النباء اليقين

نارام سرجون: عندما يتنكر “داعش” بثياب المهرج القاتل والمهرج المقتول!

من قصص الرعب المعروفة حكاية القاتل السفاح الذي يتنكر في ثياب مهرج وينظر الى ضحاياه بعينيه الباردتين من خلف قناع مهرج بريء .. والاميريكيون الذين يبرعون في أفلام الرعب وقصص هوليوود وجدوا في حكاية المهرج القاتل حلا لمعضلة داعش التي اختفت من الرقة والمنطقة الشرقية والعراق وتلاشت وكأنها لم تكن موجودة .. الكل يسأل عن هذا الجيش الذي انتشر على مساحة هائلة وأمسك بقوة نصف سورية والعراق أين تلاشى واختفى وتبخر ؟؟..

صحيح ان هذا الجيش قد لحقت به هزيمة قاسية وخسائر كبيرة ولكن جسمه الذي لم يدمر بعد لم توجد آثاره .. وليس صحيحا ان كل هذا الجيش فر الى خارج المنطقة .. بل لايزال هناك وتحت رعاية الأميريكيين الذين وضعوا خط الفرات حدا فاصلا بيننا وبين داعش .. بل وفجأة ظهر في نفس المكان الذي اختفى فيه داعش خلف الفرات على شكل مهرج يرتدي زي حرس الحدود ويقول انه حرس حدود كردي.. يسير المهرج ومعه قائد السيرك الاميريكي في المنطقة الشرقية .. ولكن من هو أكثر من المهرج تهريجا هو الاميريكي نفسه الذي بلغت سذاجته حدا يظن انه خدعنا بأنه ألبس القاتل السفاح ثياب مهرج كردي وزعم أنه أخفى الجريمة وأخفى ملامح القاتل بوجه مهرج .. وانتهت القضية هنا وستسجل ضد مجهول..

أغبى مافي الخطوة الأميريكية أنها تظن أننا حاربنا وحررنا وسط سورية من أجل ان نقف على ضفة الفرات ونتفرج على المهرجين من قادة الاكراد الانفصاليين وغيرهم رغم اننا نعلم أن وظيفة داعش الرئيسية كانت في وجود كيان على طول نهر الفرات يقوم بدور الفاصل بين سورية والعراق تحديدا وكتحصيل حاصل فصل ايران عن التأثير في المنطقة .. وكأن نهر الفرات هو ضفة طبرية التي لايريد الاسرائيليون لنا ان نغسل ارجلنا في مياهها .. أو كأنه نهر الأردن الذي يغسل الاسرائيليون أرجلهم فيه .. وكأنه نهر داود وسليمان ..
اللعبة لم تكن واضحة للكثيرين ولكن محور المقاومة كان يعرف أن استماتتة الاميريكيين لحماية داعش كانت محاولة منهم لخلق أي كيان فاصل بين سورية والعراق وايران .. ولذلك لايمكن أن يفرطوا بها الجيش الذي يقاتل عنهم وبه يدمرون كل الشرق .. الذي لايمكن أن يحل محله جيش آخر ينتمي في معظم قواعده لأبناء المنطقة فيما تنتمي قياداته في معظمها للمهاجرين ..

المفاجأة من العيار الثقيل كانت هي عودة روسيا الى الشرق وتحالفها مع القوى الرئيسية في حلف المقاومة بحيث تم تدمير ترسانة داعش وخطوط دفاعه .. ولكن لايعرف أين ذهب الدواعش .. هل تشتتوا ام نقلوا الى خارج المنطقة كما قيل عبر الاردن وبمعونة من “اسرائيل” الى سيناء وليبيا ..

حسب معطيات كثيرة وتحليلات غربية محايدة تتناقلها المجالس الخاصة فان مايحدث الآن في الشرق السوري صار واضحا .. فكما هو معلوم فان بعض قيادات داعش الموثوقة أميريكيا والتي تشكل همزة الوصل بين القواعد والقيادات تم ترحيلها بالطائرات الاميريكية من الرقة والموصل والانبار كما كشفت الأقمار الصناعية الروسية وعمليات الاستطلاع الدقيق للحلفاء ونقل بعضها عبر التنف والاردن وبمساعدة اسرائيلية الى سيناء وليبيا .. ربما لاطلاق معركة تشاغل مصر في فترة لاحقة مستفيدة من جو هزيمة الاسلاميين المصريين وشعورهم بالمرارة من اقصائهم عن الحكم شعبيا وبمساعدة الجيش المصري .. وهؤلاء الدواعش المحترفون القياديون هم الذين سيشكلون قلب الهجوم ورأس التنظيم في معركة مصر القادمة مع الاسلاميين ..

القواعد الداعشية التي نجت من المذبحة الروسية السورية في الشرق السوري تم استيعابها عبر الوجود الاميريكي فيما وراء خط الفرات شرقا ونزعت عنها صفة الداعشية .. وتتم عملية تدوير عناصرها وكوادرها واعادة تأهيلهم كمقاتلين لايحملون صفة اسلامية ضمن صفقة عرضت عليهم قبل سحبهم من الرقة والأنبار .. وتم تشكيل خليط من قوى داعشية وجهادية مع كردية .. فيما تم دفع اسم الاكراد تحت مسميات عديدة لاعلان المنطقة منطقة تابعة لهم وهم الذين قدمتهم واشنطن على أنهم حلفاؤها التي تعنى بهم ..ووظيفة الاكراد هنا هي فقط دور المحلل في عقود الزواج الصورية .. أو بالأحرى سيكون الاكراد هم ثياب المهرج القاتل وقناعه .. ويكون حلم الدولة الكردية المقبلة او الكيان الكردي هو الطعم الذي يبتعه الأكراد للقبول بهذا الدور ..

وسبب الاعتماد على بقايا داعش وغيرهم هو أن الأكراد لايستطيعون لاعتبارات كثيرة الاطباق على المنطقة الشرقية وحدهم وتكوين وطن فيها حتى بالدعم الاميريكي لاعتبارات ديموغرافية وكذلك لاعتبارات بيئية .. فهم كمقاتلين من بيسة مرتفعات ليسوا مقاتلي سهول وصحارى بل مقاتلو جبال منذ مئات السنين فهم اعتصموا بالجبال منذ الأزل ومارسوا عملية الدفاع والتمترس وليس الهجوم .. ولذلك فانهم تاريخيا لم يستطيعوا تكوين كيان عبر التاريخ لصعوبة خلق دولة متواصلة ومستقرة في الجبال فقط .. فالجبل يحميك ويجعلك تتقن فن الدفاع ولكنه يمنعك من اتقان فن الهجوم والتوسع .. كما انهم باعتصامهم بالجبال كانوا دوما خارج سلطة الحكم والممالك التي توالت على المنطقة وكان هذا عائقا امام بناء اي حضارة او مدنية كردية في شكل دولة .. ونزولهم من الجبال الى السهول والصحارى سيكون عامل فناء لهم لانهم كمقاتلين سيفشلون في القتال وهم مجبولون في الجبال وليس في الرمال .. ويلاحظ ان أداءهم العسكري في معارك السهول والصحارى في الفترة الماضية كان متواضعا ورديئا .. مقابل أداء الدواعش الذين تنتمي قواعدهم وعناصرهم المقاتلة والحواضن الى سكان المنطقة (وهذا لايعني ان جميع سكان المنطقة من الدواعش طبعا) ..
أي أن الاكراد سيتولون عملية التغطية السياسية أو اداء دور القشرة لداعش وادارة المنطقة لحساب الاميريكيين .. ولكن بهذا لايكون اي شيء تغير منذ ظهور داعش فالمنطقة لاتزال تشكل حاجزا بشريا وجغرافيا كما كانت داعش وستشكل بؤرة تقيح تنز عنفا كلما تطلب الأمر ذلك أو تبقى الفوضى وتستنزف المنطقة وتكون جيبا اميريكا محشوا بالقواعد الصغيرة والكبيرة العسكرية والاستخبارية والشركات الأمنية .. الخفية والعلنية .. وتبقى مع اسرائيل كماشة تطبق على العنق السوري كلما ضاق الخناق على “اسرائيل”..

وحسب اعتقاد بعض المتابعين الغربيين فان داعش القاتل تلبسه أميريكا ثوب المهرج الكردي الذي لايخيف احدا بل يطمئن الناس حول العالم .. والسلاح يتدفق اليه علنا من قاعدة انجرليك التركية بذريعة أنه يذهب الى الأكراد ويصل الى المنطقة وذلك تحت سمع وبصر اردوغان .. بعض السلاح يصل للأكراد ولكنه أيضا يصل لعناصر داعش السابقين لاعادة تسليح التنظيم تحت مسمى جديد .. ولكن بهذه الحيلة والغطاء الكردي فان السلاح يتدفق الى المقاتلين الذين سيتولون حماية المنطقة والدفاع عنها بغطاء اميريكي دون حرج ودون ان يزعج الروس الاميريكيين بصور الفضائح والاقمار الصناعية التي تكشف علاقة أميريكا بداعش .. كما أن سكوت الاتراك واردوغان عن استعمال قاعدة انجرليك لنقل شحنات السلاح يطرح شكوكا ان الأتراك يعلمون ان السلاح النوعي لن يذهب للأكراد .. ولكن الأتراك يتقاسمون العمل واللعبة والأدوار مع الاميريكيين .. فاردوغان يرفع عقيرته لتصوير الخطر الكردي ليبرر تدفق قواته أكثر الى الشمال السوري لقتال الاكراد وهو عمليا سيقتل أعداءه الكرد السوريين ايضا الذين يميلون ربما الى التحالف مع الروس والسوريين .. ويبقي وجوده العسكري ويدعم الاسلاميين بتسليمهم المنطقة بحجة انهم يحرسون الامن التركي من الأكراد .. فيما تتولى اميريكا المناورة الكلامية وتطمن الأتراك انها تعرف حدود التسليح الكردي المقبولة لتركيا وهي ماستلتزم به وتترك لتركيا مهمة تدمير الاكراد في عفرين ومنبج والتمركز هناك بانتظار تفاهمات جديدة أو مفاجآت ميدانية .. فيما تواصل اميريكا بمعرفة تركيا تقوية الجيش البديل لداعش في الشرق .. ويؤكد أصحاب هذه الملاحظات والتحليلات أن الروس يتابعون بدهاء هذه الحفلات التنكرية للامريكان والاتراك وهم أنفسهم يلعبون اللعبة التنكرية على طريقتهم .. ولكن يظن هؤلاء ان بانتظار الأتراك فخا في الشمال السوري عندما تتكسر التفاهمات وما ان تصل أقدامهم اليه فانهم سينزلقون فيه ..

وخلاصة القول فان هذا المهرج القاتل الذي يرتدي الزي الكردي ويقوم بدور حرس الحدود لن يخدع أحدا بقناعه وحركاته وابتساماته .. فعيناه القاتلتان الباردتان خلف القناع هما عينا أبي بكر البغدادي .. وكما توقعنا سابقا أن محور المقاومة والحلفاء معا سيكسرون ظهر داعش بسرعة ولن ينتظروا نبوءة اميريكا ببقائه 30 سنة أخرى لأنها سلحته ليبقى 30 سنة .. فاننا نتوقع هزيمة أسرع كثيرا للمهرج القاتل الجديد لاعتبارات جغرافية وديموغرافية وعسكرية معقدة لاداعي للخوض فيها الآن .. وهذه المرة سيتلقى الاميريكي الرصاص في صدره مباشرة لأنه صار العدو المحتل دون مواربة .. ولنرى (كبير المهرجين مقتولا) وليصير عنوان هذه المرحلة (المهرج المقتول) بدل (المهرج القاتل) بعد مرحلة (فانية وتتبدد) التي تلت مرحلة (باقية وتتمدد) ..

ولكن من أعار القاتل ثياب التهريج ليخفي ملامحه عن العدالة عليه أن يعلم ان التغطية على الجريمة واخفاء القاتل هي مشاركة بالجريمة وضلوع فيها .. وسيناله ذات العقاب .. ان لم يكن أشد .. وهذه رسالة يجب ان تصل لمن يفصّل ثياب التهريج الكردية لأبي بكر البغدادي .. مهرج أميركا .. ونبشرهم بعاصفة عنيفة ستقتلع أميريكا من المنطقة الشرقية .. وتتركهم وحدهم في مهب الريح العاتية التي تحمل الجيش السوري وحلفاءه وسلاحه الروسي الحديث ..

نارام سرجون – أوقات الشام