النباء اليقين

26 / مارس أول يوم عدوان.. امتصاصُ الصدمة وتعرية أهداف المعتدي

تقرير | محمد علي الباشا

فيما يُشبِــهُ الإرهاصاتِ لإمضاء المخطط الإجرامي الأكبر.. كانت صنعاءُ في حالةٍ من الصدمة والذهول أمامَ فاجعة المساجد، وتعيشُ محنةً لا مثيلَ لها من قبلُ.. إنه العشرون من مارس 2015 يوم غرقت العاصمةُ صنعاءُ في بحيرةٍ من الدم جرّاءَ تفجيراتٍ إجرامية استهدفت مسجدَي بدر والحشحوش، في حين كانت دولُ الجوار وعلى رأسها السعودية تُبَـيِّتُ خططاً عدوانيةً، وفي يوم السبت الـ21 من مارس -بعد يومٍ فقط من التفجيرات – استدعى سلمانُ أمراءَ الخليج إلى قصر العوجا مركَز آل سعود بالدرعية العاصمة الأولى للنظامِ المزروعِ في المنطقة من قبل المحتلِّ البريطاني، وهو القصرُ الذي كان يمثّل نقطةَ انطلاق الحروب التي قادها محمد بن سعود والوهابية الأولى.

اجتماعُ “العوجا” الخليجي انفضَّ ببيانٍ حملَ ما يصمه مراقبون بـ “البصمة الأولى” لما عُرف بـ “عاصفة الحزم” التي أعلن عنها لاحقاً من واشنطن، في حين كان اليمن منشغلاً بتداعيات تفجيرات المسجدين..

حينها تم الإيعازُ للفار هادي من قبل أسياده ومشغليه، بإلقاء خطابٍ من عدن، قبل سحبه فيما بعدُ باتجاه الرياض، وهي عاصمة العدوان التي ما انفك هادي رهينَ محبسه فيها من وقتها؛ ليصبحَ حصانَ طروادة لقوى العدوان الغاشم؛ بغيةَ احتلال اليمن وتقسيمه ونهب ثرواته، وليس بخافٍ ما يحصل في المحافظات الجنوبية وسقطرى وباب المندب وقد تحدث عن ذلك صراحةً وسائل الإعلام الغربية والمنظمات الحقوقية، وصولاً إلى تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة..

وكان الاعتقادُ السائدُ –آنئذ- لدى الدول المعتدية، أن هجماتِ القوى التكفيرية وتحريكَ أجندات القوى الفاسدة في بعض المحافظات، من بينها تعز والبيضاء وحيثما تواجدت معسكراتُ القاعدة سيكون بدايةَ تحريك تجمعات واسعة نحو صنعاء ريثما تنطلق عاصفة العدوان.

وبينما مُنِيَت هذه التجمعاتُ بخسائرَ فادحةٍ، لعب إعلامُ العدوان تضليلاته الأولى في ملف اليمن بالتغطية المعكوسة، ظن الكثيرون أن متغيراتٍ كثيرةً ستحصل مع بداية عاصفة العدوان، لكن لا شيء تغير سوى ارتسام الهزيمة المدوية للعدوان.

وبعد أن قدموا المليارات الهائلة لأدواتهم لتجزئة اليمن وحينما سقط هذا المشروع الإجرامي، أظهروا وجههم القبيح العدواني ليعلنوا بأنفسهم العدوان

ثباتٌ شعبيٌّ أمام وَقْــعِ المفاجأة

في الساعة الثانية بعد منتصف ليل الخميس الـ 26 من مارس 2015م استيقظ اليمنيون على عُـدْوَان سافر الوجه، بعد أن كان يتزّيا الاغتيالات وتصفية الشخصيات والتفجيرات ونسف المساجد والطرقات.. هذه المرة أتى صاحبُ المشروع بشخصه وأدواته في المنطقة ليستهدفَ الـيَـمَـنَ أرضاً وإنْسَـاناً وحضارةً.

وبعد ساعات، تحديداً خمسَ عشرةَ ساعةً فقط من انطلاق العدوان في الساعة الـ2 من ليل الخميس الـ 26 مارس 2015م.. انبرى قائدُ الثورة، السيدُ عبدُالملك بدر الدين الحوثي، برباطة جأشٍ وثباتِ الرجل الذي لم يربكه وَقْــعُ المفاجأة الكبيرةِ التي ارتأت القوى المعتديةُ أن يكونَ عليه عدوانُها الجبان، والغادر بكل ما تعنيه الكلمة من معنىً..

ويرى المراقبون لأحداثِ العدوان مذ بدايته، أن العدوَّ باعتماده المباغَتَة باعتداءاته العسكرية الغزيرة، والمبادَأَةِ المفاجِئةِ بالعدوان كان يرمي إلى إرباك الخصم وإفقاده السيطرة على الأمور وإخراجها من يده؛ ليسهُلُ تفتيتُه وتشتيتُ قواه وبالتالي إنهاؤه بالضربة القاصمة، وحسم المعركة سريعاً، وقد ظهر ناطقُ العدوان السابق، أحمد عسيري، ليصرِّحَ باستهدافهم معظمَ القوّة الصاروخية لليمن، وأن (“عاصمةَ الحزم” أفقدت العدو نقاطَ قوته بعد أن شلّت حركته، وتحقّقت أهدافها وستُنهي عملياتِها خلال أيام).

لكن ما حصل أذهل كُلَّ المتابعين في العالم، إذ استطاع اليمنُ –قيادةً وجيشاً وشعباً- امتصاصَ الصدمة سريعاً واستيعابَ تداعياتِ الهجوم الكبير لتحالف العدوان، الذي يتشكّلُ قوامُه من أربعَ عشرَةَ دولةً، يتفوَّقُ على اليمن مالياً وبشرية وتسليحاً وقدراتٍ عسكريةً، ومن وراءه قوىً عالميةٌ كبرى، وهي الولاياتُ المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة و”إسرائيل” التي اعترفت وسائلُ إعلامها أكثرَ من مرة بمشاركتها الفعلية والمباشرة في العدوان على اليمن، وأكّدت أن دورَ تلك القوى العالمية تعدّى تقديمَ الأعمالِ اللوجستية والتسليح والتجسس والرصد وتحديد الأهداف بالأقمار الصناعية والطيران المسيَّر.

وشعبياً، بخلال ما أرادته قوى العدوان.. أظهر الشعبُ اليمنيُّ، صبيحةَ ذلك اليوم الخميس الـ 26 مارس، تماسكاً مذهلاً.. لم ينتشر الهرج والمرج والانهيار النفسي، كذلك لم تُسجل في ذلك اليوم أية أعمال من الفوضى والاضطرابات والانفلات الأمني والسلب والنهب.. بل ساد الشارع اليمني السخطَ الكبير تجاه المعتدي.. وأبدوا استعدادَهم للنفير لصدّ مَن اعتدى عليهم وعلى بلدهم، حتى قبل أن تحدّد القيادة ردة الفعل الأولى.

وشهدت بعضُ المحافظات مظاهراتٍ عصرَ ذلك اليوم وكانت مظاهراتٍ حاشدةً ومظاهراتٍ والغضبُ بَادٍ في وجه كُلّ يمني ذي نخوة ذي شهامة ذي عزة ذي إباء الغضب بادي والاستياء واضح وكُلٌّ مصمم من كُلّ الشرفاء والأحرار أنْ لا يخضعوا وأن لا يسمحوا بهذه المهزلة الإجْـرَامية أن تَمُرَّ بحق هذا الشَّعْـب.

وظلت أبصارُ الجماهير الساخطةِ شاخصةً للشاشات، تنتظرُ بشوقٍ خطابَ القائد وما ستتخذه القيادُة من مواقفَ وخطواتٍ للرد.

تحديدُ العدو وأهدافه منذ اليوم الأول

في مساء ذات اليوم (مغرِب الخميس الـ 26 مارس 2014م)، ظهر قائدُ الثورة، السيد عبدالملك الحوثي، في خطابٍ متلفز ليؤكدَ، بنظرةِ القارئ الجيّد لمرامي الأعداء والمتفحِّص للأحداث ومرامي الأعداء من ورائها، ليجزمَ حينها –أي بعد خمسَ عشرةَ ساعةً من بدء العدوان-، بقوله بأن “السعوديةَ جارَ السوء تنفّذ من خلال هذا العدوان إرادةً أمريكيةً ورغبةً إسرائيليةً”.

وشخّص السيدُ عبدُالملك الحوثي في الخطابِ الغايةَ من استهداف المنطقة بإثارة الفتن والحُرُوب، بأن السعودية وتحالفها ليست صانع القرار ولا المستفيد الأصيل، بل إنهم أدواتٌ ودُمَىً للمشروع الأميركي الإسرائيلي.

وليس أدل على أن العدوان برمته لصالح أميركا واسرائيل، من أن السفيرَ السعودي في أمريكا أعلَنَ من واشنطن الحرب على الـيَـمَـن وأن السعودية التي رأت في أميركا إلهاً، وأدواتها المتمثلة بتنظيم داعش والتي تطبِّلُ على الشَّعْـب الـيَـمَـني وتبدي ارتياحَها نتيجةَ العدوان، وهذا حال العملاء والخونة.

فيما يُحيي اليمنُ الذكرى الثالثة لصموده في مواجهة العدوان، يتحقّق مصداقُ ما ذكره قائدُ الثورة في اليوم الأول للعدوان، ويثبت الشَّعْـبُ الـيَـمَـنيُّ أنه ليس لقمةً سهلةً يستطيعُ أَحدٌ ابتلاعَها.. وأن الخياراتِ المفتوحة التي تحدث عنها السيد يوم الـ 26 مارس 2015م وبعد أن تجاهلت القوى المعتدية تحذيرَ السيد الذي بذل لها النصحَ بكفِّ عدوانها، تتجسَّدُ اليومَ بعد ثلاثة أعوام واقعاً في الجبهات وانحسار العدو وانقساماته وغرقه في وَحْـل هزائمه، وها هو العام الرابع قادمٌ بالتحدي والثبات والبطولات.