النباء اليقين

سقطرى بنظر الإمارات… جوهرة بيد فحّام

عصام واصل

ما الذي تريده الإمارات من اليمن؟ وإن شئنا، ما الذي تريده الإمارات من الجنوب؟ أو ماذا تريد الإمارات من موانئ اليمن وجزرها؟ أو بعبارة مقرّبة أكثر: ماذا تريد الإمارات من سقطرى؟ الجزيرة النائية والقابعة خارج اهتمامات الدولة منذ زمن بعيد. الدولة التي لم تقدر سقطرى حق قدرها، ولم تعمل على منح سكانها ما يحتاجون إليه ليحسوا بانتمائهم إلى هذا البلد؟

في كتب المؤرخين والأدباء في العالم تمثل جزيرة سقطرى أرضاً مشفرة، ومنبعاً للأساطير والأحلام، إنها منطقة عذراء تماماً، لم تطأها يد ملوثة، ولم يخدش أحد جلالها الذي يوصف دوماً بـ«النادر»، سوى الإمارات التي تعمل على تجريف مكوّناتها وهويتها، وبشكل فج ومكشوف، تحت غطاء إنساني تارة أو تنموي تارة أخرى.
يتعالى صراخ الناشطين والمثقفين اليمنيين بين فينة وأخرى، في وجه التجريف الإماراتي، ويعززون صراخهم بوثائق كثيرة تكشف فداحة ما يحدث في الجزيرة من تجريف وتدمير لبيئتها ومحمياتها الطبيعية براً وبحراً، في محاولة لفضح اليد الآثمة التي تعبث.

في كتب المؤرخين والأدباء تمثل سقطرى أرضاً مشفرة ومنبعاً للأساطير والأحلام
ويؤكد الكتاب والمثقفون، لاسيّما الذين استقروا في سقطرى لزمن، أو عايشوا ناسها، أن الاعتناء بسقطرى من قبل الإمارات ليس طارئاً أو جديداً أو عابراً، إنه يمتد إلى ما قبل سقوط الدولة في أتون الحروب الحاصلة، إذ استغلت الإمارات حالة الفراغ الناشئ وكذا حاجة الناس إلى الخدمات والخبز، وتسلّلت من هذا الباب ونفّذت مشروعها المخطط والمهندس بشكل جيد، وبتواطؤ نافذين في سقطرى والدولة وهو ما دفع مشائخ سقطرى مؤخراً للانتفاضة في محاولة منهم لإيقاف ما يحدث.
تدرك الإمارات، بعكس اليمن، أن سقطرى بوابة جيدة للاستثمار ودرّ الأموال كما أنها جوهرة بيد فحّام تماماً، وهي في هذه الفترة الحرجة تبدو منفلتة ولا رقيب عليها، وإن وجد الرقيب فهو مجبر على الصمت؛ لذلك تقوم الإمارات بكل ما تقوم به. إنها الفترة الجيدة بالنسبة إليهم لتنفيذ المخطط واستنزاف ما تستطيع استنزافه من الجزيرة وطبيعتها كالطيور النادرة والأحجار والأشجار… إلخ، ولا تتوقف عند ذلك بل تتعمد استنزاف مخزونها البشري ومسخ كيانهم الوجودي عبر منحهم الهويات الإماراتية وترحيلهم كطيور الجزيرة وأشجارها وكائناتها تماما..
لم يكن الاهتمام بالجزيرة من قبل أبوظبي مجرد اهتمام عادي، فقد اهتمت «هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة» بترجمة أهم الكتب والبحوث العالمية عن سقطرى ونشرتها، كما هو الحال مع كتاب «سقطرى جزيرة الأساطير»، للمؤلف الروسي فيتالي ناومكين، الذي قام بترجمته خيري جعفر الضامن، في العام 2015م، وهو كتاب مكوّن من أكثر من 505 صفحة يحتوي على معلومات هامة جداً أنثروبولوجية وثقافية، عملت على الحفر والتنقيب في الهوية السقطرية ومكوّناتها والأصول الإثنية للسقاطرة ولغتهم وخصائصها وأهميتها وتراثهم الشفوي وشعرهم الشعبي، ومدى ارتباطهم بمحيطهم، إنه كما يؤكد المؤلف في تقديمه ثمرة إجمالية للدراسات المنجزة من قبل البعثة الروسية وقد أصدرتها هذه البعثة في موسكو عام 1988م بعنوان «السقاطرة»، وبترجمتها الإنجليزية في العام 1994م بعنوان «جزيرة العنقاء»، كما أنه نسخة تكاد تكون مطابقة للطبعة الروسية الصادرة عام 2012م بعنوان «جزر أرخبيل سقطرى: مراحل بعثة 1974- 2010م».
هذا يعني أنهم مخططون، وعلى وعي جيد بتنفيذ المخطط وتوقيته أيضاً ومدى نجاحه وكيفية التصدي لمحاولات فضحه أو إيقافه؛ لأنهم قد حفروا جيداً في الوعي السقطري الموجود في البحوث العلمية الرصينة، وحاولوا الإطلاع على وعيهم ومعارفهم ومكونات هويتهم وما يدور فيها تمهيدا للقادم وهو الحاصل الآن.
ليست سقطرى مجرّد جزيرة، وليست مجرّد جغرافيا، إنها «هوية»، وإن كان الساسة اليمنيون لا يولونها أهمية، إنها انتماء وثقافة وحضارة، إنها هوية اليمن وجذرها الأول، واليد الآثمة التي تحاول تجريف قيم هذا الأرخبيل تتعمّد السيطرة على الجغرافيا (بشراء وتسوير المحميات الطبيعية)، ولا تكتفي بذلك فحسب، بل تعمل على نقل ما تيسّر منها، وبشكل فج ومنظّم، إلى أبوظبي.
سقطرى كما يؤكد الكتاب سالف الذكر «تحتل موقعاً جغرافياً فريداً على مفترق الطرق البحرية وملتقى الحضارات القديمة، استأثرت بانتباه الباحثين من غابر الزمان»، غير أنها لم تحظ باهتمام الباحثين اليمنيين، ولا باهتمام دولتهم، وكذا إنسان هذه الجزيرة ما يزال مقصي ومهمل ومعزول، والدولة معنية بالاهتمام به وبالثقافة السقطرية، كما هي معنية بتوضيح ما يحدث للناس، والعمل على إيقاف العبث الذي الحاصل.

العربي