النباء اليقين

موانئ اليمن.. أطماع الإمارات يحققها العدوان والحرب

الهدهد_متابعات

 

لم تكن مطامع النظام الإماراتي بموانئ اليمن وخصوصاً ميناء عدن وليدة اليوم أو نتيجة لتدخلها العسكري في نطاق التحالف العسكري على البلاد بل منذ عقود مضت.

حيث كشف مسؤول رفيع في نظام الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح أن أولى المحاولات الإماراتية الجادة للسيطرة على ميناء عدن تعود إلى بداية التسعينيات وتحديداً عقب الوحدة اليمنية عندما أقرت الحكومة آنذاك إنشاء منطقة التجارة الحرة في المدينة وهو القرار الذي أثار مخاوف أبوظبي من أن ينعكس ذلك على حركة ميناء دبي.

ووفقاً للمسؤول اليمني الذي رفض الكشف عن هويته فإن الإمارات أسهمت في تعطيل المفاوضات مع عديد الشركات العالمية لتطوير الميناء وتشغيل المنطقة الحرة إلى أن خضعت الحكومة وسلمت الأمر لشركة موانئ دبي التي تعمّدت المماطلة في تطوير الميناء والمنطقة الحرة.

وأشار إلى أن الحكومة اليمنية حينذاك ارتكبت خطأً بإعلان أهدافها الاستراتيجية من المشروع قبيل إنجاز الترتيبات اللازمة. اتفاقية الاستحواذ المنطقة الحرة التي تم إنشاؤها في عدن تم تخصيص 15 موقعاً لها في العاصمة الاقتصادية لليمن بمساحة (32348) هكتاراً؛ كي تكون مركزاً شاملاً للنقل والعمل يجذب المستثمرين انطلاقاً من مزايا عديدة لا تتوافر مجتمعة في أي مكان في الإقليم. وتتمثل في الموقع الجغرافي المتميز، والمدخل الطبيعي إلى الميناء بعمق 40 متراً بقنوات سهلة التعميق، ووفرة الأرض الصالحة للتوسعة والتنمية والموارد البشرية المحلية رخيصة التكلفة وإتاحة الملكية الأجنبية بنسبة 100%، والإعفاء من ضرائب الأرباح التجارية والصناعية وضرائب الدخل لمدة 15 سنة قابلة للتجديد ل10 سنوات إضافية وحرية تحويل رؤوس الأموال والأرباح إلى خارج المنطقة الحرة، وعدم وجود أي قيود على العملة وإعفاء العاملين غير اليمنيين من ضرائب الدخل وعدم وجود قيود على استقدام واستخدام العمالة الأجنبية.

ونجحت الإمارات في الاستحواذ على ميناء عدن ومنطقته الحرة باتفاقية مع الحكومة اليمنية لكنها لم تفِ بالاتفاق المبرم لتطوير الميناء إلى أن تهالكت أدواته وتراجع نشاطه فبعد أن كان الميناء يستوعب 500 ألف حاوية في العام الواحد وكان من المفترض أن يرتفع استيعابه إلى مليون حاوية خلال مدة محددة انخفض العدد وفي عام 2011 لم يستوعب الميناء سوى 130 ألف حاوية فقط.

برزت بعد ذلك مطالبات شعبية بإلغاء الاتفاقية وهو ما فعله هادي وحكومة الوفاق، وهو أمر يراه مُراقبون أحد العوامل التي تسببت بتوتر علاقة هادي بالإمارات.

كما تعرض واعد باذيب وزير النقل وقتها لأكثر من محاولة اغتيال في عام 2012 تم ربطها بإلغاء اتفاقية تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي العالمية.

وضعت الإمارات يدها رويداً رويداً على موانئ اليمن وسواحله وجزره ابتداء بعدن وليس آخراً المخا.

ورغم أن اليمنيين يعرفون مطامع الإمارات كانوا يراهنون أنها ستلتزم بهدفها المعلن في التدخل العسكري ولو على المدى القريب لكنها سارعت إلى تعطيل الميناء تارة عبر رفض مليشيا جنوبية تحظى بدعم أبوظبي تسليمه للحكومة وتارة في عرقلة التصاريح الخاصة بالسفن بل ومنع سفينة صينية من إفراغ حمولتها في أواخر نوفمبر الماضي.

تصرف أثار احتجاجات لناشطين وعمال الميناء ما أجبر التحالف على الخضوع والسماح للسفينة الصينية “ديفون تريدر” بإفراغ حمولتها.

مدير ميناء عدن محمد علوي المزربة أوضح حول ما يُثار حول الميناء والإمارات والتحالف واكتفى بقوله إنه من الطبيعي أن يتأثر الميناء بالمشهد السياسي والأمني للبلاد.

وأوضح أن الحركة أصبحت طبيعية في الميناء مرجعاً التأخير “السابق” إلى ما وصفه ببعض المشكلات وأن الحركة حالياً تشهد تصاعداً، خصوصاً بعد زيارة السفير السعودي وبعض المسؤولين للاطلاع على الصعوبات والاحتياجات التي يحتاجها الميناء الذي كان الثاني على مستوى العالم في خمسينيات القرن الماضي إبان سيطرة الإنكليز.

وأكد أن الحرب والتجاذبات التي حدثت عقبها أسهمت في ارتفاع معدل التأمين على السفن لكنهم استطاعوا أن يحققوا زيادة عام 2017 (330 ألف حاوية) مقابل (270 ألف حاوية عام 2016).

وأضاف أن الميناء شهد صيانة للقطاع البحري بإمكانيات محدودة (1.5 مليون دولار) لا تتناسب مع الطفرة التي تشهدها صناعة الموانئ في المنطقة “ولا سيما أن صراعاً شرساً يدور للسيطرة على الحصة الخاصة بالموانئ في البحر الأحمر، وآخرها استحواذ تركيا على ميناء سواكن السوداني”.

المحلل الجيوسياسي اليمني أحمد حميدان يرى أنه ليس من مصلحة الإمارات تشغيل عدن كمنطقة حرة وتنشيط حركة البواخر في مينائها وبحكم تاريخ الميناء والموقع الاستراتيجي سيكون منافساً صعباً لدبي و”جبل علي” ويمكن أن يكون نقطة وصل مسيطرة على حركة التجارة في المنطقة؛ ما قد يؤثر سلباً على نشاطها التجاري وحركة تجارتها ومصالحها في المنطقة.

وقال إنه لا يمكن تجاهل الشق الاقتصادي من خلفيات الأزمة في اليمن لذلك فالإمارات تعيق نشاط حركة التجارة في عدن وتقيد نشاط مينائها وحركة البواخر بل حولت ميناء المخا لقاعدة عسكرية ممنوع الاقتراب منها وسيطرت على الجزر كسقطرى وميون ولهذه السيطرة أهدافها الاقتصادية. وأوضح حميدان أن “هذه الأجندات الاقتصادية للإمارات خلفها دوائر وشركات كبرى قد تكون عالمية، للأطماع الرأسمالية والاحتكارات العالمية الكبرى، والإمارات مجرد أداة”.

وأضاف: “اليوم المجال مفتوح للإمارات لتنفيذ أجنداتها والحفاظ على مصالحها الاقتصادية واستثماراتها في موانئ القرن الأفريقي وبالمجان؛ بحكم سيطرتها العسكرية على الجنوب والشريط الساحلي”.

وأكد حميدان أنه “لا تستطيع عدن وميناؤها النهوض بغير أبنائها ولن تنشط الحياة الاقتصادية في شرايينها دون أن تتحرر من هذه السيطرة العسكرية وتستقر سياسياً، والخوف الذي يعتري الإمارات وأطماعها دفعها لعدم السماح باستقرار اليمن وعدن سياسياً ليؤثر ذلك من ثم سلباً على حركة التجارة والاقتصاد”.

وأشار إلى أن الإمارات لتحقيق ذلك “تفضل عدم دعم حكومة هادي وتقوم بتشكيل كيانات مليشاوية مقابلة ومناوئة ليبقى الصراع قائماً وعدم الاستقرار يخدم أطماعها وأجنداتها”.

وبالاتجاه نحو الساحل الغربي لليمن سنجد أن ميناء المخا الذي تم السيطرة عليه مطلع العام 2017 لم يعاود نشاطه فقد تحول إلى مقر للقوات الإماراتية التي تشرف على عمليات الساحل الغربي.

ويعد تشغيل الميناء ضرورياً للغاية لسكان الشمال بحكم القرب الجغرافي؛ لتسهيل دخول البضائع والمساعدات فضلاً عن أن آلاف السكان يعتمدون عليه كمصدر دخل سواء العمال أو الصيادون.

ورغم أن رئيس حكومة هادي بن دغر وعد بإعادة تشغيله أثناء زيارة الميناء عقب التحرير؛ كشف علي المعمري المحافظ السابق لتعز التي يتبعها الميناء إدارياً في أكتوبر الماضي في حلقة نقاش ببيروت أن القوات الإماراتية منعته من دخول ميناء مدينة المخا خلال زيارته للمدينة ولم تسلم إدارتها المدنية للسلطات المحلية.

وأكد “المعمري” أن من شأن إدارة السلطات المحلية للميناء بعد تأهيله وتشغيله أن تحل مشكلة السيولة التي تعيشها المحافظة والمتمثلة بانقطاع المرتبات عن موظفي الدولة.

ولم يبقَ سوى ميناءي “الحديدة” و”ميدي” خارج نطاق السيطرة الإماراتية؛ لكونهما يخضعان لسيطرة الجيش واللجان الشعبية لكن الإمارات تحشد المليشيات والمرتزقة على الساحل الغربي محاولة بسط سيطرتها على ما تبقى من موانئ اليمن.

ولمعرفة موقف حكومة المنفي من التصرفات الإماراتية وسيطرتها على الموانئ اليمنية رفض المتحدث باسم الحكومة راجح بادي التعليق على الأمر والتجاوب مع أي تواصل عن الموضوع قد يكون التهرب متوقعاً؛ نظراً للموقف المحرج الذي تعيشه حكومة هادي أمام تدخلات الإمارات والسعودية لكن ما ليس متوقعاً هو الصمت السعودي أمام التصرفات الإماراتية.

فبحسب مُراقبين فإن السعودية – المعنية بدرجة أولى بالبحر الأحمر؛ نظراً لقربها الجغرافي ومصالحها أكثر من الإمارات – استُغلت من قبل أبوظبي من خلال العمليات الحربية التي يقوم النظام السعودي بجل عملياتها فيما تحاول الإمارات السير باتجاه التقسيم ودعم أطراف من الانقلابيين.

* المرصاد نت