النباء اليقين

لماذا يحدث كل ذلك ضد اليمن؟

الهدهد / متابعات

اليمن الذي كان يسمى سعيداً أصبح اليوم يمناً بائساً يشوبه الدمار والموت، وكل ذلك جرى بسبب ألاعيب دولية وسعودية على هذا البلد.

لقد استطاعت القوى التي تخطط للمنطقة إحداث فوضى في اليمن عن طريق خلق النزاعات الطائفية والقبلية فيه، وساهمت هذه الدول وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية في تمويل أطراف على حساب أطراف أخرى.

ترى لماذا يحدث كل ذلك ضد اليمن؟

يتمتع اليمن بأهمية جيوسياسية تتجلى بالموقع الجغرافي المهم، وما يختزنه هذا النطاق الجغرافي من ثروات وموارد طبيعية فوق الأرض وتحتها، إضافة إلى الإرث الحضاري والثقافي للشعب اليمني الأكثر تميزاً في شبه الجزيرة العربية، كما تضاف لليمن أهمية إشرافه على جهتين مائيتين تمتدان على مسافة مقدارها 2500كم، الأولى تطل على بحر العرب وخليج عدن جنوباً والثانية على البحر الأحمر غرباً، وضاعف من أهمية اليمن انتشار الجزر البحرية الإقليمية في مياهه على امتداد بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر كجزيرة بريم المطلة على مضيق باب المندب الذي ازدادت أهميته البحرية بعد افتتاح قناة السويس، وأصبح أحد أهم المضائق المائية العالمية لأنه يشكل عنق الزجاجة بالنسبة للبحر الأحمر والمتحكم بالطرق التجارية بين الشرق والغرب، إذ يمر عبر باب المندب يومياً ما نسبته 4% من الطلب العالمي على النفط وما يعادل 10% من الشحنات التجارية العالمية، الأمر الذي جعله يحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد مضيق هرمز ومضيق ملقا من حيث كمية النفط التي تعبره يومياً، وهذا ما زاد من أهميته الاستراتيجية وقيمته الاقتصادية.

كل المعطيات السابقة جعلت موقع اليمن الجيواستراتيجي اليوم ساحة صراع، فهو يجعل من يسيطر عليه لاعباً أساسياً في المنطقة والعالم ويمنحه القدرة على التحكم بأحد المعابر المائية العالمية، لذلك، تسارعت الأحداث في اليمن وأصبحت قراءتها غير واضحة، ومؤخراً قامت مجموعات المجلس الانتقالي بالاستيلاء على المراكز الرئيسة في مدينة عدن التي اتخذتها حكومة هادي عاصمة مؤقتة لها، وكذلك الاستيلاء على بعض المراكز العسكرية في محافظات الجنوب، ما جعل التحالف العربي بقيادة السعودية يهتز كثيراً وربما يتلاشى مستقبلاً برغم الدعوات للحوار بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي.

إن تسارع الأحداث الأخيرة في اليمن، وخاصة في جنوبه، يؤكد أن القوى التي تخطط لتمزيق هذا البلد لا تزال غير قادرة على فعل ذلك برغم تعدد أساليبها.

لقد بدأت الأحداث في هذا البلد منذ وقت طويل عندما جرى عام 1990 توحيد الشق الجنوبي من اليمن مع الشق الشمالي والعودة إلى صنعاء عاصمة لها، وفي عام 1994 اندلعت احتجاجات أهلية قادها الجنوبيون لشعورهم بالغبن من تصرفات الحكومة المركزية التي كان يقودها آنذاك علي عبد الله صالح، لكن هذه الاحتجاجات أخمدت.

وتوالت الاحتجاجات في هذه المرة في الشمال بقيادة حركة «أنصار الله»، لقد بدأت هذه الاحتجاجات منذ عام 2003 إلى عام 2009، لكنها لم تحقق ما تريد، واندلعت من جديد عام 2011 لكنها هذه المرة استطاعت أن تضعف حكومة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وقد تزامن ذلك مع تسلل جماعات تنظيم «القاعدة» الإرهابي إلى اليمن وسيطرتهم على مساحات من شرق البلاد، ما اضطر الرئيس صالح إلى الاستقالة وتولى الرئاسة بعده بشكل مؤقت عبد ربه منصور هادي على أن يشرف على «حوار وطني» لوضع دستور شامل على أساس اتحادي، لكنه لم يفلح في التوصل إلى ما وعد به، ما دفع حركة «أنصار الله» عام 2014 إلى التقدم بسرعة والسيطرة على العاصمة صنعاء في 21 أيلول مطالبين بالمشاركة في السلطة التي تحكم البلاد.

وفي عام 2015 هرب الرئيس المؤقت منصور هادي من صنعاء إلى الرياض، وعلى إثرها بدأ التدخل السعودي في اليمن مع تشكيل تحالف بدأ حرباً وحشيةً على اليمن، لكن سرعان ما استغلت «القاعدة» هذه الأحداث، وأقامت دويلة حول المكلا في شرق اليمن، الأمر الذي أثار مخاوف جميع الأطراف المتصارعة هناك، وبدلاً من إلقاء الصواريخ السعودية وتحالفها على «القاعدة»، أخذت تطلق هذه الصواريخ على صنعاء وجوارها، ما دفع حركة «أنصار الله» إلى الرد بالمثل فأطلقت الحركة صواريخها باتجاه الأراضي السعودية، وخاصة العاصمة الرياض.

في زخم هذا المشهد قامت عام 2018 القوات التي يدعمها التحالف بمحاصرة ميناء الحديدة، الشريان الرئيس والحيوي لليمن كله، وقد تزامن ذلك مع ظهور المجلس الانتقالي في الجنوب كقوة فاعلة، إذ استطاع الاستيلاء على المراكز الحكومية في عدن التي اتخذها منصور هادي عاصمة مؤقته له، ثم ما لبثت أن سيطرت على بعض المواقع العسكرية والحكومية في بعض المحافظات الجنوبية اليمنية.

وبين كرّ وفرّ تتسارع الأحداث في اليمن من دون التوصل إلى رسم خريطة تعيد الأمن والاستقرار لهذا البلد.
وسيبقى هذا المشهد قائماً مادامت الحلول غائبة ومادام اليمن يتعرض للقصف من التحالف الذي تقوده السعوية من دون أي اكتراث بمعاناة الشعب اليمني.

(مركز الدراسات الاستراتيجية العالمي)