النباء اليقين

التصعيد الأميركي في الخليج إلى أين؟

صقور الإدارة الأميركية الذين يكتشفون بريطانيا لإشعال فتيل الحرب في الخليج، يصطدمون بأزمة العجز البريطاني عن حماية سفنها في مضيق هرمز. لكن المراهنة على بوريس جونسون الأكثر تشدداً من تيريزا ماي، قد تكشف استفحال العجز وعودة الصقور إلى المربع الأول أمام الحائط المسدود.

الرد الإيراني على اختطاف ناقلة النفط في مضيق جبل طارق، لم يستهدف على ما يبدو منع بريطانيا من إعاقة حرية الملاحة الإيرانية وحسب، بل أيضاً إحباط مراهنة جون بولتون على بريطانيا للتصعيد ضد إيران أبعد من حافة الهاوية. فالرئيس الأميركي الذي توقف ضد إيران عند حاجز أقسى العقوبات، عطّل بذلك مراهنة بولتون وفريق نتانياهو وبومبيو وابن سلمان وابن زايد، على ذهاب ترامب إلى الحرب العسكرية لكي يمشوا وراءه. وفي هذا السياق كشف احتجاز السفينة البريطانية في مضيق هرمز أن مغامرة بريطانيا هي بمثابة زوبعة لا تؤدي إلى إشعال فتيل الحرب ولا تدفع الدول الأوروبية إلى التصعيد في مؤازرتها كما يأمل الصقور.

ترامب الذي وضعته إيران أمام خيار الحرب الشاملة في الخليج والمنطقة إذا لجأ إلى التصعيد العسكري، يضع أميركا وراء الذين يراهنون على أن يتلطوا وراءها في مغامرة الحرب. وهو الأمر الذي يسميه ترامب “التحالف الدولي لحماية الممرات المائية الاستراتيجية”، لكن دعوته تنمّ في واقع الأمر عن اعترافه بأن أميركا تفتقد زمام المبادرة في مياه الخليج ولا تجد بجانبها سوى بريطانيا التي تعجز عن حماية سفنها.

الدول الأوروبية التي تعلن التزامها بالاتفاق النووي على الرغم من الشلل الذي يصيبها لإنقاذ الاتفاق، تعرب عن اتفاقها على “استخدام الورقة الدبلوماسة” كما يقول وزير الخارجية الأماني هايكو ماس من باريس بعد لقائه نظيره الفرنسي. وفي هذا الاتجاه تعتمد الدول الأوروبية على الحراك السياسي لخفض التوتر بين إيران وأميركا، وعن استعدادها للمشاركة في مبادرة بغداد “للقمة الاقليمية”، بحسب فيدريكا موغريني. وإلى جانب الدول الأوروبية التي تتمايز عن صقور الإدارة الأميركية، تُبدي الكويت وقطر وسلطنة عُمان تمايزها عن ترامب وابن سلمان وابن زايد، في الدعوة إلى  خفض التصعيد والعمل لمنع الحرب التي تهدد بدمار الخليج والمنطقة. وفي إطار المبادرة العراقية وقلق بعض الدول الخليجية ربما يتحرك في طهران رئيس الوزراء العراقي ويوسف بن علوي.

ما تعجز عنه أميركا في إنشاء “تحالف دولي لحماية الممرات”، هو في يد إيران في مسعاها إلى إنشاء “تحالف بحري” وفق قائد السلاح البحري حسين خانزادي. وربما في هذا السبيل أيّدت طهران “القمة الاقليمية” في محادثات رئيس الوزراء العراقي عادل عبد الهادي. لكن ما تؤكده طهران يتعدّى مسعى التحالف البحري إلى إثبات سيطرتها على المضائق والممرات، على لسان نائب الرئيس الايراني اسحاق جهانغيري وعلى لسان الرئيس حسن روحاني في قوله “كانت إيران على مرّ التاريخ الحارس الأساس لأمن وحرية الملاحة وستبقى كذلك”.

هذا الواقع يفرض نفسه على ترامب الذي يتراجع عن تفاؤله بفرض التفاوض على إيران تحت وطأة العقوبات القسوى، بحسب تعبيره. فخلال استقباله لرئيس الوزراء الباكستاني عمر خان، يتجاهل في حديثه ذكر الناقلة البريطانية والحديث عن التحالف الدولي وعن التصعيد في الخليج وإيران. ولعل إشادته بانتخاب بوريس جونسون” بأنه سيكون رئيس وزراء عظيماً، هو تعويض عن إمساك إيران بزمام المبادرة في الممرات المائية وفي الحراك الدبلوماسي. فبوريس جونسون الأكثر تشدّداً من تيريزا ماي ومن وزير الخارجية جيرمي هانت، يعبّرعن تشدّده في مشروع “بريكست” الذي يثير حفيظة أوروبا ولا ينجح بالضرورة بتأمين خروج بريطانيا من دون اتفاق كما يراهن.

لكن بوريس جونسون عبء على ترامب في مياه الخليج وفي السياسة الدولية، مثل بولتون وصقور الإدارة الأميركية وفريق الباءات. وقد يكون عبئاً على ترامب وعلى الصقور في بريطانيا نفسها، حيث يصعب عليه إنقاذهم من المأزق ويصعب عليهم إنقاذه.