بقلم/د.أحمد صالح النهمي”هيكل والعدوان على اليمن “
لم يكن الأستاذ محمد حسنين هيكل مجرد كاتب صحفي عميق الرؤية أو مفكر سياسي متوقد الذهن ، بل كان حالة فريدة استطاعت استقراء التاريخ وتمثله في قراءة الحاضر وتحليل مشكلاته ورسم آفاق المستقبل العربي ، كما استطاعت تمثيل الذاكرة العربية المعاصرة على امتداد أكثر من ستة عقود من الزمن ، فهو كما يصفه يحيى قلاش نقيب الصحفيين المصريين أكبر من أي مؤسسة، وكان بحد ذاته مؤسسة خاصة، متعددة الزوايا.
هيكل أحد أهم القامات العربية الكبيرة التي تعاطت في مواقفها مع قناعاتها التي تؤمن بها ، بعيدا عن تأثيرات السياسة، وإغراءات السلطة، ففي الوقت الذي اتخذت كثير من النخب السياسية العربية مواقف معادية من إيران بعد قيام الثورة الإسلامية تبعا لسياسات بلدانهم ، نجد هيكل يتعاطى بإيجابية مع إيران وثورتها متجاوزا خلافات مصر معها فيصفها بأنها جزء من شبابه وكان أول كتاب كتبه فى حياته هو «إيران فوق البركان» وعمره لا يتجاوز 23 عاما، ثم ألف كتاب «مدافع آية الله» باللغة الانجليزية، وترجم إلى 33 لغة، وكتب أيضا عن إيران وحرب الخليج ، وتتابعت زياراته إلى إيران ويجمع في صداقته بين الشاه والخميني .
هيكل والعدوان على اليمن : يعد الأستاذ هيكل واحدا من القامات الكبيرة استعصت على سياسة البترودولار ومغرياتها، فلم تستطع أن تشتري مواقفه لتأييد العدوان على اليمن، أو تؤثر في استقراءاته لمجريات الأحداث، فلجأت إلى تسخير سفهائها من الكتاب المرتزقة للتطاول على هذه القامة الشامخة لا سيما بعد المقابلة التي أجراها مع قناة cbc)) فى الحلقة الثانية من حلقات برنامج «مصر أين وإلى أين؟» الذي تديره الإعلامية لميس الحديدي في هذه المقابلة أكد هيكل على أن هادى منصور أصبح مجرد أسير عند المملكة السعودية، ولا يملك سلطة التفاوض،وأن نظامه كان على وشك السقوط دون أى شىء، ورأى أن العدوان على اليمن “يرتبط بشكل وثيق بعملية انتقال السلطة فى السعودية، وعلينا أن نتوقف أمام هذا الانتقال ونفهم أسبابه”، كما اتهم هيكل دول تحالف العدوان على اليمن بأنها تشن حربا بالوكالة الأمريكية، ونصحها بالعودة إلى الحلول السلمية وعدم الانجرار في خيار الحرب، ساخرا من تصوير العدوان على أنه محاولة لإحلال السلام والأمن ودحر (الإرهاب) من اليمن، كما أكد على أن اليمن لا يمكن احتلالها عسكريا، مشيرا إلى أن أنه لا توجد “قوات عربية مشتركة، وأن السعودية كانت قد دمرت بالقصف الجوي ما بناه اليمنيون خلال مائة عام ، وأنها اتخذت قرارها بشأن التدخل العسكري في اليمن بشكل منفرد وجاءت إلى القمة العربية في شرم الشيخ لتفرض الأمر الواقع على العرب ليقول الملك السعودي «هذا قرارنا ومن يريد أن ينضم لنا فلينضم، ومن لا يريد فله ما يشاء».
العدوان على اليمن عدوان أمريكي: في معرض إجابته عن الدور الأمريكي في العدوان على اليمن أكد هيكل على أن الأمريكان كانوا مشتركين وموجودين ويضربون وأن” مشاركة أمريكا لم يخفها أحد سواء بالمعلومات أو الدرونز (الطائرات بدون طيار) أو بالمخابرات” وأنها ضربت فى اليمن بالفعل، فأمريكا قتلت 3000 شخص قبل الحرب الأخيرة، وعندما جاءت عاصفة الحزم فإن أول شىء فعلوه هو إخلاء مركز به 100 خبير يتولون عملية التوجيه وأريد أن أقول لك إن أحد مواقع التوجيه كانت موجودة فى أحد القصور الرئاسية فى اليمن. لقد جندت أنظمة البترودولار مرتزقتها للنيل من هذه القامة العربية الكبيرة في حياته، ولم يسلم منهم وهو يودع وطنه وأمته إلى مثواه الأخير …رحم الله الأستاذ هيكل …وسيبقى اليمن حرا منتصرا .