النباء اليقين

المسيرة القرآنية ( 2-2 )

أنصار-الله

المسيرة القرآنية ( 2-2)

دوافع ومشروعية التحرك
لقد كان تحرك هؤلاء المؤمنين من منطلقين هما:
أولاً: من منطلق المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ الله﴾(الصف: 14) وكما قال السيد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – : ((أفلا نكون من أنصار الله ولو بكلمة؟! سننصـر دين الله، وإذا لم ننصـر الله ودينه أمام اليهود، في مواجهة اليهود فأمام من ننصـره؟! أمام من ننصـره؟! إذا سكتنا في أوضاع كهذه فمتى سنتكلم؟!)).
فكانوا رجال إيمان، رجال مبادئ ليسوا أناسًا همجيين تحركوا لا لقضية وليس في إطار مشـروع، وبطريقة همجية أو عدوانية، كلا بل كانوا يدركون أنهم أصحاب قضية عادلة وموقف مشـروع، وبالتالي كانوا يستشعرون مسؤوليتهم أمام الله أن يقفوا في مواجهة التحرك الأمريكي الصهيوني الذي يستهدف ديننا ويستهدف أمتنا.
ثانيًا: انطلقوا من منطلق القيم، القيم الإيمانية والدينية التي كانوا يحملونها وكانوا متشبعين بها وفي مقدمتها الإباء والعزة، العزة هي من أهم القيم الإيمانية. الله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾(المنافقون:8) وهم كانوا أعزاء عندما تحرك المستكبرون والظالمون باستكبار وطغيان وتعال وإجرام؛ ليدوسوا كرامة هذه الأمة؛ تحركوا للدفاع عن دينهم وأمتهم بما يستطيعون.
تحركوا بمشـروع معروف، تحركوا ضمن مشـروع قرآني له شعار يعبر عن طبيعة التوجه لهذا المشـروع وإلا فالمشـروع مشـروع متكامل له خلفية ثقافية في مجملها محاضـرات كثيرة تتضمن كثيرًا من التفاصيل تستهدف معالجة هذا الواقع السيئ الذي أوصل الأمة إلى ما وصلت إليه.
واقع سيئ وأسباب كثيرة حتى تاريخية أوصلت المسلمين في هذا العصـر إلى ما وصلوا إليه؛ لأن مسارهم لم يكن في الأساس مسارًا نهضويًّا بنَّاء، المسلمون عاشوا لقرون طويلة خاضعين لحكم استبدادي ظالم أضعفهم وأوهنهم، ولم يبنهم، ولم يبنِ لهم الحضارة المنشودة، ولم يبنِ البنيان المطلوب الذي أراده الله لهم.
وللأسف إن الكثير ممن تحركوا لمواجهتنا لم يتيحوا لأنفسهم الفرصة بالاطلاع الكافي على طبيعة المشـروع الذي نتحرك على أساسه؛ وبالتالي البعض منهم لا يريد حتى أن يتيح لنفسه الفرصة بل يتسـرع قاصدًا وعامدًا إلى تبني مواقف سلبية وأحيانًا عدائية؛ لأنه لا يطيق أصلًا أن يسمع أو يتفهم أو يناقش أو يحاور بتفهم وبقصد معرفة الحقيقة.
النتيجة هي أنهم بدلًا من أن يحاورونا أو يتفهموا ما لدينا أو يناقشونا عن طبيعة ما نستند إليه حاربونا وواجهونا.
كنا نقول لهم: إننا أمة مستهدفة كمسلمين وكعرب هذا واقعٌ الشواهد عليه ملأت سمع الدنيا وبصـرها، العالم الغربي يتكالب على أمتنا، أمريكا وإسـرائيل يتحركان بنزعة استعمارية، ما يحصل علينا في شعوبنا معروف، في فلسطين في العراق في أفغانستان في اليمن في الصومال، أي أننا لا نتحدث عن أوهام أو خيالات أو مخاوف لا تستند إلى وقائع بل نتحدث عن وقائع وأحداث وهجمة استعمارية واضحة ملأت سمع الدنيا وبصـرها.
وبالتالي يجب أن نتحرك لأن الصمت والسكوت والاستسلام والعجز والجمود ليس حلًّا، لا يمثل أي حل للأمة ولا يمكن أن يعول عليه لدفع أي شـر عن الأمة، وتحركنا من هذا المنطلق في مشـروع معروف لمن يريد أن يتعرف عليه.
الدور المحوري للشعوب
ثم نحن نؤمن بضـرورة الدور المحوري الأساسـي للشعوب، نحن نقول: لا يمكن الرهان على الحكومات لماذا؟ حجم الهجمة الغربية كبير جدًّا على العالم الإسلامي، ووضعية الحكومات حتى وإن كانت مخلصة لا يمكن أن تكتفي بنفسها وتستغني عن دور الشعوب، دور الشعوب ضـروري ومحتاج إليه ومهم وفاعل ومجدٍ وحجم الهجمة الغربية الاستعمارية المستكبرة كبير جدًّا، وموقف الحكومات واضح هي أما بين حالة استسلام وعجز ودخول وذوبان في نفس المشـروع الاستعماري للمنطقة أو القليل منها الذي وقف مناهضًا وفعلًا يدرك بأهمية الدور الشعبي ويؤمن به.
فالشعوب هي معنية بأن تتحرك لمواجهة الأخطار التي تعاني منها ونحن نتحرك على هذا الأساس من واقع شعبي ولا تمتلك فقط الحكومات الحق أو الصلاحية في تبني مواقف محدودة أو معينة تجاه قضايا كبيرة خطيرة نتيجتها في نهاية المطاف بيع وطن أو التضحية بسيادة أمة وكرامة شعب لا.
الحكومات لا تمتلك الحق ولا تمتلك الصلاحية في أن تبيع أوطانها أو تهدر دماء شعبها واستقلال بلدانها لا تمتلك الحق في ذلك.
وعندما تريد الحكومة مثلًا أن يصبح لديها توجه معين على مستوى بلدنا اليمن مثلًا عندما تريد الحكومة أو يريد النظام أن يدخل في صفقات مع العدو الآتي لاستهدافنا واستهداف أمتنا تدخل في صفقات تفرط فيها بسيادة البلد باستقلال البلد بكرامة الشعب تفتح المجال لقواعد أجنبية عسكرية في البلد الهدف منها هو تعزيز حالة السيطرة على البلد يمكن للناس أن يكون لهم موقف وأن يحتجوا وأن يعترضوا.
نحن كشعب نتضـرر في نهاية المطاف ولدينا الحق لأن الشعوب في نهاية المطاف تكون هي الضحية، ألم يعان الشعب الفلسطيني ولا يزال يعاني؟ ألم يعان الشعب العراقي ولا يزال من تبعات العدوان الأمريكي يعاني؟ ألم يعان الشعب الأفغاني؟ ألم تعان كل الشعوب التي استهدفت بعدو خارجي؟.
الشعوب لها الحق ولا ينبغي أبدًا أن تسلِّم الشعوب بإسقاط هذا الحق فيأتي البعض ليقول المسألة مرتبطة بالسياسة الخارجية وهذا من اختصاص الحكومة.
السياسة الخارجية إذا كانت ترمي إلى بيع وطن وإلى إهدار استقلال بلد وإهدار دماء شعب فهي سياسة خاطئة خرجت على الثوابت وانحرفت وأسقطت حقًّا للشعب، الشعب حينها يمتلك الحق لينادي بحريته ليطالب باستقلاله ليرفض الهيمنة عليه هذا حق طبيعي وحق مشـروع.
وإذا أراد الآخرون أن يرغمونا لنصمت ونسكت، أو حاولوا أن نستسلم فلا يكون لنا – كشعب – صوت مسموع ولا كلمة عالية ولا موقف واضح وأن نسلّم بالأمر كما سلموا بناء على صفقات دخلوا فيها هي في نهايتها خاسـرة فهذا ليس صحيحًا ولا ممكنًا؛ لأننا أصحاب قيم وأصحاب مبادئ، ونحن نعي وندرك كشعوبٍ الفداحة الكبيرة والخسـران المبين لأمور كهذه.
المسألة في نهايتها أن يسقط شعب بأكمله تحت هيمنة احتلال مباشـر إنما يحتاج إلى مقدمات طبعًا الأمر يحتاج إلى مقدمات تهيئ الظروف وتهيئ الجو الملائم والمناسب الذي يسهل للخارج السيطرة التامة والاحتلال المباشـر بدون أي كلفة بعد توفير كل المبررات وبعد تهيئة الأرضية اللازمة التي توصل الناس إلى درجة سيئة جدًّا من الضعف والعجز والشتات وانعدام عوامل القوة المعنوية والمادية التي يحسب لها العدو ألف حساب.
فنحن نتحرك على هذا الأساس قضية عادلة مشـروع قرآني نهضوي لمواجهة استهداف شامل وهذا التحرك تحرك ضمن مشـروع له تفاصيله وسنتحدث هنا عن بعض ملامحه.
وبإيمان بأهمية دور الشعوب بأنه ضـروري وأنه لا غنى عنه وأن الحكومات أو الجيوش حتى لو أخلصت لشعوبها لا يمكن الاكتفاء بموقفها ولا الرهان عليها فحسب لا بد من الدور الشعبي ثم الإيمان بأنه فاعل.
ونحن وجدنا كيف كانت فاعلية المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية والمقاومة العراقية وهي بالأساس ومن الأساس كانت تحركًا شعبـيًّا وقد كان فاعلًا ومؤثـرًا ومفيدًا ومجديًا وأثبت جدوائيته.
ثم إنه ليس هناك أحد مخول بأن يبيعنا كشعب ويبيع استقلال بلدنا، لا حزب سياسي، ولا حكومة، ولا أي قوة من القوى ليس أحد مخول أن يدخل في صفقات مع الخارج، ثم يريد أن يرغم الآخرين على الصمت والسكوت ويرغم الآخرين على الاستسلام والعجز، ويرغم الآخرين على ألَّا يقولوا كلمة، ولا يعترضوا، ولا يحتجوا، ولا يخالفوا رأيه لماذا؟ لأنه يعتبر نفسه أن صفقته ستتضـرر.
يقول أنا سأتضـرر من تصـرفاتكم ويعتبر الآخرين متمردين حتى لو كانوا ينادون باستقلال بلدهم حتى لو كانوا يعترضون على قتلهم من عدو خارجي كما يحصل في قتل طائرات بلا طيار حتى لو كانوا ينادون بسيادة بلدهم أنه يجب أن تبقى مصونة، يقول لا. اسكتوا، اصمتوا، أنتم تشاغبون! وكل مشاغبتهم في نظره؛ لأنهم لا ينساقون فيما فيه مصلحته الشخصية أو مصلحته الفئوية أو مصلحة حزبه الذي دخل في صفقات هي خيانة لبلد وهي تفريط في سيادة بلد وتفريط في استقلال بلد.
وهكذا بدافع الواجب والمسؤولية الدينية والوطنية ومن منطلق العزة والحرية والإباء تحرك أنصار الله مع قيادة كفؤة ومؤهلة ومقتدرة للتحرك بهذا المشـروع العظيم وهداية الناس به والوصول بالأمة من خلاله إلى شاطئ الأمان.
وبعد هذا فإن من يتأمل واقع الأمة بمسؤولية وما تعيشه من الذلة والهوان يدرك بأنها تحتاج إلى حل لكل ما تعانيه وعندما يأتي من يقدم للأمة الحل والمخرج فإن المفترض أن تتعامل مع ما يقدمه بجدية ومسؤولية كبيرة لا أن تسخر تلك الجدية والاهتمام في كيفية القضاء عليه وعلى ما قدمه من حلول لما تعانيه الأمة .

• أنصار الله ..القيـــادة والمشـروع / يحيى قاسم أبو عَوَّاضَة