النباء اليقين

تاريخ أسوار صنعاء لم يختلف ،وغزاة اليوم يكتب نهاياتهم عند أسوارها

بقلم / محمد علي العماد

صنعاء، وعلى مدى تاريخ طويل من الحضارة الإنسانية، لا مكان فيها للغزاة، والذين لا يجدون فيها الاستقرار، تحديدا منذ الغزو العثماني لليمن، فحين غزى العثمانيون اليمن، في محاولتهم لإخضاعها ضمن إمبراطوريتهم وخلافتهم، حشد وقاتل العثمانيون، ولكنهم سقطوا على أبواب وخارج أسوار صنعاء، ولم يسقط الجيش العثماني فقط، بل سقطت الإمبراطورية والخلافة العثمانية في عقر دارها وسقطت معها جميع الإقطاعيات العثمانية في العالم، بالتوازي مع سقوط الجيش والدرك التركي على أسوار صنعاء، ومن يومها لم تقم للإمبراطورية التركية قائمة.

ربما أن ما حدث للأتراك على أبواب صنعاء، لم يكن قد قرأه جيدا، الذين زحفوا إلى صنعاء من بعدهم، ففي زهو وذروة القومية العربية، وشخصية “عبد الناصر”، وعروبة أم الدنيا، إلا أن تاريخ اليمن، وطبيعة أرضه التي لا تقبل بالغريب أيا كان حاكما لها، رفضت ذلك أيضا، بالرغم أن “عبد الناصر” كان دخل اليمن بجيش عربي، تحالف من سوريا، الأردن، العراق، وفي الوقت الذي كانت معظم الدول العربية تستغفر باسم “عبد الناصر” من فرط عشقها وحبها له ولقوميته، ولكن لطالما عز على أي يمني دم أشقائهم المصريين، إلا أن واقع الأحداث لا أحد قادر على تغييره، فما حدث حينها، تسبب في استنزاف الجيش المصري في أطراف صنعاء، ولحق بذلك مباشرة سقوط نظام “عبد الناصر” في عقر داره بالقاهرة، ولم يقم لحكمه قائمة إلى يومنا هذا.

اليوم، يمن العزة والكرامة، يمن الصمود، بالرغم منه يبدو يمن بلا دولة، بلا اقتصاد، بلا سلاح متطور، إلا أنه يبقى اليمن، كما عهده العالم، يمن يخوض حرب هي الأقوى في تاريخه، يقارع أثرياء العالم، الذين تقودهم الجارة الكبرى، المملكة، التي أعدت وسلحت تحالفها بأحدث الأسلحة الفتاكة وأخر ما تنتجه مصانع الدول العظمى من ذخائر ومعدات عسكرية، بالإضافة إلى فتح خزائن الخليج لشراء سكوت وصمت العالم إعلاميا وسياسيا، وتسديد فاتورة باهظة للحصول على المساندة والدعم السياسي والعسكري لأكبر دولتين في العالم، مضاف إليها دعم جيوش أكثر من خمسة عشرة دولة.

اليوم، بل ومنذ بداية الحرب على اليمن، يتحدث زعماء ومقاولي هذه الحرب عن اقتراب سقوط صنعاء، غير مدركين أنهم يسيرون في ذات الدرب الذي سلكه العثمانيون والمصريون، وهو ما يبدو أن هذا التحالف لم يتعظ من لحق بهم، أو أنهم لم يقرؤوا التاريخ جيدا، وما حدث للجيوش التي شهدت أسوار صنعاء سقوطها، وانهيار منظومتها وحكمها في عقر دارها، ودخولها إلى مزبلة التاريخ.

ماذا يحدث اليوم؟!!.. للآسف، نرى الخليج العربي يخوض حرب هوجاء، لا شرع سماوي لها ولا قانون وضعي يرضى بها، بلا هوادة، وخلال ما يقارب العام، وضع كل ثقله الاقتصادي والعسكري والسياسي من أجل هدف واحد، هو تدمير اليمن، وبالرغم من تميزه بوحشية لا مثيل لها، إلا أنه لم ولن يصل إلى أسوار صنعاء.

نعم مازال التحالف الخليجي يقاتل، ولم يسقط عسكريا بشكل كامل، ولكنه الآن بدأ يسلك الطريق التي سلكها العثمانيين والناصريين، إنه التاريخ يعيد نفسه، وهو ما يبدو أن الخليج يريد الذهاب بنفسه إلى مزبلته، فلأول مرة تعجز دول الخليج من توفير ميزانيتها، الأمر الذي جعلهم يضطرون إلى سحب الدعم عن المواطن الخليجي، ولأول مرة أيضا، تطالب معظم دول العالم وعلى رأسها كندا والاتحاد الأوروبي، حظر بيع الأسلحة لـ”السعودية”.

لأول مرة، تخرج أصوات من داخل منظومة الحكم، ونسمع كل طرف يتهم الأخر بالانقلاب عليه، وبما ينم عن صراع عاتي، ستسقط على إثره الأسرة الحاكمة، ناهيك عن مطالبات أبناء القصيم بحقهم، والتي تأتي بعد ما كانت خلفته الإعدامات من تفاقم في حالات الاحتقان الطائفي الذي قد ينفجر في أي لحظة.

يضاف إلى كل ذلك، ما تصدر من إشارات في معظم دول العالم، بأن السعودية هي حاضنة داعش، وهو ما يشير أن السعودية ستصطدم الآن بالدب الروسي، والذي على ما يبدو بأنه يتحرك بغطاء أممي وعالمي أوكله مهمة محاربة داعش ومن يدعمها، ومع اتساع نيران هذه الحرب وتطوراتها فإن المملكة السعودية ستكون في مرمى غضب الدب الروسي، خاصة في حال تأثره أو اشتمامه لأي تحرك سعودي في لبنان وسوريا والعراق. الأهم، إذا استمر النظام السعودي في حربه على اليمن، ولم يعيد حساباته، ويبحث عن الخطر الحقيقي، فعليه أن يتأكد بأنه يكتب نهايته على أسوار صنعاء، وفي عقر داره سيلفظ الأنفاس الأخيرة لحكمه، إنه تاريخ اليمن، يحكي ذلك، خاصة مع من غزاه، وحكم الله على كل من اعتداء على اليمن قولوا ما شئتم وبرروا ما شئتم للغزاة، ولكن التاريخ يعيد نفسه فصنعاء بعيدة عليكم وستبقى، وتاريخها يشهد بسقوط غزاتها في كل العصور.