النباء اليقين

الاحتلال أساليبه وذرائعه-3 (إحلال السلام أو حفظ السلام)

الهدهد / مقالات

الكاتب/ عدنان قاسم علي قفلة

 

بعد أن تم التطرق إلى التجهيل الذي كان نوع منه هو جهل الأمة بتاريخها , من ضمن ذلك جهل الأمة بالتاريخ المعاصر, ولم يكن جهلاً من محض الصدفة بل كان تجهيلاً مُمنهجاً على أيدي من يقع على عاتقهم تعليم الأمة في المدراس أو رفع وعيهم في الإعلام أو الخطباء في المساجد وفي ذلك يقول الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه حاكياً عن المناهج التي كان يجبر المثقفون والخطباء على تدريسها والإرشاد بها : ( [ملزمة] جمعوا فيها كل ما صنعه علماء السوء، كلما افتراه المتقربون إلى الطواغيت، كلما افتراه علماء البلاط جمعوه في [ملزمة] لتنزل إلى المرشدين في [دورة] يتثقفون بها ليستمروا في تثقيف الأمة من بعد؛ إمعاناً في تجهيل الأمة، وهذا هو ما جعل الأمة مهيأة لأن تكون ضحية ليس فقط لأن يليها [جاهل ظالم] من أبنائها بل أن يَلِيَ أمرها [يهودي صهيوني] من ألَدِّ أعدائها من إخوة القردة والخنازير، بتلك الثقافة الخاطئة التي ما تزال إلى اليوم قائمة, التي ما تزال إلى اليوم لها دعاتها، ولها المبالغ من الأموال العامة التي تُرْصد لنشرها وتثقيف الأمة بها. ) حديث الولاية ـ عيد الغدير

فكان من إحدى نتائج هذا الجهل قلب الحقائق فتصبح معكوسة فترى الحق باطلاً والباطل حقاً وفي هذا يقول الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه (أليس هذا هو من الجهل؟ أن تصير في واقعك من حيث لا تشعر، تنظر إلى الباطل الذي هو في واقعه باطل فيصبح لديك هو الحق بعينه، والحق الحقيقي الذي كان لديك يصبح هو الباطل.. أليس هذا هو الجهل ) ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى

ومن مظاهر هذا الجهل جهل الأمة بذرائع الاحتلال ولا أساليبه حتى أستطاع العدو أن يحتل البلاد العربية ودول العالم الثالث في القرون الماضية , وهذا الجهل أدى إلى أن انطلت على الكثير ذرائع العدو في الوقت الراهن وأصبح يكرر تلك الذرائع وإن بطرق مختلفة وتم ذكر إحدى تلك الذرائع في المقال السابق وهي ذريعة مكافحة القرصنة وما هي الدول التي تم احتلالها تحت تلك الذريعة , سأحاول في هذا المقال استعراض ذريعة أخرى وهي ذريعة (إحلال السلام أو حفظ السلام)

 

إحلال السلام : ¬وهي كلمة جميلة من قِبل قوى الاستعمار والاحتلال تخفي خلفها الكثير من الكوارث والمآسي نتيجة لتدخل الدول الكبرى في شؤون الدول الفقيرة والنامية من خلال الوصاية والهيمنة ودعم بعض الجماعات على قتال جماعات أخرى أو دعم كلاهما أو دعم منطقة جغرافية على قتال منطقة أخرى أو دعم دولة بالاعتداء على دولة أخرى حينها تتدخل دول الاستكبار ودول الاستعمار في شؤون هذه الدول بذريعة إحلال السلام أو حفظ السلام أو إعادة شرعية أو ما شابه ويكون هذا التدخل بطرق مختلفة , إما عبر قوات عسكرية مباشرة من هذه الدول , أو عبر قوات مشتركة من مجموعة من الدول , أو عبر قوات تسمى على أنها قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة .

وقد استُخدمت هذه الذريعة في تسعينيات القرن الماضي (القرن العشرين) بشكل كبير جداً في العديد من الدول العربية والإسلامية والتي شهدت صراعات مختلفة وحروب أهلية منها دول عربية وغير عربية منها اليمن وكانت وسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان والهيمنة على مواردها وكذا وسيلة للتصفية العرقية والطائفية وتثبت حكم العملاء وفوق هذا بكلة محاربة للإسلام  والمسلمين وفي ذلك يقول الله تعالى (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) لذلك فإن هذه الفئتان هي التي تتولى عمليات حرب الإسلام والمسلمين في حروب وعمليات إبادة وإفتعال الفتن بين العرب و المسلمين والتحريض على قتال بعضهم البعض ونتيجة لعدم التحصين بدعايات العدو وأساليبه لا يجد الكثير من الناس أنفسهم إلا وقد أصبحوا قد أصبحوا يقاتلون لصالح العدو أو في خدمة أجندته من خلال الاقتتال الداخلي وقتل إخوانهم يقول الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه (هذا ما هو حاصل وما يشهد له واقع الناس اليوم؛ لهذا واجب الناس أن نعود إلى القرآن الكريم في هذه الظروف التي يواجه فيها الدين حملات شديدة, أول شيء نحصن أنفسنا، ونحصن أولادنا، ما يصبحوا عرضة للتضليل، ما يصبحوا عرضة بأن يصبحوا في الأخير قد يجندوا لصالح أعداء الله, لصالح اليهود والنصارى, قد يجندوا فعلاً ) ملزمة : الشعار سلاح وموقف

ومن أمثلة هذه الصراعات والحروب الأهلية وغير الأهلية والتي كانت بدوافع خارجية لنشر الفوضى وإضعافها فيسهل على العدو احتلال الشعوب والأوطان في نهاية المطاف ونهب ثرواتها وتدمير حضارتها على سبيل المثال لا الحصر:

الحرب الأهلية في اليمن 1994م حيث تم إشعال حرب 94م بين الشمال الجنوب وكانت تحت مسمى إعادة الشرعية ومحاربة الانفصاليين وكذلك كانت بدعم خارجي للطرفين لغرض الاقتتال وإطالة أمد الحرب وقد تم إسناد هذه الحرب بفتاوى دينية من علماء حزب الإصلاح الذين أفتوا بوجوب قتال الشيوعيين ومن ضمنهم عبدالوهاب الديلمي وعبدالمجيد الزنداني وأيضاً بدعوى أن الجنوبيين أعلنوا الردة والإلحاد , وهكذا تم تجييش الجيوش عليهم بداعي الوطنية من جهة وبداعي الإسلام من جهة أخرى , وقد كان للشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه موقفاً عظيماً حينما أعلن رفض الحرب بل حاول منعها عبر تشكيل فريق مصالحة بين الطرفين من موقعه كعضو في مجلس النواب اليمني آنذاك ساعياً بكل جد واهتمام إلى تجنيب اليمن هذه الحرب وتبعاتها وكذا كان موقف والده العلامة العظيم السيد بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه حيث رفض أن يذعن كما أذعن الكثير من العلماء فكان مصيره النفي أما الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي فقد نظم مظاهرة في صعدة رافضة للحرب فكانت النتيجة أن أقدم النظام السابق حين ذاك على حملة اعتقالات للكثير من طلاب العلم التابعين له ومن أتباعه وتدمير منزل السيد العلامة بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه .

ومن أمثلة ما شهدته الأمة العربية والإسلامية في ثمانينيات و تسعينيات القرن الماضي ما يلي على سبيل الإيجاز لا الحصر :

الحرب العراقية الإيرانية أو ما عرف بحرب الخليج الأولى (1980 – 1988) حينما أعلن صدام حسين إلغاء اتفاقية الجزائر الموقعة عام 1975 مع إيران حول شط العرب واعتبار الشط صمن المياه الاقليمية العراقية , وقد خلفت الحرب أكثر من مليون شخص من العراقيين والإيرانيين وعدد أكبر من الجرحى .

غزو الكويت وحرب الخليج الثانية (1990 – 1991 ) واحتلال الكويت من قبل قوات صدام حسين وهو ما أدى إلى تدخل قوات مشتركة بقيادة أمريكا لدخول الكويت وطرد قوات صدام حسين ومن ثم تكون ذريعة لبقاء القوات الأمريكية في الخليج بداعي الحماية ومن جهة أخرى حصار العراق بداعي أنه بلد معتدي وذلك للتمهيد لاحتلاله متى ما إنهار بفعل الحصار.

قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الصحراء الغربية تحت ذريعة تسوية النزاع بين موريتانيا و المغرب واسبانيا في العام 1991م

الحرب الأهلية في السودان حيث استمرت 11 عاماً  ابتداءً من العام 1983والتي راح ضحيتها (1,9 مليون من المدنيين وهو أعلى نسبة لضحايا الحروب منذ الحرب العالمية الثانية) ونزوح 4 مليون نسمة وانتهت بتقاسم الثروة ثم انفصال جنوب السودان عن شماله .

الجزائر (1991 – 1999) حيث اشتعلت المجازر وتم إبادة قرى بكاملها على يد الجماعات الإسلامية حينما أعلنت الدولة الجزائرية الحرب عليهم في العام 1994 لتصل المجازر ذروتها في العام 1997م

الصومال والذي لازال الاقتتال فيه قائماً منذ العام 1991 وحتى الآن مع العلم أن قوات أمريكية تحت غطاء قوات حفظ سلام تابعة للأم المتحدة قد دخلت إلى الصومال في بداية التسعينات ولكنها سرعان ما خرجت في العام 1995 نتيجة مقتل جنود أمريكيين مع العلم أن الصراع قائم ببركة التدخلات الدولية.

جيبوتي ( 1991- 1994) حيث اندلعت الحرب بين الجهات السياسية في شمال البلد ولأنها مستعمرة فرنسية فقد شاركت فرنسا في تأجيج الصراع من خلال دعم الطرفين تحت مسمى عقد محادثات سلام والتي فشلت في مايو 1993 ولم ينتهي ذلك إلا بتوقيع معاهدة سلام في العام 2001م .

اشتداد توتر في العلاقات بين تركيا و سوريا خلال التسعينات والذي وصل أوجه في العام 1998م وتهديد تركيا بإعلان الحرب على سوريا بحجة الحزب الكردستاني لولا تدخل الدول الصديقة للطرفين بالوساطة .

وبالتالي فإن الحروب الاقليمية والأهلية والطائفية والعرقية لم تستثني نتائجها أي دولة عربية وكانت كل الدول العربية إما مشاركة أو تكون ضحية أو أن تكون داعمة طوال فترة التسعينات أو متفرجة لتدخلها في النهاية القوات الأمريكية والبريطانية بداعي الحماية ولأسباب عديدة من أهمها إضعاف الأمة العربية ونهب ثرواتها وقتل خبرائها يقول الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي في الدرس الخامس من دروس رمضان المبارك ( كم قد يقتل من الخبراء عندما تأتي حروب؟ عندما تأتي حروب كم يقتل من خبراء، وعلماء، وتدمر مصانع ومعامل وأشياء كثيرة هي تعيق الأمة، تعيقها.  عندما تبدأ تستأنف من جديد معناه أشبه شيء بالعودة من مرحلة ما فوق الصفر، إذا كانت بلد ما زال معها خبرات سابقة ).

أيضاً من الأسباب أن العدو ينظر إلى البلاد العربية والإسلامية كحقل تجارب لمنتجاته الجديدة من الأسلحة التي تحتاج إلى تطبيقات عملية لمعرفة مدى الفاعلية في الواقع بعيداً عن التنظير أيضاً يقول الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه في ملازم رمضان\الدرس السادس والعشرون

( ومعلوم في هذا العصر نفسه أن الأمريكيين يقولون: إنهم يحاولون أن تأتي حروب من أجل أن يستفيدوا، ويجربوا أسلحة جديدة لديهم، ويحصلوا على خبرات عسكرية، لا يمكن أن يحصلوا عليها نظرياً، أبداً، هي هناك مجرد مثلاً تنظير، هم يريدون ميدانياً، ولا يريدون مناورات، المناورات تكون وهمية لا يستطيع أن يجعلها فاعلة، ويكسب خبرات حقيقية منها، فحروب حقيقية، حروب حقيقية إذاً سيجرب أسلحته، وي جرب خبراته التي لديه، ويفهم خبرات جديدة، ويعرف أشياء جديدة ).

 

فيا ترى لو كان هناك تثقيف صحيح للشباب العربي والإسلامي بتلك المآسي التي وقعت في التسعينات هل سيصل الوضع إلى ما وصلنا إليه الآن ؟ علماً بأن وقود الصراعات التي تحدث حالياً وكثيراً ممن تم تجنيدهم لصالح تلك المؤامرات هم من جيل الثمانينات والتسعينات وما جرى ويجري حالياً في (اليمن و سوريا وليبيا والعراق ولازال قائماً في الصومال والسودان خير مثال على ذلك ) وهنا أعيد ما قاله الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه من حلول جذرية لهذه القضايا (هذا ما هو حاصل وما يشهد له واقع الناس اليوم؛ لهذا واجب الناس أن نعود إلى القرآن الكريم في هذه الظروف التي يواجه فيها الدين حملات شديدة, أول شيء نحصن أنفسنا، ونحصن أولادنا، ما يصبحوا عرضة للتضليل، ما يصبحوا عرضة بأن يصبحوا في الأخير قد يجندوا لصالح أعداء الله, لصالح اليهود والنصارى, قد يجندوا فعلاً ) ملزمة : الشعار سلاح وموقف

هذا ما حدث في تلك الفترة في الوطن العربي فماذا عن دول العالم الإسلامي وما حدث فيها بهدف القضاء على الإسلام من نفس الفترة ؟ هذا ما سأطرحه في المقال القادم بإذن الله ,,