النباء اليقين

بذور التفريط .. تثمر حسرات

علي احمد جاحز

الواقع يقول ان الوضع المعيشي للمواطن اليمني جراء الحصار والحرب الاقتصادية البشعة قد تجاوز الحد الذي يمكن احتماله ، مع بقاء مقومات الصمود والوعي التكافلي واستمرار التفاعل الشعبي مع الحشد والتعبئة ، فثمة خطر يشعر به المواطن ويتلقى تهديداته كل يوم تستهدف اسرته شخصيا ومجتمعه بشكل عام .

هذا هو واقعنا ، ويجب ان نعترف به او بالاصح يجب ان تعترف به الجهات المعنية والسلطات المسؤلة عن ادارة الوضع كجبهة قائمة بذاتها عليها ان تبحث عن سبل وبدائل واسلحة اقتصادية تواجه ادوات واسلحة العدوان الاقتصادي وتنجح في صده ودفع مخاطره عن معيشة الناس وحياتهم وعن المنظومة الاقتصادية برمتها .

صحيح ان هذا الوضع المعيشي الصعب الذي هو من تأثيرات العدوان والحصار ونتيجة طبيعية لحرب اقتصادية مسعورة وتدمير ممنهج للمنشئات الحيوية ووووالخ ، يحتاج لمعالجته الى امكانات وموارد ضخمة ومستدامة ، إلا ان ذلك لا يعني ان تقف السلطات ومؤسسات الدولة والمعنيين مكتوفي الايدي ، فالتحرك الجاد والبحث المستمر عن حلول وبدائل سيثمر حتما معالجات تخفيفية في اقل ما يمكن ، ولايمكن ان يخرج بلاشيء .

ما ينتظره الناس ليست حلولا سحرية ولا نتائج خرافية ، فالوعي المجتمعي بالحصار وتداعياته وتأثيراته وبامكانات الدولة وحدود قدرتها وسقف حلولها ومعالجاتها ، وعي عال مصحوب بتفهم ورغبة في التعاون مع الدولة والحكومة لتجاوز الأزمة ، وهذه بيئة وعي مجتمعية صحية تشكل ارضية صلبة يتكيء عليها تحرك الجهات المعنية .

ولا بد ان تعترف الجهات المعنية والمسؤلين عن ادارة مؤسسات الدولة والملف الاقتصادي منذ بداية العدوان وحتى اليوم ، بتقصيرها في وضع بذور العمل الاقتصادي والتنموي منذ البداية والاشتغال على بدائل وحلول ومعالجات استباقية للمشاكل الاقتصادية التي كانت متوقعة بالبديهة ، وبناء تحصينات متينة تحمي الاقتصاد من الاستهداف الذي كان يلوح في الافق منذ اليوم الاول، ووضع اجراءات وقائية مبكرة تضمن توفير الامكانات وحمايتها من الهدر في ايام الوفرة … الخ.

لو تم التحرك انطلاقا من استشعار الخطر وقراءة القادم ببصيرة ثاقبة تدرس مآلات الامور وتستقرئ تحركات العدو وخياراته وخطواته في حربه علينا ، لكنا اليوم نحصد ثمار ما زرعنا باكرا او على الاقل نتفادى تأثيرات وحشية هجوم العدو الاقتصادي علينا .

والان ايضا بنفس القدر ، اذا لم يتم وضع بذور عمل اقتصادي وتنموي من اليوم فسوف تصبح فرصة اليوم حسرة في قادم الايام، تماما مثلما صارت فرص عام 2015م و2016م حسرات الان، فالاتكال على حدوث متغيرات وانفراجة ليس خيارا حكيما في ظل معطيات واضحة تقول ان عدونا مغرور ومكابر و ليس بوارد ان يتوقف إلا اذا استسلمنا .

وفي مقابل ذلك ، ندرك ونعي ان ما نعانيه على مستوى الوضع المعيشي الصعب يعتبر طبيعيا مقارنة بالتأثيرات التي تكوي مجتمعات الدول المعتدية وتطال معيشتهم ، وخاصة السعودية التي لم تستطع ان تخفي تأثير حربها وعدوانها على اليمن في وضعها الاقتصادي ، بل ظهر ذلك جليا في الاجراءات التقشفية والجرع السعرية وابتزاز الامراء والتجار، وهي اجراءات غير منطقية في ظل وضع مستقر وعوائد خيالية تكفي لرفاهية الوطن العربي كله .

بمعنى ان ثمة جهود بذلت في هذا الصدد من قبل السلطات والمسؤلين على مدى سنوات الحصار ، حالت دون الوصول الى مرحلة الانهيار والاستسلام ، وهي جهود لا يجب ان ننكرها ، غير اننا لابد ان نقولها بصراحة : بذور التفريط تثمر حسرات ، و كان في الامكان افضل مما كان بكثير .

وباذن الله تعي الجهات المعنية وتستوعب الدرس ، وبإذن الله ننتصر .