النباء اليقين

الاحتلال أساليبه وذرائعه

الهدهد / مقالات

بقلم / عدنان قاسم قفلة

ضمن مراحل التجهيل التي مرت بها شعوب الوطن العربي بشكل عام كان من أهم ما تضمنه التجهيل هو جهل الأمة بتاريخها الماضي والمعاصر , هذا التجهيل المتعمد تجاوز السرد القصصي للتاريخ وتحريفه بل إلى إلغاء جزء أساسي ومهم منه من خلال إغفاله وعدم ذكره , وحرف الأذهان عن التركيز عليه سواءً في المناهج الدراسية أو عبر وسائل الإعلام المرئية  والمقروءة والمسموعة .

وأيضاً عدم دراسة التاريخ دراسةً وافية بما يتضمنه التاريخ من دروس وعبر يمكن الاستفادة منها وبشكل مستمر للحاضر والمستقبل, بالإضافة إلى خلق تاريخ وهمي والتركيز على أجزاء بسيطة منه لا تسمن من جوع الجهل  ولا تغني عن معرفة الواقع , كما يعيب على الكتاب والمثقفين عدم التركيز على تفاصيل تلك الحقبة التي عانت منها الكثير من الشعوب والمرور عليها مرور الكرام .

فبالنظر إلى ما تعرضت له البلدان العربية من احتلال خلال القرون الأخيرة يغيب عن أذهان الشعوب العربية في الوقت الراهن أي معرفة كاملة بأهم منعطفات تلك الحقبة , فمثلاً نحن في اليمن وأثناء مرحلة الدراسة المدرسية لا أذكر أننا درسنا من الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن إلا تاريخ الثورة عليه وذكر بعض وليس كل أسماء الثوار وبعض المناطق التي ثارت على الاحتلال البريطاني , وكذلك الحال بالنسبة للإعلام فعندما تأتي ذكرى ثورة طرد المحتل البريطاني لا نسمع إلا الأهازيج الوطنية وبعض اللقطات السينمائية مع ذكر بعض المناطق التي قامت بالثورة وبعض الثوار وليس جميعهم , بينما كان من المفترض أن يكون الجيل اليمني بكاملة يدرك بشكل كامل دوافع الاحتلال لجنوب اليمن من قِبل بريطانيا وماهي أسبابه وماهي الذرائع التي بها دخلت بريطانيا إلى اليمن وكيف استطاعت بريطانيا احتلال جنوب اليمن وما هي ممارساتها كدولة احتلال ومن هم المجرمون والعملاء والمرتزقة الذين ساعدوها  .

إن الشعوب التي عانت من الاحتلال والاستعمار بحاجة ماسة إلى دراسة حقبة الاحتلال دراسة شاملة من عدة زوايا , ويكون تثقيف أبناءها بثقافة الدراسة المتكاملة لحقبة الاحتلال والاستعمار سواءً في المدارس والجامعات أو عبر الإعلام لتتحصن من الاحتلال المستقبلي ولكي تعرف واقعها الحقيقي .

ومن النقاط المهمة التي يجب أن تشملها أي دراسة لأي احتلال :

  • دراسة دوافع المحتل .
  • دراسة أسباب الاحتلال.
  • أساليب الاحتلال لاحتلال أي بلد وذرائعه .
  • شرح لما يعمله المحتل أثناء الاحتلال وأهم ممارساته .
  • شرح لنتائج الاحتلال لأي بلد وعواقب ذلك على أبناءه وما خلفه على الصعيد السياسي والثقافي والإعلامي والاقتصادي والاجتماعي .

وهنا سأذكر بعض الأسباب التي كانت سبباً في تجهيل الجيل الصاعد والمجتمع ككل وما هي مسبباتها :

أولاً : تم تغييب ذكر أسباب الإحتلال ودوافعه وممارساته من المناهج الدراسية ومن الإعلام للأسباب التالية :

1-         لأن جزء كبير من العقلية الحاكمة والتي قامت بصياغة المناهج الدراسية وكذا أغلب العقول التي كانت تدير الإعلام كانت تتبع دول الاحتلال بطريقة أو بأخرى , وبالتالي أردت أن يغيب عن أذهان الشعوب التي تم احتلالها تلك الحقبة حتى تتمكن من إعادة نفس السيناريو  وحتى لا يخطر في الأذهان بشاعة تلك الدول فيتم القبول بها لاحقاً كمخلصة وصديقة ومتعاونة مع الشعوب .

2-         غلب على الجهات التي كانت تقوم بصياغة المناهج وكذا الجهات التي كانت تدير الإعلام الطابع الشخصي وتأثير الوجاهات المحلية التي كانت سبباً في احتلال الشعوب أو كانت أداة للمستعمر , وبالتالي أرادت إخفاء الحقيقة المرّة وتغييب جزء كبير من التاريخ من عقول الناس .

3-         قلة وعي من قبل القائمين على إعداد المناهج الدراسية في مجال التاريخ وكذا قلة وعي القائمين على وسائل الإعلام في المراحل الماضية عن أهمية ذكر تفاصيل تلك الحقبة والتي من أهمها كيف دخل المحتل ؟ وماهي ذرائعه ؟ ما هي أدواته ؟ ما هي دوافعه ؟ وكيف كانت ممارساته ؟

ثانياً : ركز الإعلام وركزت المناهج الدراسية على أهداف الثورة ونتائجها  فقط دون ذكر القيم الحاكمة لتلك الأهداف ونسيت تحصين المجتمع من أي احتلال آخر ثم عملت على ترويج إنجازات ليصل القارئ إلى قناعة بقادتها والبقاء على ما هم عليه دون ذكر القيم التي صيغت على ضوئها أهداف الثورة .

ثالثاً : كان تركيز المناهج الدراسية والإعلام على تمجيد بعض الشخصيات التي ساهمت في الثورة وهذه الشخصيات هي التي أصبح لها تأثير في واقع الثورة وحتى أنها تناست بقية الثوار بالإضافة إلى أنها صنعت ثوارً وهميين واخترعت لهم أمجاد وقصص ليست لهم , وبالتالي ولكثرة ترديد تلك الشخصيات على مسامع الناس كانوا هم الوطن والوطنية والثورة بل وهم الشعب نفسه .

رابعاً : لم يكلف الإعلام نفسه ولا معدي المناهج الدراسية أنفسهم من ذكر وتعنيف للأشخاص الذين كانوا سبباً في الاحتلال السابق , بينما كان من المفترض أن تكون جريمة بشعة وهي كذلك ويرمى بهذه الصفة من كانوا على هذه الشاكلة بتهمة الخيانة العظمى وهذه الأعراف هي مما كانت سائدة عند العرب وما يعرف بصفة (عايب) أو صفة (أسود الوجه) من يقوم بمساعدة المحتل على احتلال بلده أو من يخون بلده وشعبه , ولعدم ذكر ذلك لا أحد يذكر جميع من كانوا سبباً للمحتل على احتلال بلدانهم إلا القليل .

النتائج الكارثية لعدم تثقيف الشعوب وتعريفهم بذرائع المحتل

إن هناك الكثير من النتائج الكارثية على مستوى الشعوب والأوطان والثقافات لعدم تعريف المجتمعات بذرائع المحتل وأساليبه ومن هذه النتائج :

1-         تقبل الكثيرين لذرائع المحتل والمستعمر والتماشي معها نتيجة جهلهم بهذه الذرائع وتفهمهم الخاطئ لها وعدم معرفتهم المسبقة بامكانية أن يستخدم المستعمر ذرائع أخرى  .

2-         كان من السهل للمحتل أن يستقطب من يعمل لصالحه من داخل الشعوب والمجتمعات سواءً من المرتزقة أو من المغرر بهم ممن جندهم المستعمر لصالحه وهم بقصد أو بغير قصد إنما يعينون المحتل على احتلال بلدهم , وهذه نتيجة واحد لعدم تعنيف وتخوين الخونة السابقين والعملاء السابقين من عملاء الاحتلال القديم وعدم تعريف المجتمع بهذا الجرم الكبير .

3-         كان من السهل أيضاً على أي مستعمر جديد أن يمرر خططه على الشعوب وغالباً ما تكون هذه الخطط تحت شعار تحقيق الأهداف للثورة ضد المستعمر التي ثار الناس من أجلها في الماضي , فتركيز المناهج الدراسية والإعلام على أهداف الثورة وضرورة تحقيقها دون التنويه على عدم الاستعانة بالأعداء أو بمن كانوا محتلين للبلد مع عدم ذكر قيم هذه الأهداف ساهم أن يأتي نفس المستعمر في بعض الأحيان للاحتلال من جديد بحجة المساعدة في تحقيق أهداف الثورة وهذا من المضحك .

إن على الجميع سواءً من معدي المناهج الدراسية أو القائمين على الإعلام أو الكتّاب والأدباء والمثقفين أن يركزوا على ذكر وشرح ذرائع المحتلين السباقين بغرض عدم انطلاء هذه الحجج أو الذرائع والمبرات على احتلال الشعوب من جديد وليكون الجميع على وعي وادراك لما يمكن أن يعمله الأعداء لتخلق حالة تحصين من الشعوب و المجتمعات كي لا تقع فريسة سهل في يد أعداءها .