النباء اليقين

​عطوان يتحدث عن مصير مليارات السيد حسن نصر الله في بنوك أمريكا وأوروبا والخليج بعد فرض أمريكا عقوبات عليه

عبدالباري عطوان

قرار وزارة الخِزانة الأمريكيّة بفَرضِ عُقوباتٍ على السيِّد حسن نصر الله، أمين عام “حزب الله” ونائِبه الشيخ نعيم قاسم، وأعضاءِ مَجلس شورى الحِزب، لم يَكُن مُفاجِئًا، خاصَّةً أنّه جاءَ بعدَ الانتصار السِّياسيّ الكَبير الذي حَقَّقه الحِزب في الانتخابات البَرلمانيّة اللُّبنانيّة الأخيرة، لكن الأكثر إيلامًا بالنِّسبةِ إلينا أن يأتِي هذا القرار بالتَّعاوُن والتَّنسيق مع مَركز مُكافَحة تمويل الإرهاب التَّابِع لحُكومات مَجلس التَّعاون الخَليجيّ السِّت، وإعلانِها تَعهُّدِها واستعدادِها الكامِل لتَطبيقِه فَورًا.

هذهِ هِيَ المَرَّة الثَّالِثة التي تَفرِض الإدارة الأمريكيّة عُقوباتٍ على السيِّد نصر الله، فالأُولى كانت عام 1995 بِذَريعة تَعطيل عمليّة السَّلام، والثَّانِية عام 2012 لتَدَخُّلِه في الحَرب السُّوريّة، والثَّالِثة اليوم بِتُهمَة زعزعة استقرار مِنطقة الشَّرق الأوسَط، ولكنَّها المرّة الأولى التي يَنضَم فيها الشيخ قاسم إلى لائِحة شَرف العُقوبات الأمريكيّة.

مُعظَم هؤلاء المُدرَجين على لائِحة العُقوبات هذهِ هُم من الجَناح السِّياسيّ للحِزب، ممّا يعني أن الولايات المتحدة وحُلفاءها الخَليجيين السِّتَّة لم يَعودوا يُفَرِّقون بين الجَناحَين السِّياسيّ والعَسكريّ، ويَعتبِرون الحِزب حَركةً إرهابيّة، وقال ستيفن منوتشي، وزير الخَزانة الأمريكيّة التي فَرَضَت هذهِ العُقوبات “إنّ دُوَلنا مُجتمعة، أي أمريكا ودُوَل الخليج، رَفضت التَّمييز الزَّائِف بين هَذين الجَناحَين”.

***

ومِن المُفارَقة أنّ هذا القرار الأمريكي يأتِي بعد يومين من الاحتفال بنَقل السِّفارة الأمريكيّة إلى القُدس المُحتلَّة، واستشهاد أكثر من سِتِّين مُتظاهِرًا مَدنيًّا أعزَلاً بِرصاص القَنَّاصة الإسرائيليين على حُدود قِطاع غزَّة، بالإضافةِ إلى تَصاعُد درجة التَّوتُّر بين آيران الدَّاعِم الرئيسي لحِزب الله، والولايات المتحدة بَعد انسحاب الأخيرة من الاتِّفاق النَّوويّ.
لا نَعتقِد أنّ السيِّد نصر الله لن يَعرِف النَّوم قَلقًا من هذهِ العُقوبات، وتأثيراتِها على أرصِدَتِه الماليّة في البُنوك الأمريكيّة أو الأوروبيّة، لأنّه وحَسب معلومات مُوثَّقة لدينا، لا يَملُك أيَّ حِسابٍ في المَصارِف اللبنانيّة أو غير اللبنانيّة باسمِه، ولا يَعرِف شَيء اسمه البِطاقات الائتمانيّة، أو دفاتِر الشِّيكات، ولا يَزيد راتِبُه من الحِزب عن 1300 دولار، باعترافِه في حَديثٍ أجرَته مَعه مَحطَّة “الميادين” الفَضائيّة.
السيِّد نصر الله لا يَملُك اليُخوت الفارِهة، ولا الطَّائِرات الخاصَّة، ولا يقضي إجازته الصَّيفيّة على شواطِئ الرِّيفيرا الفرنسيّة، والشَّتويّة في جُزر المالديف أو مُنتجعات سيشل، وإنّما بين أتباعِه في الضَّاحِية الجنوبيّة، أو في جِبال جنوب لبنان الشَّامِخة التي يَطُل مِنها على أراضي فِلسطين المُحتلَّة، ويَستَنشِق هواءها النَّقيّ، مُنتَظِرًا يوم التَّحرير الأكبَر، وهُو قادِمٌ حَتمًا.

ما يُقلِقنا هو التزام مركز مُكافَحة تمويل الإرهاب الخليجي، ودُوَلِه السِّت بتَطبيق هذهِ العُقوبات، الأمر الذي قد يُعرِّض عَشرات الآلاف من الأشقاء اللُّبنانيين للكثير من المَتاعِب فيها، بِحُجَّة الانتماء إلى “حزب الله”، أو إقامَة علاقاتٍ ماليّة أو تَعاطُفيّة معه، فالقانون غائِب في مُعظَم هذهِ الدُّوَل، والقَضاء العادِل من المُستحيلات السَّبع في غالبيّتهما، وأوامِر الاعتقال ومِن ثُمَّ التَّرحيل تَصدُر في دَقائِق، والتَّنفيذ في ساعاتٍ مَعدودة، حتّى لو كانَت التُّهمَة مُخالَفة سَير، أو قَطعِ إشارةِ مُرور.

***

السيِّد نصر الله ورِفاقُه مُستَهدَفون لأنّهم هَزَموا إسرائيل مَرَّتين، الأولى عِندما أجبَروا قُوَّاتِها على الانسحاب مِن طَرَفٍ واحِد عام 2000، والثَّانِية عندما تَصدُّوا لعُدوانِها بِرُجولة في تموز (يوليو) عام 2006، ولو كانَ الحِزب تَدخَّل في سورية تحت الرَّايَةِ الأمريكيّة لهَطَلت عليه المِليارات مِثل المَطر، ولكنّه قرَّر الوُقوف في خَندق المُقاومة، وإفشال المُخطَّط الأمريكيّ الإسرائيليّ بتَفتيت سورية على غِرار ما حَدث في ليبيا واليَمن والعِراق.

نحن على ثِقَةٍ بأنّ تأثير هذهِ العُقوبات سَيكون مَحدودًا جدًّا، إن لم يَكُن مَعدومًا، وفَرضِها وغيرها، كان مُتوقَّعًا، في ظِل أجواء الحَرب التي تَقرع طُبولَها حاليًّا أمريكا وإسرائيل وحُلفاؤها العَرب القُدامى الجُدد، ولا يُخامِرنا أي شَك بأنّها لن تُرهِب السيِّد نصر الله ورِفاقُه، وربّما لا نُبالِغ إذا قُلنا أنّ الخَوف والهَلع يتصاعَد حاليًّا في صُفوف من فَرَضوها.
من اختارَ السَّير على دَربِ المُقاومة، وقَدَّم ابنه شَهيدًا، ويَنتَظِر هو نفسه الشَّهادة في أيِّ لحظةٍ، لا نعتقد أنّه يتوقَّف لَحظةً أمام هَذهِ العُقوبات، وسَيكون النَّصر حَليفُه بإذنِ الله.. والأيّام بَيْنَنَا.

عبدالباري عطوان