النباء اليقين

حروب أميركا الخاسرة من فيتنام الى سوريا واليمن (10)

أحمد الحبيشي

أخذت الأزمة السورية منعطفاً خطيراً منذ نهاية 2011 عندما دخلت جماعات إسلامية مسلّحة على خط ما تسمى ثورة الربيع العربي في سوريا، خاصة مع ورود تقارير متعددة عن دعم خليجي وأميركي واسرائيلي لهذه الجماعات حتى تتمكن من المساهمة في إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. والمثير في القضية أن الدعم لم ينحصر فقط على بعض القوى الإقليمية كتركيا وقطر والسعودية، بل إن قوى عالمية ساهمت في تسليح هذه الفصائل، خاصة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية.
تزايدت جرائم الارهاب في سوريا بعد قيام السعودية وقطر بجلب ما يزيد عن مئتي ألف من الجماعات الارهابية الى سوريا وتزويدها بالمال والسلاح والدعم اللوجيستي بهدف تدمير الدولة السورية ونشر الفكر الوهّابي التكفيري وإثارة النعرات الطائفية.
ترافقت عملية حشد الإرهابيين من جميع أنحاء العالم إلى سوريا ، مع صدور فتاوى تبيح ما يسمى “نكاح الجهاد” من الإخواني السوري الشيخ العرعور ، والشيخ المصري أبو إسحاق الحويني ، وبعض مشائخ تونس والسعودية.
وقد ذهبت مئات الفتيات اللواتي تأثرن بالفكر الوهابي ، ضحايا لفتاوى جهاد النكاح ، حيث ألقت قوات الجيش العربي السوري وقوات الجيش العراقي القبض على فتيات في عمر الزهور بعد تحرير المناطق والمدن التي كانت واقعة تحت سيطرة الجماعات الارهابية ، فيما ألقت القوات التركية القبض على المئات من فتيات نكاح الجهاد اللواتي نزحن الى تركيا بعد تحرير مدينة حلب وتدمر ومدن الشمال السوري ، وكان من بينهن فتاة يمنية اسمها (هدى مثنى) من الضالع ، كانت تعيش في امريكا مع أسرتها المهاجرة ، ثم هربت سرا الى سوريا عام 2014 وعمرها عشرون عاما ، ومارست الجنس خلال خمس سنوات من عمرها مع عدة رجال لا تعرفهم ، وأنجبت منهم ثلاثة أطفال لا يعرفون آباءهم!!
وبحسب احصائيات من مصادر مختلفة ، كان الارهابيون الذين قامت السعودية وقطر وتركيا واسرائيل والأردن والامارات باستيرادهم الى سوريا من كل حدبٍ وصوب ، يمثلون جيشاً عالميا متعدد الجنسيات ، حيث تمكن هذا الجيش من اختراق سوريا والعراق وإعلان قيام دولة الخلافة في الموصل عام 2014 بالتنسيق المباشر مع بعض ألوية الجيش العراقي التي قام الأميركيون بتدريبها وتكوينها وتمويلها وتسليحها في وسط العراق على أساس طائفي.
ولا بُدّ من التذكير بالتقديرات الامريكية لقوة داعش في سوريا والعراق، حيث كانت المخابرات الأميركية تقول انها مسلحة جيدا وان مشروع اقتلاعها قد يستمر 20 -30 سنة وربما أكثر .. وسبب التقديرات واضح وهو ان الجيش الامريكي كان يدرك ماذا يملك هذا الجيش الارهابي العالمي ، وماهي امكاناته للصمود طويلاً ..قبل أن يتمكن الجيش العربي السوري والحشد الشعبي العراقي من توجيه ضربات قاضية لمشروع إعادة دولة الخلافة في سوريا والعراق.
كما يجب التذكيرــ أيضاً ــ بالمعلومات التي ظهرت مؤخراً حول صفقات اسلحة ودبابات من اوكرانيا ودول اوروبا الشرقية اشترتها دول خليجية وشحنتها الى تركيا والاردن ومن ثم الى الحدود السورية والعراقية لتدخل المعارك .. وأحيانا كانت تصل المجنزرات والمدرعات وهي جديدة .
والثابت ان ظهور المحور الروسي التركي الايراني جاء نتيجة تناقضات الحرب الكونية ضد سوريا ، ووجود أجندات متناقضة للقوى التي تبنت مشروع تفكيك سوريا والعراق مقابل إحياء دولة الخلافة الاسلامية وكردستان الكبرى ، استنادا الى روايات وأساطير كاذبة افتراها كلٌّ من البخاري ومسلم على رسول الله.
ومما له دلالة ان العدوان الأميركي السعودي الاماراتي الصهيوني على اليمن ، ساهم في كشف هذه الأجندات المتناقضة من خلال المشروع الذي عرضه الفريق المتقاعد في المخابرات السعودية أنور عشقي ، على منظمة الإيباك اليهودية الأميركية في واشنطن ، بحضور مدير مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو بعد شهرين من العدوان على اليمن ، حيث دعا الفريق أنور عشقي الى تكوين ما أسماها (كردستان الكبرى) من خلال اقتطاع الأجزاء الكردية من تركيا وسوريا والعراق وايران (راجع الفيديو المرفق).
والحال ان الحرب الكونية على سوريا تمت بقيادة أميركية حاولت الإختفاء خلف منظمة الأمم المتحدة ، لكن الرئيس السوري بشار الأسد نجح بالتعاون مع المستشارة في رئاسة الجمهورية د.بثينة شعبان والدكتور بشار الجعفري سفير سوريا في الأمم المتحدة في التصدي لهذا المخطط وتفكيكه بوعي وذكاء وثبات.
فشلت الأمم المتحدة في إحراز أي تقدم ملموس في الحرب الكونية ضد سوريا ، إذ لم يفلح فريق جنيف عبر 3 مبعوثين أممين سبقوا النرويجي الحالي جير بيدرسون، خلال السنوات الثمان الماضية في فرض الأجندة الأميركية على سوريا تحت واجهة الأمم المتحدة ، بعد استخدام روسيا والصين حق الفيتو ثلاث مرات ضد مشاريع قرارات صاغتها أميركا وفرنسا وبريطانيا.
تمحورت جهود مبعوثي الأمم المتحدة حول مصير الرئيس بشار الأسد الذى تطالب المعارضة برحيله فيما أصرت الحكومة السورية على أنه موضوع غير قابل للنقاش.
وقد تسلَم المبعوث الأممي الحالي جير بيدرسون، مهام منصبه في7 يناير 2019، وسبقه إلى هذا المنصب ثلاثة مبعوثين هم: الأمين العام السابق للأمم المتحدة الراحل كوفي أنان ، الأخضر الإبراهيمي، وستيفان دي ميستورا.
تأتي الزيارة الأولى للمبعوث الجديد بعد 8 سنوات من الجولات الفاشلة لفريق جنيف الأممي والمعني بالتسوية السلمية بين طرفي النزاع في سوريا عبر ثلاث مبعوثين سابقين .
كان الدبلوماسي المخضرم، كوفي أنان، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام2001، والأمين العام للأمم المتحدة بين عامي 1997 و2006 أول مبعوثي الأمم المتحدة إلى الأراضي السورية، إذ عُين في منصبه بتاريخ 23 فبراير عام 2012.
حمل أنان خطة دبلوماسية تتضمن 6 نقاط لإرساء السلام في سوريا ووقف الحرب الطاحنة بين الجيش السوري والجماعات الارهابية المسلحة، لكن محاولاته لم تحقق أي نجاح ، بعد فشل مفاوضات جنيف في جولتها الأولى في يونيو2012، وسرعان ما أعلن كوفي أنان استقالته من منصبه بعد خمسة أشهر فقط من تنصيبه مبعوثًا أمميًا إلى سوريا، في 2 أغسطس2012 .
أرجع كوفي أنان السبب وراء استقالته، الى ما أسماها “الانقسامات المستمرة داخل مجلس الأمن، والتي أصبحت عائقا أمام الحلول الدبلوماسية وجعلت تحرك أي وسيط أكثرصعوبة” بحسب بيانه.
من جانبها أكدت واشنطن أن استقالة أنان تعود إلى دعم كل من روسيا والصين للرئيس السوري بشار الأسد بحسب ما نشرته شبكة (فرانس 24) في أغسطس2012
وبعد عشرة أيام فقط، من استقالة كوفي أنان أعلن الموقع الرسمي للأمم المتحدة تنصيب الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، مبعوثًا مشتركًا لكل من الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية إلى سوريا، بحسب ما نقله الموقع الرسمي للأمم المتحدة .
لكن الجزائري الدبلوماسي المخضرم فشل أيضًا في إتمام مباحثات جينيف 2 في فبراير 2014 والتوصل إلى تسوية بين طرفي النزاع المسلح في سوريا، جراء الخلاف حول ملف الانتخابات الرئاسية السورية آنذاك، والذي تمحور حول إصرار المعارضة على البدء بعملية انتقالية تتولاها (هيئة حكم) برعاية الأمم المتحدة شريطة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، بينما رفض الوفد السوري المفاوض برئاسة الدكتور بشّار الجعفري أي نقاش حول مصير الرئيس بشارالأسد .
وبعدما فشلت مباحثات جينيف 2 في فبراير 2014، حذر الإبراهيمي في مارس 2014 من إجراء انتخابات رئاسية في سوريا في ظل استمرار النزاع المسلح مما “سيضر العملية السياسية ويعرقل احتمالات التوصل إلى حل سياسي بحسب قوله.”
ثم حمّلت الحكومة السورية كلا من الأمم المتحدة ومبعوثها الجزائري، مسؤولية “عرقلة مفاوضات جنيف 2 بين الحكومة والمعارضة”، ورفضت “تدخل أي جهة خارجية” ، واتهمت الابراهيمي رسميا بالتواصل مع وزارتي الخارجية الأميركية والقطرية ، بشأن ما ينبغي أن يفعله أمام تشدُّد المفاوض السوري بشّار الجعفري قبل أن ينتهي الأمر باعلان الإبراهيمي استقالته بشكل رسمي في 31 مايو 2014 بعد مرور نحوعام و8 أشهر من المفاوضات، قبيل انتهاء ولايته .
كان الإيطالي ستيفان دي ميستورا ثالث مبعوثي الأمم المتحدة إلى سوريا ، وظل في منصيه منذ يوليو 2014 وحتى أكتوبر2017.
قاد دي ميستورا مباحثات جنيف 3 في 1 فبراير 2016 والتي فشلت ، بعد اختلاف طرفي النزاع على بقاء بشار الأسد في الحكم . ثم واصل مهمته في جنيف 4 في 20 فبراير2017 والتي انتهت بالاتفاق على جدول أعمال يتضمن 4 نقاط : هى “الحكم الانتقالى، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب”.
لم تتمكن الأمم المتحدة من تمرير هذه النقاط عبر ما يزيد عن ثلاث سنوات ، وصولًا إلى جينيف 8 التي انطلقت في نوفمبر2017 ثم باءت بالفشل بسبب غياب الوفد الحكومي السوري عقب دعوة روسيا الى انشاء منصة مفاوضات جديدة في سوتشي وأستانا، لتنتهي مساعي دي ميستورا بالفشل، بعدما اتهمه وزير الخارجية السوري وليد المُعلَّم بالسعي لتنفيذ (مشروع أميركي صهيوني خليجي)، عقب اقتراحه وقف عمليات تحرير حلب وتدمر ومحيط العاصمة دمشق ، والسماح للجماعات الارهابية بإقامة مناطق حكم ذاتي في حلب وتدمر والغوطة الشرقية ودرعا التي تمكن الجيش العربي السوري من استعادتها ، وصولا الى اعلان استقالته من منصبه في أكتوبر 2017.
من نافل القول أن مسار جنيف بجولاته الثمان بدأ برعاية من الأمم المتحدة، في يونيو 2012، وخلال 8 جولات من المفاوضات ركّز وفد الحكومة السورية على ملف “محاربة الإرهاب”، الذي لم يكن مدرجاً في القرار الأممي 2254 .
والثابت ان الرئيسين فلاديمير بوتن وعبدالفتاح السيسي ساهما من خلال تأسيس منصتين للمعارضة في موسكو والقاهرة وهما منصتان مقرّبتان من الدولة السورية ، في إضعاف منصتي المعارضة الاخوانية في قطر واسطنبول ، واضعاف مسار جنيف عموماً ، وتقوية موقف الدولة السورية من خلال المطالبة بتوحيد المعارضة في سوريا ، وفك ارتباطها بالجماعات الارهابية ، قبل أن ينجح الجيش العربي السوري وحلفاؤه في استعادة 95 % من الأراضي السورية التي كانت تحت سيطرة الجماعات الارهابية المسلحة.
في الجولة الأخيرة من مباحثات جنيف الفاشلة طالب رئيس وفد الحكومة السورية بشار الجعفري ، أن تراعي المفاوضات ما وصفها بالحقائق الجديدة على الأرض، وسيطرة قوات النظام وحلفائها على معظم الجغرافيا السورية، وهو واقع مختلف عن الواقع الذي انطلق على أساسه مسار جنيف عندما كانت الجماعات الارهابية تتقدم بغطاء من المعارضة الإخوانية .
فشل المبعوث الأممي إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، في إقناع وفد منصة (الرياض ــ قطر 2) بمناقشة أي من سلات الدستور أو الانتخابات وتجاهل الخوض في مسألة “مصير الأسد”، وواصل وفد الحكومة السورية إصراره على ضرورة بحث عملية الانتقال السياسي، احتجاجاً على بيان (مؤتمر الرياض2) الذي نص صراحة على رحيل الأسد في بداية عملية الانتقال السياسي لا أثناءها أو بعدها، وانفضت المباحثات من دون تحقيق أي هدف أو مناقشة أي مطلب، ولم ينجح دي ميستورا في تسجيل ولو انتصار معنوي، بجمع الوفدين على طاولة المفاوضات المباشرة .
في غضون ذلك، حاول المبعوث الدولي ستافان دي ميستورا ترحيل بعض الملفات الأساسية من جنيف الى مؤتمر دعت اليه روسيا في مدينتي سوتشي وأستانا، وهو ما رفضته المعارضة ( السورية السعودية القطرية) التي اعتبرت أن الهدف من مؤتمر سوتشي وأستانا هو نقل المفاوضات الى رعاية الحكومة الروسية ، بدلا من الأمم المتحدة ، وقالت انها لن تشارك فيه إذا لم يفض الى تحقيق (انتقال سياسي حقيقي) في سوريا بحسب بيان صدر باسم منصّة الرياض من العاصمة السعودية.
… يتبع