النباء اليقين

أمريكا وسياسةُ التفريق

الهدهد / مقالات

عبدُالرحمن محمد حميد الدين

كثيرةٌ هي الشواهد في مفردات هذا العالم الواسع بسمائه وأرضه هي جديرة بالتأمل، وعلى الإنسان المسلم أن يكون كثير التأمل؛ لأن التأمُّلَ والتدبرَ في مفردات هذا الكون هو واجبٌ دعا إليه القرآن الكريم وأكَّد على أهميته في واقع الإنسان، وهناك الكثير من الآيات الكريمة التي تدعو إلى التأمل والتدبر، ومن ذلك قولُ الله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. وغيرها من الآيات القرآنية الكريمة التي تدعو وتؤكد على ضرورة السير في الأرض والتأمل في هذا الكون، وفي تقلبات الناس والأمم والمجتمعات.

ونريد أن نشيرَ في هذا المقال إلى نقطة هامة جدًا، تعتبر من الشواهد على ما ذكره اللهُ عن صفةٍ اتصف بها اليهود، وهي سياسة التفريق بين الناس. حيث يقول الله تعالى حاكيًا عن هذه السياسة التي تميز بها اليهود: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}.

وعندما نتحدث عن اليهود ليس بالضرورة أنهم أولئك القاطنين والمستوطنين في بقعة جغرافية معينة، كفلسطين أو أمريكا أو النمسا أو ألمانيا أو غيرها من دول العالم، نعم اليهود أفرادًا وجماعات هم داخلون تحت هذه المظلة التفريقية ما لم يعودوا عن يهوديتهم المحرفة ويدخلوا في السلم ويؤمنوا بالقرآن، لكن تركيزنا هنا هو على السياسات الأمريكية والأوروبية المحكومة من (اللوبي العالمي اليهودي الصهيوني) الذي يديرُ سياسات هذا العالم بما فيها السياسات الاقتصادية والدولية.

فهؤلاء اليهود قد نبذوا كتابَ الله وفضَّلوا التوجه نحو تعلم السحر بغرض الفتنة والتفريق، وتحقيق الكثير من المكاسب، حتى أصبحت عادة لديهم أن يفرقوا بين المرء وزوجه، وبين الأخ وأخيه، والأب وابنه.. ثم تطورت هذه السياسة بتطور قدراتهم وإمكاناتهم، فأصبحوا يسعون للتفريق بين الدول، وبين الحكام وشعوبهم، وبين الطوائف والمكونات الاجتماعية بمختلف توجهاتها السياسية والاجتماعية والثقافية.

يقول الشهيد القائد في الدرس السابع عشر من دروس رمضان: “الله سبحانه وتعالى الذي نزل القرآن يعلم ما سيأتي في المستقبل على أيدي كثير من أعدائه، وبالذات اليهود ماذا سيعملون وكيف سيقدمون القضايا.

هو ذكر عن اليهود في [سورة البقرة] توجههم للتفريق، لديهم سياسة التفريق، كان يهمهم من العلوم الهامة في عصر سليمان هو: أن يتعلموا ما يفرقون به بين المرء وزوجه! ذكر عنهم أيضاً: أنهم يفرقون بين الله ورسله وأنهم يفرقون بين رسله. عندهم سياسة التفريق هذه قائمة إلى الآن وبرزت بشكل كبير في هذا العصر بما فيها هذه: التركيز لديهم على التفريق فيما بين الرجل والمرأة باعتبار هذا جنس وعالم لوحده، وهذا جنس وعالم لوحده؛ ليثيروا هذا العالم على هذا العالم الآخر وليحسسوا هذا العالم، عالم المرأة – كما يحاولون – أنه مستضعف ومضطهد وحقوقه يضيعها عالم الرجل. التفريق هذه سياسة لديهم يفرقون بين الإنسان وبين الله بلغت المسألة حتى مع عملائهم وأصدقائهم من الحكام أن يعملوا على التفريق بينهم وبين شعوبهم، أليست سياسة قائمة إلى الآن؟”.

وبالفعل – كما يقول الشهيد القائد – برزت هذه السياسة لدى اليهود في هذه العصر بشكل ملفت، وبذلك هم يحققون الكثير من أهدافهم الشيطانية، فيدعمون هذا الطرف السياسي حتى يتمكن من خصمه في الساحة، ثم يتوجهون لدعم الطرف المقابل ليكون في مستوى أن ينزل بخصمه الهزيمة، وبذلك ينهكون تلك الدولة أو ذلك المجتمع ثم يتوجهون لاختراقه من الداخل، ومن ثم السيطرة على مكتسباته ويسترجعون ما أنفقوه بمئات ملايين الأضعاف!!

إذًا فسياسة التفريق بين الناس هي سياسة من السياسات الخبيثة الخاصة باليهود، والتي أخبرنا اللهُ عنها منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، ولم ولن يحتاج العرب والمسلمون في يومٍ من الأيام أن يُعدوا الدراسات الميدانية والأبحاث المعمقة ليعرفوا مَن هو المسؤول عن سياسات التفريق والفتنة في أوساط شعوبهم.

ومن خطورة اليهود أنهم يلبسون الحقَّ بالباطل، حتى فيما يتعلق بالتفريق وإثارة الفتنة بين الناس، وبين المكونات السياسية والاجتماعية، ففي كثيرٍ من الأحيان يقدمون أنفسهم بأنهم الحريصون على حقوق ذاك الطرف، أو ذاك الطرف، أو أنهم يسعون لأنْ تنال الأقلية الفلانية ما يسمى بحقوقها وحرياتها، أو أن ينال ذلك الشعب أو ذلك الإقليم استقلاله.. وما إلى ذلك، وهم بذلك يهدفون لالتهام كافة الحقوق التي ينادون من أجلها، سواء تحت عناوين: منظمات إنسانية، أو مجلس أمن، أو محكمة دولية، أو تحكيم دولي، أو تحت غطاء أحلافٍ دولية أخرى.

حيث يقول الشهيد القائد في الدرس السابع عشر من دروس رمضان: “ليسوا وراء إعطاء أحدٍ حقه، هم وراء أن يأخذوا حقوق الكل، إنما لا يتمكنون أن يأخذوا حقوق الكل إلا بعد سياسة التفريق هذه وتجزئة المجتمع وتفريق ما بين الحاكم والشعب وما بين الرجل والمرأة، التفريق بكل ما تعنيه الكلمة، سياسة أثبتها القرآن الكريم أنها قائمة لديهم منذ أن حكى عنهم أنهم يفرقون بين المرء وزوجه أعني: منذ قرون كثيرة”.

وكثيرة هي الشواهد التي نراها ماثلة أمامنا، وخاصة فيما يتعلق بالسياسات الأمريكية في التدخل في شؤون الدول والشعوب، وبالأخص شعوب العالم العربي والإسْـلَامي، وتقدم نفسها بأنها (راعية السلام) والمدافعة عن الحريات، والحقوق، والأقليات، والمرأة، والذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تجزئة المجزأ، وتشتيت المشتت، ومن ثم الاختراق والالتهام!!

فمثلاً: (العنوان الكردي) الذي تختبئ خلفه الولايات المتحدة الأمريكية، وتقدم نفسها بأنها راعية حقوق الأقليات، وتنادي باستقلال ما يسمى بكردستان العراق، واستقلال الأكراد في كلٍّ من سوريا وإيران وتركيا؛ كونهم كانوا مضطهدين في ظل تلك الحكومات، وبذلك تحقق الكثير الكثير من الأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية التي نستطيع أن نجمعها تحت عنوان واحد هو (الاستعمار) ولكن بأسلوب ناعم ورياحٍ في شدة البرودة.

كذلك لدينا شاهدٌ آخر: وهو المشروع الأمريكي لتقسيم اليمن إلى (ستة أقاليم) وهو مثالٌ في غاية الوضوح، أهدافه، مطامعه، أجندته، أدواته، نتائجه، كل ذلك وغيره يصبّ بالدرجة الأولى والأخيرة لصالح المشروع الأمريكي في المنطقة.

وعندما عجزت أمريكا عن تمرير مشروع الأقلمة توجهت لتعبَّر عن غضبها وغطرستها بهذا (العدوان الكوني) على الشعب اليمني بشماله وجنوبه، وبشرقه وغربه، فلا هي اهتمت بحريات، ولا بمجاعات، ولا بأيّ حقوقٍ أخرى، ولا حتى بما تسميه “حقوق المرأة” – بالرغم من أنّ (المرأة اليمنية) تُستهدف كل يوم في حياتها ووجودها!! وذلك الاستهداف اليومي هو أشدّ من تهميشها في سوق العمل – ولا بأيِّ عنوانٍ آخر من عناوينها التي تسعى لتسويقها بين الفينة والأخرى مع كافة دول العالم والمنطقة على وجه الخصوص.

فهذه هي سياسات أمريكا، وهذا هو حالُ الاتّحاد الأوروبي، ومجلس الأمن ومنظمات الأمم المتحدة.. إنه (زمن كشف الحقائق) الذي حدّثنا عنه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) وفتحَ أعينَنا على ما نقرأه في كتاب الله ويفوتنا تدبرَ مضامينه ودلالاته الكريمة.