لهم “حاميا” لعروشهم التي يغتصبونها رغما عن أنف شعوبهم.
ومنذ سنوات وتحاول الإدارة الأمريكية أن تطبق ما تطلق عليه “حل الدولتين” على الأرض، ويستلزم ذلك الحل “توسيع” قطاع غزة .. والسؤال الآن .. كيف سيتم توسيع القطاع؟ .. وعلى حساب من؟ .. هل يعني هذا أن الحكومة الإسرائيلية التي تعمل في كل يوم على بناء المستوطنات واقتطاع الأراضي الفلسطينية ستفتح لهم المجال لاستعادة جزء من الأراضي المغتصبة؟ أم أن التوسع المذكور سيتجه غربا؟.
ولكي نعلم أن هناك ما يدور خلف الستار باتفاق القوى الدولية وبدون علم الشعوب، فتصريحات السيسي عن السلام “الدافئ” والمبادرة المصرية لتحقيق “الأمل” للفلسطينيين و “الأمان” للإسرائيليين، أتت بالتزامن مع المبادرة التي يدعو أليها أولوند برعاية فرنسية، والتي يقوم لأجلها هو ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري بجولات مكوكية في الفترة الأخيرة، لإنهاء مشروعهم الغامض قبل نهاية مدة الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما.
ومن المدهش حقا أن الرئيس المصري الذي أعلنها صريحة من قبل أنه لم يعلن عن مسألة التخلي عن الجزر المصرية لصالح السعودية إلا بعد انتهاء الصفقة لعلمه أن الأمر سيثير الرأي العام، يوجه حديثه عن مبادرة السلام الجديدة إلى الإسرائيليين ويطالب إسرائيل بنقل حديثه في إذاعتها ولكنه لا يشرح لمواطنيه أي شيء عن ماهية هذه المبادرة وحقيقة الدور المصري فيها وبنود الاتفاقية وما ترمي إليه.. فهل ستثير هي الأخرى “الرأي العام” بعد أن يجد فيها الشعب مصيبة جديدة تقتطع من أرضه وحقوقه، وتضاف إلى مصائب أخرى مثل التوقيع على اتفاقية المبادئ وترسيم الحدود مع قبرص والسعودية وغيرها من الاتفاقات والقوانين المخفية منها والظاهرة.
وعلى الرغم من التعاون الكامل للحكومات العربية في الوقت الحالي مع الكيان الصهيوني، والذي بدأ يخرج إلى السطح بشكل واضح ولم يعد يمكن اخفاءه أو التنصل منه، وانإا بقي فقط أن يتحول إلى أمر واقع وطبيعي بعد 68 سنة من وجود هذا الكيان، إلا أن الشعوب سيكون لها دوما رأي آخر، فلتطلقوا عليه لقب دولة، مازلنا نعتبره كيان مغتصب، ولتهنئونهم بعيد التأسيس، مازلنا نعتبره يوم النكبة، ولتصنعوا معهم “سلاما دافئا” وتتعاملون معهم كدولة شرعية، فالشعوب لم ولن تعترف بمشروعيتهم، وإذا كنتم تريدون التأكد من ذلك فأعلنوا كافة أشكال تعاونكم مع هذا الكيان صراحة أمام شعوبكم، اكتبوا على بضائعهم “صنع في إسرائيل”، اعلنوا الزيارات المتبادلة بينكم، فمهما قلتم عن مشروعية هذا الكيان، لن تستطيعوا اقناع أحد بذلك ولا حتى اقناع أنفسكم!!.