النباء اليقين

الاسلوب الصحيح في التخويف !

الهدهد/ثقافة

إذا كنت تريد أن تصنع خوفا في نفوس الناس، وخشية من الله، خوفاً وخشية إيجابية لا سلبية معها إطلاقاً.. ركز على ما ركز عليه القرآن الكريم على اليوم الآخر على الحديث عن اليوم الآخر عن تفاصيله، عن أهواله، عن شدائده، عن النار، عن الجنة.. وهذا هو ما ظهر جليا في القرآن الكريم أنه من أهم الوسائل لإيصال الخوف من الله والخشية من الله في قلوب الناس. حينها سترى أن تلك الأهوال الشديدة تلك النار الشديدة تهون عليك نفسك أن تبذلها ولو عدة مرات في الحياة وتسلم تلك الأهوال، تأمن أثناء تلك الأهوال، وتأمن من تلك النار الشديدة، وأن ذلك النعيم العظيم وذلك المقام الرفيع يجدر بك أن تستهين بنفسك فتبذلها عدة مرات في الحياة من أجل أن تصل إليه.
أوليس الناس هنا في الدنيا يستهينون بأنفسهم على [مشرب] على قطعة أرض قطعة أرض مزروعة [بن أو قات] أو [عرصة] منزل.. مستعد أن يقاتل فيقتل، ويتهدد بأنه لا يمكن أن تدخل لها من طرف – كما يقول البعض – : [إلا على رقبتي هذه] أليس هذا استبسال؟؟ استبسال؛ لأنه يرى هذه القطعة جديرة بأن يبذل من أجلها نفسه.
انظر إلى الجنة ستراها جديرة بأن تبذل من أجلها نفسك عدة مرات فتحيى من جديد ثم تقتل من جديد ولو في كل معركة.
هنا في الدنيا أليس الناس يخافون؟ وقد يكون بعض المواقف تخيف الإنسان فيواجهها ولو بأن يبذل نفسه من أجل أن يأمن ذلك الجانب.. ستجد جهنم بالشكل الذي ترى أنه يجب عليك أن تبذل نفسك ولو عدة مرات من أجل أن تنجى من جهنم. هذا هو أسلوب القرآن الحكيم؛ لأنه من الناحية التربوية من الناحية المنهجية تربوياً غير صحيح أن يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} (التوبة: من الآية111) ثم ينطلق رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) ليخوف الناس من الموت وهو أعظم مجاهد، وأعظم محرض على الجهاد بأسلوبه القوي بعباراته الجزلة بمعانيه الصحيحة، بتربيته المستقيمة.
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كان رجلاً قرآنياً يعرف منهجية القرآن لا يخالفه، لا يتعداه ولا خطوة واحدة، ثم يأتي ليخوف الناس من القبر ومن الموت ومن.. ومن..؟! حتى يجعلهم ينكمشون ويخافون، هل هذا منسجم مع التوجيهات للتضحية في القرآن؟. لا.
إذا كنت تريد أن تعرف المسألة جلياً فانظر إلى القادة العسكريين وهم يعملون على رفع معنويات الجيش أثناء المواجهة.. اسمع البيانات العسكرية لتعرف كيف أننا نحن ونحن بشر أن هذه قضية مسلمة لدينا.
أنت قد تقول لأولادك إذا ما كنت في خصومة مع آخرين تنطلق لتشجعهم على التضحية.. أليس كذلك؟ هل ستنطلق وأنت تتحدث عن خصومة حادة مع طرف آخر قد تصل إلى درجة المواجهة ثم تجمع أولادك في غرفة في بيتك وتحدثهم عن القبر وعن منكر ونكير، وعن النعش وعن كذا؟. هل يمكن هذا؟ لا يمكن.. [أنتم رجال وليست إلا ميتة].. أليس هكذا يقولون؟ يشجعهم على الاستبسال وعلى التضحية. من هو ذلك الأحمق الذي يمكن أن يعمل هذا مرة في حياته فيجمع أولاده ومعه خصم آخر ثم يحدثهم عن منكر ونكير، والقبر وضغطاته وأشياء كثيرة طويلة عريضة.
هل سيواجهون؟ أم سيأتي الصباح وكل واحد يبحث له عن مهرب ويقول: [يا خه الله غني سيعوضنا عن هذه، لا داعي أن يلقي واحد بنفسه من أجل هذه موت طويل عريض.. ومقابر كذا ونعش كذا.. وشدائد – إلى آخره -.. لا أريدها فليأخذوها].
هل يمكن أن يحصل هكذا منا نحن الناس؟ فكيف يمكن أن يحصل ممن نزل القرآن الكريم؟ وهو الذي يعلم بخصائص النفس البشرية، وهو الذي يعلم السر في السماوات والأرض، هل يمكن أن يصدر من رسول الله؟ الله اصطفاه، الله أكمله، هو نفسه يتبع ما يوحى إليه، وهو يعرف هذا القرآن بأبعاده، بعمقه، بغاياته البعيدة.. فهو لا يمكن أن يصدر منه كلمة واحدة، أو موقف واحد؛ لأنه معلم الأمة ومربي الأمة.. أليس كذلك؟ وهادي للأمة. لا يمكن أن يحصل من جانبه شيء يتعارض مع منهجية القرآن ولو على بعد ألف كيلو، ولو على بعد هناك.

*دروس من هدي القرآن (معرفة الله وعده ووعيده الدرس الثاني عشر )