النباء اليقين

السعودية تستقبل 2019 بعجز مالي ضخم

الهدهد / عربي دولي

توحي الميزانية التوسعية الجديدة للسعودية، بأن الحكومة تفتقر إلى العزيمة والانضباط لكي تفطم البلاد عن اعتمادها على النفط وتقلص المساعدات الحكومية وتطور قطاعا خاصا قابلا للنمو.

وتتوقع ميزانية العام المقبل التي أُعلن عنها الثلاثاء انكماش العجز بهامش بسيط فقط إلى 131 مليار ريال (35 مليار دولار) أو ما يعادل 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2019.

وسجلّت موازنة عام 2019 القادم مزيداً من العجز المالي المستمر للسنة السادسة على التوالي في السعودية هو الأكبر في تاريخ المملكة، في ظل التباطؤ الإقتصادي غير المسبوق الذي تمر به البلاد والحاجة الملحّة للإستدانة.

ونقلت وكالة رويترز عن الكثير من المحللين المستقلين قولهم إن بيانات الإنفاق والإيرادات في الموازنة السعودية لعام 2019 تشير ضمنا إلى أن العجز سيرتفع فوق مستوى تقديرات الحكومة في الرياض.

ومن المرتقب أيضاً وفق المؤشرات التي نشرتها وزارة المالية، أن يزيد الدين العام إلى 678 مليار ريال(نحو 180 مليار دولار) في عام 2019 المقبل.

وبناءاً عليه، تخطط السعودية لزيادة الإنفاق الحكومي بما يزيد على 7% العام القادم، في مسعى لتحفيز النمو الاقتصادي المتضرر بفعل انخفاض أسعار النفط.

ومن المقدّر أن يرتفع الإنفاق في الموازنة إلى 1.106 تريليون ريال (295 مليار دولار) العام القادم، من إنفاق فعلي بلغ 1.030 تريليون ريال في العام الجاري، وذلك مقابل إيرادات متوقعة في 2019 ستبلغ 975 مليار ريال.

وبما أن الدين العام السعودي سيرتفع عام 2019 إلى 678 مليار ريال، ويمثل حوالي 21.7 % من الناتج المحلي، يشير مراقبون إلى لجوء السعودية للمزيد من الاقتراض الخارجي والمحلي لتلبية احتياجاتها في ظل تراجع الإيرادات.

وسجلت السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، عجزاً في السنوات الست الماضية، مع تراجع أسعار النفط عن مستوياتها في منتصف 2014، ما اضطرها لتكثيف الاستدانة محلياً وخارجياً.

وتوقع بلال خان، خبير اقتصاد إقليمي لدى ستاندرد تشارترد عجزا نسبته 5% العام المقبل. كما توقعت مونيكا مالك الخبيرة الاقتصادية لدى بنك أبو ظبي التجاري عجزا يتجاوز7%.

وقال جيسون توفي خبير اقتصادي متخصص بشؤون الأسواق الناشئة لدى كابيتال إيكونوميكس إنه إذا لم تتعاف أسعار النفط من المستويات الحالية، فقد يقترب العجز من 10% العام المقبل، وهو ما قد لا تستطيع المملكة تحمله بالأجل الطويل.

إن هذا الوضع سيجعل الرياض في مواجهة خطر عدم تحقيق المستوى المستهدف لعام 2023، والمتمثل في القضاء على العجز بهامش كبير، مما قد يجدد مخاوف الأسواق بشأن متانة الأوضاع المالية للمملكة، أو التعرض لضغوط لتبني إجراءات تقشف قاسية الفترة من 2020 إلى 2023 لتحقيق المستهدف.

لهذه الأسباب يبقى المجال المتاح محدودا أمام السعودية لتبني سياسة مالية تهدف إلى تحقيق النمو.

وتعاني السعودية من معدلات بطالة قياسية، تستحوذ على نسبتها الأكبر فئات الشباب والمرأة والمتعلمين. سعت الحكومة السعودية إلى علاجها لكنها فشلت لأن القطاع الإنتاجي الخاص ضعيف ومصروفات الدفاع مرتفعة رغم عجز الميزانية المزمن.

الاقتصاد السعودي ريعي يعتمد على الإيرادات النفطية أي على القطاع الحكومي. لذلك يصعب على القطاع الخاص لأنه ضعيف ولا يساهم كثيرا في الإنتاج الوطني امتصاص أعداداً غفيرة من العاطلين عن العمل. وتدل اعداد العاطلين على فشل الحكومة في القيام بدورها الأساسي وهو تشغيل المواطنين.

يتأتى هذا الفشل من الكلفة الباهظة للتشغيل في الوقت الذي تعاني فيه ميزانية الدولة من عجز مزمن ومرتفع. ينجم هذا العجز بالدرجة الأولى من الإنفاق الأمني والعسكري. بمعنى آخر لا تتراجع البطالة إلا بمعالجة التوترات الإقليمية التي سببت تزايد هذا الإنفاق.

وقال خبراء اقتصاد إن المملكة لن تكون قادرة على التخلي عن إجراءات التقشف تماما العام المقبل، وهذا يبقي نمو القطاع غير النفطي متباطئا.

ونما القطاع غير النفطي في الاقتصاد بنسبة 2.3% فقط عام 2018، وهو أبطأ كثيرا من أن يكون له أثر على خفض البطالة في بلد يزيد تعداد مواطنيه بمعدل سنوي يقترب من 2%..

وكانت الرياض حددت في البداية موعد 2020 لضبط الميزانية، لكنها أرجأته إلى 2023 قبل عام في ظل معاناة الاقتصاد.

وأواخر الشهر قبل الماضي، وبعد اكتمال الكثير من التخطيط لميزانية 2019، أبلغ وزير المالية محمد الجدعان رويترز بأنه بينما ستضبط الرياض ميزانياتها بالأجل المتوسط فإنها ستقبل ببعض العجز بعد عام 2023 إذا لزم الأمر لتحفيز الاقتصاد.

وقد تكون زيادة أسعار الوقود بالأسواق المحلية الوسيلة الوحيدة التي يمكن للرياض من خلالها أن تحقق توقعا بميزانيتها 2019 بزيادة إيرادات النفط 9% إلى 662 مليار ريال، حيث يعتقد اقتصاديون كثر أن أسعار النفط العالمية لن ترتفع كثيرا على الأرجح، وقد لا ترتفع على الإطلاق.

وفي أعقاب إعلان السعودية عن العجز المالي المتوقع في موازنة عام 2019 القادم، بيّن موقع “ميدل إيست آي” أن الميزانية الجديدة تتضمن تخفيضاً كبيراً في حجم الإنفاق العسكري، وهو الأمر الذي يمكن أن يكون مؤشراً على نية السعودية بوقف الحرب باليمن أو تخفيض حدّة القتال.

الموقع أوضح أن الإنفاق على القطاع العسكري، سينخفض لأول مرة منذ 3 سنوات، ليصل إلى191 مليار ريال سعودي (51 مليار دولار) وهو أقل بنسبة 12% من إنفاق السعودية العسكري فى عام 2018 و أقل بنسبة 16% من عام 2017، وفقاً للميزانية التي أعلنتها وزارة المالية.

كما يجب على الحكومة تسريع خصخصة 14 شركة مملوكة للدولة -وهو ما أعلن عنه في أبريل/نيسان- حيث إن هذا سيساعد على إنهاء أكيد للمنح بعد عام 2019.

وقالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يأمر بضخ مبالغ مالية ضخمة في السوق المالية عند كل أزمة سياسية تمر بها البلاد وتؤدي إلى انسحاب المستثمرين الأجانب وهروب الرساميل.

وأوضحت الصحيفة في تقرير، أن السلطات السعودية ضخّت مليارات الدولارات سرّاً لدعم سوق الأسهم ومواجهة الإرتفاع الحاد في بيع الأسهم خلال الشهور الأخيرة، كما “تقدّمت بطلبات شراء أسهم ضخمة، جاءت في الدقائق الأخيرة السابقة لإغلاق جلسات التداول التي هيمن عليها أداء سلبي وذلك بهدف دعم السوق المالية”.

في السياق، قال أنطوان فان اجتميل، الذي يعمل مستشاراً لدى مجموعة فورجين بوليسي الأميركية للنشر: إنَّ تدخلات الحكومة تجعل من البورصة السعودية سوقاً زائفة، ما يسهم إلى حدٍّ ما، في تقويض ثقة المستثمرين بها على المدى البعيد.

وكان جهاد أزعور” مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي كشف في الشهر الماضي أن الصندوق لن يغير توقعاته بتعافي الاقتصاد السعودي نظرا لحالة الغضب بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي.

وقال أزعور: ما قد يكون له تأثير هو الكيفية التي ستتحرك بها أسعار النفط في المستقبل، وعدد محدد من المؤشرات الأخرى مثل وتيرة الضبط المالي والإصلاحات التي ستنفذها السلطات السعودية مستقبلا.

وتابع: من الصعب للغاية أن تحدد الكيفية التي قد يؤثر بها هذا على الاستثمار إجمالا في الأجل الطويل. رأينا بعض عمليات البيع في سوق الأسهم لكن لمدة قصيرة.

وفي أعقاب جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، قبل شهرين، تصاعدت أزمات الرياض، على الصعيد الاقتصادي وامتنعت عدد كبير من وسائل الإعلام والسياسيين وقادة الأعمال عن حضور المؤتمر السنوي للاستثمار، المنعقد بالعاصمة السعودية الرياض، الشهر الماضي وانسحبت شخصيات بارزة من خطة “نيوم” التي أعلن عنها بن سلمان، كما أنهت مؤسسات أخرى شراكتها مع منظمة غير ربحية يرأسها ولي العهد.

وسيعمق ترك المستثمرين في شك بشأن التزام المملكة بالإصلاح، المشاكل التي تسببت بالفعل في تعكير صفو الاقتصاد، بما في ذلك تداعيات مقتل خاشقجي، وان التدابير اليائسة ليست بديلا عن الإصلاحات الاقتصادية المدروسة.