النباء اليقين

البردوني يتنبأ بالحرب الناعمة التي تشنها الدول المعادية 


​((البردوني والحرب الناعمة ))

دراسة تحليلية في شعر “الغزو من الداخل” للشاعر اليمني البردوني وكيف تناول موضوع الحرب الباردة منذ عقود من الزمن.
بقلم د.يوسف الحاضري
ونحن نعيش في هذه الفترة أشد نتائج يحصدها الغرب الماسوني من حربهم الناعمة على العالم الإسلامي والعربي والتي بدأنا نقاومها (ولو متأخرين) نذكر لكم أول المسلمين اليمنيين الذين إنتبهوا لهذه الحرب وحذرونا منها وبالتحديد في نوفمبر 1973م  بقصيدته العظيمة الرائعة الواضحة الفاضحة لأرباب الحرب الناعمة سواء الذين هم من ابناء اليمن او من الخارج وايضا وضح الطرق والأساليب لهذه الحرب في قصيدته التي أسماها (الغزو من الداخل) والتي للأسف لم يتعامل معها الشعراء والناقدون والسياسيون والمثقفين والفقهاء الا كما يتعاملون مع القران من خلال التحليل الخارجي للعبارات والكلمات والابيات (بلاغيا ونحويا) مرفوع بالضمة مكسور بالياء و تشبية وجناس وسجع ومن هذه الكلام الذي يصبح فارغا ان لم يكن مرتبطا بالمنهجية التي تأتي فيها ….
وانا هنا سأخوض بحر التحليل النفسي والفكري والسياسي والثقافي لهذه القصيدة وإن كنت غير أهلا لذلك ولكن سأحاول السباحة في بحارها العظيمة … 
– توقيت الشعر :-

كما هو واضح فقد ألقى الشاعر هذه الأبيات في نوفمبر1973م ، وفي تلك الأيام لم تكن كثير من الاحداث التي ذكرها في شعره قد حدثت وان كان هناك بوادر بسيطة جدا لبعضها ، عوضا عن أن كلما ذكره في القصيدة تحققت خلال فترة ما بعد توقيت القصيدة ، اما في جانب الحرب الناعمة فقد سبق مخططوها في صورتها التآمرية بشكل مثير كانت هذه القصيدة كفيلة لأن تكون موجهات ومحددات للتصدي للحرب في مهدها .
 – تعريف الحرب الناعمة في القصيدة:-
(( بشكل بديع وواضح عرف البردوني “الحرب الناعمة ” في أول ابياتها حيث قال :-
فظيعٌ جهـلُ مـا يجـري

وأفظـعُ منـه أن تـدري

وهل تدريـن يـا صنعـا

مـن المستعمـر السـرّي

غــزاة لا أشـاهـدهـم

وسيف الغزو في صـدري
نعم ، جهلك أيها المسلم المتسلح بالقرآن الكريم ومافيه من نور وبصائر بما يجري من حولك خاصة من أعداءك ضدك فهذا امر لا يجب ان يكون ولا يعقل ان نجد أناس جاهلون الى هذا الحد ، ففضيع جهل ما يجري من مؤامرات تحاك ضدك ،ولأن هذا الأمر خطير جدا فقد رأى الشاعر أن هذه الفئة التي تجهل ذلك قليلة والغالبية يدركون خطورة ما يحاك ضدهم ولكن هذه الفئة أكثر ظلامية نفسية وفكرية من الفئة الأولى لأنه تعلم ماذا يدور ويحاك ضدها ولكنها متقاعسة عن القيام بدورها والتحرك للتصدي لها ، فالفئة الأولى عبر الله عنهم في سورة الفاتحة ب(الضالين) الذين يعيشون في جهل وجهلهم جعلهم في ضلال ، أما الفئة الثانية فهم (المغضوب عليهم) في نفس السورة وهم الذين يضلون على علم اي انهم يعرفون انهم ضالون ومنحرفون ، لذلك الأمر الافضع (أن تدري).

ثم أنتقل بحديثه إلى اليمن ككل وشخصها برمزها وهي عاصمتها (صنعاء) والتي تدل على اليمن سياسيا واليمن عسكريا واليمن ثقافيا واليمن حضاريا واي تغيير في اي مجالات الحياة سياسيا او اقتصاديا او فكريا او ثقافيا يبدأ من صنعاء ، لذا فالخطاب الى صنعاء خطاب إلى اليمن ككل ، فقوله (وهل تدرين يا صنعاء من المستعمر السري )، وكأنه يشير إلى مستعمر آخر واضح وجلي لذا جاء بتساؤل عن المستعمر السري وربما يقصد بذلك أن اليمن لم تتحرر بعد من أي أستعمار رغم انها تتغنى كل سنة باعياد ثورتيها سبتمبر واكتوبر ، وهذا استبصار عظيم من الشاعر والذي اراد ان يقول للعالم العربي ككل ان ما اسميناها ثورات ضد الأحتلال الخارجي كانت أكذوبة حيث ان المحتل فقط غير من شكله وحجمه ولونه وطعمه ، فحدد الشاعر البردوني أساليب الغزو الجديدة ووصفها بالتالي :-
فقـد يأتـون تبغـا فــي

سجائـر لونهـا يـغـري

وفـي صدقـات وحـشـي

يؤنسن وجهـه الصخـري

وفي أهـداب أنثـى فـي

مناديـل الهـوى القهـري

وفـي ســروال أسـتـاذ

وتحـت عمامـة المقـري

وفي أقراص منـع الحمـل

وفـي أنبـوبـة الحـبـر

وفـي حـريـة الغثـيـان

وفـي عبثـيـة العـمـر

وفي عَود احتـلال الأمـس

فـي تشكيـلـه العـصـر

وفـي قنينـة الوسـكـي

وفـي قـارورة العـطـر
بمجمل ما ذكره الشاعر في هذه الأبيات شمل كل أساليب وأدوات الحرب الناعمة التي يستخدمها الغازي لكي يصل الى اهدافه والتي سيذكرها الشاعر تباعا ومن هذه الأدوات :-

1.التبغ وشكلها :- وهذا يرمز إلى المظاهر الإرجوازية التي يسعى عبرها الغازي لإخراج الشباب والمجتمعات من الأهتمام بجوهرهم (عبر الأساليب المزكية لها كالقران والعادات والتقاليد والاعراف ) الى الاهتمام بمظهرهم الخارجي والسعي خلف ذلك عبر قصات الشعر وتشكيلات اللحى والشوارب  وموضات الملابس وغير ذلك فكان للسيجارة واغراءها التشبية المناسب للشاعر فغالبا من يدمن تدخين السيجارة يبدأ توجهه للتمظهر الخارجي.
2.تأنيس الوجه الصخري (رمز به لقيادات الدولة ):- وفيه يرمز إلى أدوات الإعلام والذي يستخدمه الغازي في تجميل وجهه الذي في الحقيقة وجه معتدي وغازي (وحش) لكي يرى في قلوب المجتمع  ابصارهم انه إنسان (يؤنسن)
3.رمز الشاعر  بإغراءات الأنثى الى أهم اداة من أدوات الحرب الناعمة وهو الأنحلال الأخلاقي ونشره في المجتمع من خلال استهداف المرأة وعفتها 
4.وأيضا لم يغفل الشاعر المتنبيء بالحرب الناعمة قبل بدءها بخطورة علماء البلاط الذين جعلوا من الدين والتفقه مصدرا من مصادر ثراءهم ولخطورة تأثيرهم على المجتمعات وسهولة التأثير ايضا كان لهم دورا كبيرا في الحرب الناعمة على المجتمع نفسه كأداة من ادوات الغزو (الحرب الناعمة)
5.التعليم ايضا ودوره الخطير جدا من خلال جانبين هامين يتمثل في المنهج والمعلم والذين يؤديان دورا خطيرا في سهولة انتصار الغزاة في حركتهم (الحرب الناعمة) عبر ترسيخ ثقافات مضللة في قلوب وعقول الطلاب وهذا ما حصل وتنبأ به الشاعر .
6.أما الجانب الصحي والتثقيف الصحي لم يتركه الشاعر جانبا لمعرفته ان ارباب الحرب الناعمة سينتهجونه من خلال جانب هام وخطير هو (تنظيم الأسرة ) لارتباطها بالفقر الذي سيقوم به الحكام كمسئوليتهم في حكمهم لاوطانهم حتى تتحول مسألة تنظيم الأسرة لتحديد النسل ملزمة للجميع فذكرها الشاعر في بيت ( في اقراص منع الحمل)
7.أما انبوبة الحبر فرمز له الشاعر بالكتاب والمثقفين والذين دورهم مهم جدا في المجتمع وتغيير القناعات وتوجيهها وتعليبها فأرتكز عليهم ارباب الحرب الناعمة بشكل كثير في كثير من الاحيان
8.تلميع الحضارات الأخرى كأمريكا والدول الأوروبية في نفوس وأعين المجتمع ايضا اسلوب خبيث وخطير سقط فيه الكثير حتى أغتروا بها فأصبحت ثقافات تلك البلدان هي المؤثرة والمسيطرة 
9.الديمقراطية الغربية الغير مقننة أيضا جانب من اسلحة العدو في غزوه للأوطان عبر نشر ثقافة مغلوطة عن الحرية لا نجدها حتى اوطانهم فيتعمدون على اظهار حريات ممقوتة وهي في الاساس عبودية للشهوات وللنفس وعلى رأسها (الحرية الجنسية) كأداة خطيرة من ادوات الحرب الناعمة 
10.الشهوات والملذات المقننة بقناع التحليل والتزيين أيضا اداة خطيرة من تلك الادوات ايضا عبر المنتجات والبضائع الخارجية على رأسها الأمريكية والصهيونية والأوروبية
فهذه بعضا من الأدوات تنبأ بها الشاعر البردوني في تلك الفترة والتي كانت جميعا ربما غير موجوده في بداية السعبينات بالتحديد في1971م فمرت للاسف على القائمين على الدولة كشعر متناسق فيه وزن وقافية وسجع وطباق وانتهى الامر كما يتعاملون مع القران ايضا.
لينتقل الشاعر في توصيف الحرب الناعمة الى اشكال تواجدهم في المجتمعات او التي يسعون إليها وذلك في قوله :-
ويستخفـون فـي جلـدي

وينسلـون مـن شعـري

وفـوق وجوههـم وجهـي

وتحـت خيولهـم ظهـري
وبالفعل اصبح نتيجة هذه الحرب ان أشكال تواجد الغزاة (الحرب الناعمة) كما وصفها الشاعر في هذين البيتين حيث ان نجاح الحرب الناعمة يصبح الأنسان المستعمر بهذه الثقافة مستعمر في داخله وفي ثقافته وفي فكره بتلك الافكار التي يريدها الغازي حتى اصبحت كل اطروحاتهم وخطاباتهم تصب في مصلحة الشعب والمواطن وفي حقيقة الامر والفعل انهم يقفون فوق معاناة وآلام المواطن (الذي رمز له بالظهر)
ليستمر الشاعر في توصيف الحرب الناعمة ليذكر خطورة نجاحها انها ستنتشر بسرعة كبرى اذا ما ساهمت تلك الأدوات في تسهيلها وبالفعل نجد في يومنا هذه السهولة في انتقال الفكر المنحرف والباطل ليحل محل الافكار القويمة الحقيقية السوية ، فقال الشاعر :-
غـزاة اليـوم كالطاعـون

يخفـى وهـو يستشـري

يحجـر مـولـد الآتــي

يوشي الحاضـر المـزري
فتشبيهه لحركة الحرب الناعمة والحرب الناعمة بمرض الطاعون كان تشبيها مطابقا تمام التطابق في كل الجوانب مما يعكس على تنبؤ الشاعر وأستدراكه لخطورة الحرب هذه فوصفها ب(الطاعون) شكلا ومضمونا وفعلا فالطاعون والحرب الناعمة تقتل الانسان قتلا جسديا ونفسيا وايضا هي امراض معدية وخطيرة وتنتشر بسهوله في المجتمع ولا تتوقف ما لم يكن هناك اي تحرك جاد في سبيل ايقافها ايضا الطاعون والحرب الناعمة امراض تأتي من خارج المجتمع لذا يمكن ان يحد منها عبر تنقيح وتنقية ما يأتينا من خارج مجتمعنا عبر الفحص الدقيق لمناهجنا ولقنواتنا وللقنوات التي نسمح لها بالدخول لتلفازنا وللبضاعة المستوردة وكثير من الاجراءات التي تتشابه لموضوع مرض الطاعون عبر الفحص الدقيق لكل من يأتي من الخارج.
ثم يتحسر على الوضع للنفسية والفكر والمعرفة البشرية في هذه المجتمعات بقوله 
فظيع جهـل مـا يجـري

وأفظـع منـه أن تـدري
وبالفعل فضاعة كبيرة جدا ان نجهل ما يحاك ضدنا رغم وضوحها حتى استطاع ان يبصرها ويعلمها الأعمى بصرا وليس بصيرة الشاعر البردوني وعجزنا نحن عن ذلك ، وأفضع من ذلك عندما تدري بالحرب الناعمة وخطورتها ومع ذلك لا تتحرك بل في غالب الأمر تصبح اداة من ادواته (في أي بند من البنود العشرة لأدوات الحرب الناعمة المذكورة اعلاه)
ثم ينتقل الشاعر إلى جانب مهم جدا في ذلك وهي الوضع المجتمعي الذي سيصبح عليه الناس في حال ما اذا انتصر ارباب الحرب الناعمة وذلك بقوله :-
يمانيـون فـي المنـفـى

ومنفيـون فـي اليـمـن

جنوبيون في ( صنعـاء )

شماليـون فـي ( عـدن )

وكالأعـمـام والأخــوال

فـي الإصـرار والـوهـن

خطـى أكتوبـر انقلـبـت

حزيـرانـيـة الـكـفـن

تَرَقّـى العـارُ مـن بيـع

ٍإلـى بيـعٍ بــلا ثمـن

ِومـن مستعـمـر غــاز

ٍإلـى مستعمـر وطـنـي
أهم ما تخوف منه البردوني وحذر منه ولكن لم ينصت إليه احد كنتاج من نتائج الحرب لناعمة التالي
1.الغربة في الوطن :- ومفهوم الغربة اي انعدام معظم حقوق المواطنة كون الانسان في وطن غير وطنه وكارثية الأمر انه يشعر بالغربة في وطنه وارضه وبين مجتمعه منزوع الحرية الحقيقية وبدون عزة سليمة وسوية وتتواجد العنصرية الطبقية بشكل مفجع أدت لأنعدام العدالة وضياع الفرص العادلة في العمل والتوظيف 
2.التمييز الإثني :- ويقصد به التمييز على أساس المذهب والمنطقة والفكر والحزب (المذهبية والمناطقية والحزبية وغيرهما ) فوصفها الشاعر بقوله (جنوبيون في صنعاء شماليون في عدن) اي هناك نظرات وافعال واجراءت تمييزيه وفقا لتلك الامور تنتشر بشكل كبير في المناطق التي استطاعت الحرب الناعمة السيطرة عليها وتقل كلما استطاع المجتمع الحد من خطورتها وهذا ما نشاهده اليوم في مناطق كثيرة في جنوب اليمن للأسف الشديد.
3.الوساطة :- وهذه جزئية خطيرة جدا وصل اليها الوضع حيث تغلغلت في كل جزئيات الحياة وساطة في العمل وساطة في القانون وساطة في التعليم وساطة في كل شيء حتى اصبحت من امر ممقوت في النفوس الى ثقافة مجتمعية تحولت إلى عرف 
4.العبودية والعمالة للخارج بالمجان وهذا الامر تنبأ به البردوني بل وصل الأمر الى المنافسة في العمالة للخارج من خلال دفع المال لهم بعد ان كانت العبودية السابقة من خلال دفع السيد للمال ليحصل على عبيد فأصبحت بالمجان ثم تحولت ان يدفع العبد لسيده ثمنا ليصبح عبدا وليس ليتخلص من عبوديته وهذا لم يكن ليصل اليه المجتمعات لولا تحرك أرباب الحرب الناعمة ومخططاتهم وأدواتهم
5.الأستعمار الحديث:- وهو استعمار ولكن بصورة أكثر حداثة فبعد ان كان الاستعمار القديم يرسل جيوشه وقواته ليحتل الارض وينصب عليهم حاكما من الدولة الاستعمارية اصبح الان بدون اي خسائر في الجيوش والاموال بل من خلال صنع حكام من داخل الاوطان المراد الوصول الى استعمارها ويسعون بكل طاقاتهم واساليبهم لايصاله الى دكه الحكم كما حصل في نهاية سبعينيات القرن الماضي عندما أوصلوا علي عبدالله صالح للحكم ومن قبله اوصلوا اسر عديدة لحكم بلدانهم كاسرة ال سعود وال زايد وال خليفة وغيرهم فلم تعد تحتاج أمريكا وبريطانيا ارسال الجيوش بل أبقت الاستعمار عبر مستعمر محلي داخلي وبحرب ناعمة وتضليل اعلامي وبأدواته استمروا عقودا من الزمن .
ثم انتقل شاعرنا العظيم الى جانب خطير جدا من اهداف الحرب الناعمة للغزاة ونتائجها على المستهدفين وذكرها في الأبيات التالية :-
لمـاذا نحـن يـا مربـي

ويـا منفـى بـلا سكـن

بـلا حلـم بـلا ذكــرى

بلا سلـوى بـلا حـزن ؟

يمانـيـون يــا( أروى )

ويا ( سيف بن ذي يزن )

ولـكـنـّا برغمـكـمـا

بـلا يُمـن بــلا يـَمـن

بـلا مــاض بــلا آت

بـلا سِـرّ بــلا عـلـن

أيا ( صنعاء ) متى تأتين ؟

مـن تابـوتـك العَـفـن

تُسائِلُنـي أتـدري ؟ فــات

قبـل مجيئـه زمـنـي

متـى آتـي ألا تــدري

إلى أيـن انثنـت سفنـي

لقـد عـادت مـن الآتـي

إلـى تاريخهـا الوثـنـي

فظيعٌ جهـلُ مـا يجـري

وأفظع منـه أن تـدري
(السيطرة) نعم هكذا وضحها الشاعر في هذه الأبيات  وهي بالفعل أهم اهداف الغزاة من اي حروب لهم سواء بالحرب الناعمة او بالحرب الصلبة (العسكرية) ولكن شاعرنا وصفها بصورة أدبية بليغة حيث جعل اصحاب الارض منفيين في ارضهم وواقعهم اسوأ من واقع المحتل لهم وكما يقال (مأساة ان تكون مستأجرا في أرضك وتدفع ثمنا لنومك) ، فأنتزعت ابسط الحقوق للانسان وهي الأحلام و المشاعر وبالفعل وصلنا في يمن الإيمان ان الانسان لم يعد قادرا على ان يبني له حلما وطموحا يسعى لتحقيقه بل حتى المشاعر اصبحت منزوعه مننا فأصبح الكثير لا يحزن لمصاب اليمن ولا يهتم لذلك ولم تعد لذكرى وشموخ وعظمه تاريخه واجداده أي تأثير وهذه كارثة من كوارث الحرب الناعمة والتي استطاعت نزع هذه المشاعر وتأثير التاريخ ورجال التاريخ على الانسان والذي اصبحنا تائهين في الأرض لا هدف لنا الا غرائزنا كيف نشبعها بعد ان اوصلنا النظام الفاسد في الأربعة العقود السابقة لان يكون جل هدفك وهمك وطموحك ومشاعرك وتاريخك هو (لقمة العيش) ،،،، سواء كان الإنسان جاهلا لهذا الوضع وهذا امر فضيع او عارفا ومدركا لهذا الامر وهذا افضع 

***
أنتقل الشاعر الى لحظات هامة وفارقة وخطيرة في مسالة الحرب الناعمة وهي العمالة والإرتزاق النفسي والتاريخي والسياسي والثقافي والعسكري والأقتصادي والإعلامي لأرباب الحروب الناعمة ففصلها في جانبين اثنين كالتالي:-
الجانب الأول :- تقديم الولاء والطاعة وما يرتبط بهما من تحركات يقوم به قيادات الدولة السياسيين والعسكريين والثقافيين والقبليين والاعلاميين والأقتصاديين للغزاة وذلك في الأبيات التالية:-
شعاري اليوم يـا مـولاي

نحـن نبـات إخصـابـك

لأن غـنــاك أركـعـنـا

علـى أقــدام أحبـابـك

فألَّهْنـاك قلـنا : الشمـسُ

مـن أقبـاس أحسـابـك

فنم يا ( بابـك الخرمـي )

على ( بلقيس ) يا ( بابك )

ذوائبهـا سريـر هــواك

بعـض ذيـول أربـابـك

وبـسـم الله -جـــلّ اللهُ-

نحسـو كـأسَ أنخـابـك
فولاءهم المطلق لقيادات دول اخرى يعطي مؤشر واضح على سقوطهم في التأثر بمسارات الحرب الناعمة قبل سقوط جماهير الشعب الذين كلف هؤلاء بتطويعهم والسبب الرئيسي التدرج في الطرح والتكرار يؤدي الى نتائج مؤكدة ولو بعد حين عوضا على ان ترويض قيادات الحرب الناعمة الثرية لهؤلاء ترويضا ماليا اصبحت نفسياتهم منزوعة الاستقلالية والحرية السياسية والاقتصادية والثقافية فسلمت لهم امر انفسهم قبل امر الدولة مقابل الراتب الشهري الذي كان يستلموه من سفاراتهم في صنعاء عبر عامل بسيط من الدول الاخرى فأركعهم حاجب الملك رغم انهم يطلق عليهم قيادات ومسئولين فضلل القايد والشعب على حد سواء في اطار هذه الحرب الخطيرة.
اما الجانب الثاني :- فوصف الشاعر امرا استبق حدوثه بأكثر من 45عاما فما بين إلقاء القصيدة (1971م) وبين العدوان على اليمن الذي بدأ في (2015م) مدة طويلة لم يكن لتتضح الرؤية والمغزى من القصيدة لولا هذا العدوان فقال الشاعر في ختام قصيدته:-
أمير النفـط نحـن يـداك

نـحـن أحــد أنيـابـك

ونحـن القـادة العطشـى

إلـى فضـلات أكـوابـك

ومسئولون في ( صنعاء )

وفراشـون فــي بـابـك

ومـن دمنـا علـى دمنـا

تَمَوقـع جيـش إرهابـك

لقد جئنـا نجـر الشعـب

فـي أعـتـاب أعتـابـك

ونأتـي كـلّمـا تهـوى

نُمَسّـحُ نـعـل حُجّـابـك

ونستـجـديـك ألـقـابـا

نتـوجـهـا بألـقـابـك

فمرنـا كيفمـا شــاءتْ

نوايـا لـيـلِ سـردابـك

نعـم يـا سيـد الأذنـاب

إنـّـا خـيـرُ أذنـابــك

فظيعٌ جهـلُ مـا يجـري

وأفظـعُ مـنه أن تـدري
هذا بأختصار كبير نتائج الحروب الناعمة ان تطوع الجماهير لتبني فكرتك وتحارب لأجلها وتقدم دمها ونفسها فداء لها وارباب الحرب يتفرجون دون ان يخسروا رجالا كما هو حال الحرب العسكرية المباشرة بل ان الناعمة تدعم وتغذي العسكرية بضحاياها كما نرى في جبهات العدوان كيف ان هناك مرتزقة ومنافقون يقاتلون ضد بلدهم لأجل المحتل الغازي…
ومن غريب الشعر هذا ان الشاعر ومنذ 1971م تكلم عن (أمير النفط)والذي يتزعم الحرب اليوم على اليمن وتكلم عن كيفية خضوع قيادات كبيرة وكثيرة من ابناء اليمن لهم على مستويات عليا بدء برؤوساء لليمن سابقين كعفاش والدنبوع والبيض وغيرهم واصبحوا جنودا لهم ضد بلدهم (نحن يداك ونحن أحد انيابك) يعني قوتك نحن نمثلها ضد ابناء بلدنا ، ثم يوضح الشاعر ما الذي دفعهم لذلك وهو سيلان لعابهم لبقايا مأكل ومشرب الأمراء والملوك الخليجيين ولم يتشبعوا بما نهبوه من ثروات اليمن خلال 40 عاما وﻻنهم ضحايا حربا ناعمة فقد قدموا عروضهم الذليلة بذل رغم انها عروض مغرية ان يقدم الانسان عرضا للعدو بالقتال ضد ارضه وابناء ارضه لصالح العدو ومع ذلك اصبحت نفسيتهم لا تتلذذ وتتمنى الا المقابل بشكل مهين له (ونحن القادة العطشى الى فضلات اكوابك) …. لذلك يتعمل معهم ملوك وامراء الخليج كما يتعامل المتكبرون مع خدمهم وعبيدهم وهم متلذذون بذلك رغم انهم فرضوا انفسهم في اليمن كزعماء ومسئولين بصورة عنجهية وتكبرية ويمارسون فيها ما يمارس عليهم في اروقة قصور امير النفط (ومسئولون في صنعاء وفراشون في بابك) ولكن الشعب لا يعفى من ان يتقبل حكم هؤلاء الأذلة الذين وجدوا في الأعمال المستنقصة شرفا وفخرا بل تقبلوهم وقدسوهم واصبح الشعب فراشا في باب فراش أمراء النفط والسبب (الحرب الناعمة) التي طوعت الجميع لهذه النفسيات.

وقد زادت حدة عمالتهم وارتزاقهم في العدوان على اليمن حيث يقاتلنا امراء النفط السعوديين والاماراتيين بدماء واشلاء هؤلاء الذين كانوا يحكموننا 40عاما مضى (ومن دمنا على دمنا تموضع جيش ارهابك) واستطاعوا ان يتمسكوا ببقايا قتلى الحرب الناعمة ليجروهم ليقدسوا المعتدين على العرض والارض اليمنية حتى وصل الامر بهؤلاء ان يقاتل الجيش واللجان الشعبية الذي تحرك لاخذ الثأر من جندي سوداني اغتصب زوجته وأخته ؛ فأي موت اشد من موت هذه النفوس واي سلاح أكثر قتلا من أسلحة تجعل الانسان ميتا وهو يتنفس ويمشي في الأرض وهذه هي اسلحة الحرب الناعمة التي وصفها وذكرها الشاعر عبدالله البردوني منذ حوالي نصف قرن من الزمن .
اصبح من ضحايا الحرب الناعمة التي وصفها الشاعر ان الجميع من المرتزقة يتسابقون لاثبات ولاءهم وطاعتهم ويتفننون في كيفية الإنحناء والخضوع رغم معرفتهم ان امير النفط نفسه ليس الا خاضعا وعبدا ذليلا لغيره من زعماء امريكا والكيان الصهيوني وبريطانيا فأصبحوا ذنب سيد الأذناب واصبح المرتزقة التابعين لهؤلاء الاذناب أذناب اذناب سيد الأذناب  …. ويالها من حرب ناعمة استطاعت ان تنتج لها هذه الجيوش التي تذلل ارضها بجلود اجسادها وتعبدها بدماءها ليسهل للغازي ان يحتل ارضه وينتهك عرضه وهو يتقلب في نعيم العبودية التي جعلتها الحرب الناعمة جنة لهم وهي في الحقيقة جحيم .
سلام الله على روح الشاعر المستبصر الاستاذ عبدالله البردوني فقد سبق الجميع ولكن للاسف لم يستوعبه احد ولم يفهم ما بين السطور احد الا السيد حسين بدر الدين الحوثب الذي ومنذ وقت لا بأس به (16عاما) وضع منهجية لمقاومة الحرب الناعمة استوعبها جماعته ممن اطلقوا على انفسهم انصار الله فظهرت حركة المقاومة للحرب الناعمة والتي لولاهم لكان الشعب كاملا ضحية عن بكرة ابيه لارباب الحروب الناعمة.
اسأل الله ان اكون وفقت في طرحي وتفحصي لما بين الكلمات ، انه ولي ذلك والمسدد والمؤيد والناصر وهو على كل شيء قدير.

#د_يوسف_الحاضري