النباء اليقين

قراءةٌ تحليليةٌ لخطاب القائد: رسائل لأكثر من جهة من شخصية صادقة التحذير وتمتلك الكاريزما والإطلالة

الهدهدنت/مقالات

بقلم:علي القحوم

أطَلَّ علينا سماحةُ السيد/ عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله من على شاشة قناة المسيرة الفضائية عصر يوم الخميس ليلقي خطاباً استثنائياً واستراتيجياً وتأريخياً شمل كُلّ المجريات والأحداث المحلية والدولية والإقليمية.. لهذا لا نكتفي بالتحليل العام والمظهري بدون أن نخوضَ في حركة الجسد والإطلالة والكاريزما والبلاغة والفصاحة والشخصية والمناسبة للخطاب.. وتعتبر هذه من المرتكزات العلمية والمنهجية في تحليل الخطابات.. سيما وهناك أَيْضاً مرتكزات أَسَاسية في بنية الخطاب والمضامين والحيثيات منها عمودية وأفقية.. وندخل بالتحليل في عمق الخطاب ونقرأ ما بين السطور.. والجو العام الذي أتى فيه والدلالات والمعطيات الذي تلقي بظِلالها صوب الرسائل الواردة في الخطاب.. في ظل المعمعة السياسية التي تشهدها اليمن والمنطقة.. من التماهي في المشاريع الأجنبية والتباينات التي طرأت في الساحة العربية والإسْلَامية بالتوازي مع نشاط أعداء هذه الأمة.. وفِي ظل المعترك السياسي والعسكري والإعلامي لتطبيع الوضع والأجواء والمناخات لبناء المشاريع التدميرية التي تفتت المنطقة وتشكل خطراً على العالم بكله.

فإذا ابتدأنا بالحديث عن الشخصية فهي غنيةٌ عن الوصف والامتداح.. فسماحة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله هو ذاك القائد الذي اتَّسم بروح العطاء والفداء والبذل والتضحية.. وجسّد كُلّ القيم الإنْسَانية كيف لا؟! وهو ذاك الذي إذا تحدث صمت الآخرون.. وقوله الفصل وليس بالهزل، فقوله يتبعه فعل وعمل.. فهو يشارك شعبَه المعاناة في السراء والضراء.. ويألم لألمهم ويحزن بحزنهم، لا يبحث عن المكاسب والمغانم.. فهو قائد بحجم وطن وأمّة، صدق مع شعبه فبادله الوفاء بالوفاء والصدق بالصدق.. حتى يقول قائل ويتساءل: ما سر صمود هذا الشعب المنقطع النظير أمَام أعتى التكالبات والتحالفات الدولية.. والذي من خلال عدوانهم دمّروا البلاد وأهلكوا الحرث والنسل وحوّلوا اليمن إلى أطلال ورُكام متناثرة.. هنا نقول سر هذا الصمود هي الإرَادَة العظيمة لهذا الشعب والوعي والبصيرة.. والاثر الكبير للقيادة الحكيمة والشجاعة التي لها الدور الأبرز في إدارة الملفات السياسية والعسكرية والملفات الأُخْرَى باقتدار وحكمة وشجاعة.. وهؤلاء القادة هم من يصنعون التأريخ والمجد والعزة لهذه الأمة..

وهو ذاك الخطيب البارع صاحب البلاغة والفصاحة وصاحب الشخصية الكاريزما الذي يحبه الشعب ويتفاعل مع توجيهاته.. ويرتعد الأعداء حينما يرفع إصبعه ونبرة صوته لموقف مهم يستوقف الجميع لاستماع تحذيراته.. وإنها ليست من باب الاستهلاك الاعلامي والسياسي وواقع التجربة أثبت ذلك.. وبهذا أصبح كلامُ القائد محطَّ اهتمام على المستوى الداخلي والخارجي.. وهو بهذا قد تخطى الجغرافيا وسياج الحدود.. والذي كان العدو ولا زال يسعى من خلال عدوانه على اليمن أن يغرقَ هذا القائد في الداخل اليمني ويحاصرَه هناك؛ لأن القلقَ كُلّ القلق هو تخطي الجغرافيا والحدود.. بالتزامن مع الغليان الموجود اليوم في المنطقة وتدحرج كُرة النار إلى الاتجاه الذي لا تُحمد عقباه الأمريكي ولا الإسرائيلي ويخشَون منه لتنطلقَ بعدها صفارات الإنذار ورفع حالة الجهوزية ويحتضر ما يحتضر من خشية حدوث الزلزال الذي سيهز المنطقة وهم على إدراك ودراية بأنه سيحدث حتماً.. حينئذ تقلب فيه الموازين وتتغير الجغرافيا وتتشكل الخارطة من جديدة بإعَادَة رسمها بأيديَ عربية وإسْلَامية ليس للهيمنة والوصاية الأجنبية فيها أي نصيب.. لتقذف بعد ذلك دول الاستكبار إلى بعيد – البعيد وتقطع أياديهم وأذرعتهم في المنطقة.. ويتم استئصال الغدة السرطانية الخبيثةِ المسماة إسرائيل التي زُرعت في جسد الأمة العربية والإسْلَامية.. فتخشى إسرائيل ما تخشاه من هذا اليوم الموعود الذي لا مناصَ منه.. ومن هؤلاء القادة الذين يحملون مشاريع التحرر ويرفعون راية الإسْلَام المحمدي الأصيل..

في المقابل لا بد لنا أن ندخلَ في عمق الخطاب وقراءة ما بين السطور سيما وَأن سماحته ذكر المشكلة وشخّص الحل.. وسرد في الخطاب مجمل القضايا والتحديات والمخاطر التي تواجهها الأمة العربية والإسْلَامية.. في ظل هذه المرحلة التي تواجه مؤامراتٍ وفتناً كبيرةً.. وتواجه مشاريعَ التمزيق والتجزئة وتقسيم المقسم وتفكيك الوحدة العربية والإسْلَامية.. ومحو الهوية الدينية وتمزيق النسيج الاجتماعي.. واللعب بالورقة الطائفية والمذهبية والمناطقية.. وإغراق الأمة في صراعات بينية.. وحرف مسار البوصلة وتوجيه العداء إلى قلب هذه الأمة.. من خلال المشروع الاستعماري الجديد (القاعدة وداعش) الذي صنعه اليهود.. ويسعون من خلاله إلى فرض هيمنتهم على المنطقة ونهب ثرواتها وخيراتها..

وكان هذا مدخلاً للسيد حفظه الله في الخطاب للحديث عن العدو الحقيقي لهذه الأمة المتمثل في (أمريكا وإسرائيل) وأنهم الخطر الحقيقي.. ولا بد من توجيه البوصلة إلى مسارها الصحيح وتتحَرّك الشعوب بوعي وبصيرة، معتمدةً على كتاب الله القرآن الكريم كمنهاجٍ يسيرون عليه ويهتدون به.. ويرتبطون بأعلام الهدى ليتحَرّكوا صفّاً واحداً؛ لمواجهة هذه المشاريع وهذه المؤامرات.. وما تحقق للشعب العراقي والسوري واللبناني واليمني من انتصارات على المد التكفيري واجتثاث المؤامرات.. وتفتيت المشاريع الأمريكية كان جليًّا وعظيمًا يشهد بعظمة هذه الشعوب وعظمة هذه التحَرّكات.. وعلى الشعوب الأُخْرَى أن تحذوَ حَذْوَ هذه الشعوب، وسترى الخلاص والفرج قريب بإذن الله.. وما الحراك الشعبي الموجود اليوم في المملكة السعوديّة إلا دليل على الإدراك للخطر.. وعلى الإجْرَام والتسلط الذي تمارسه أسرة ال سعود على الشعب السعوديّ.. ولهذا سماحة السيد بارك هذا الحراك الشعبي في السعوديّة وأعلن وقوفه معهم ومساعدته لهم.. لأنه يدرك أهميّة تحَرّك الشعوب ضد العملاء والطغاة والمجرمين وأنظمة العمالة والارتهان..

وفِي إطار الحديث عن العدوان والتكالب العالمي على بلدنا وشعبنا العزيز.. أكد سماحته ما أكده منذ أول خطاب في بداية العدوان أن هذا العدوان سيحصد الخيبة والخسران.. وعلى المعتدين أن يفهموا هذا ونحن اليوم على أعتاب العام الثالث من العدوان والعدو لم يحقق مبتغاه من عدوانه..

وفِي الوقت نفسه أشاد بالصمود الشعبي الكبير والتحَرّك القبلي والشعبي جنباً إلى جنب مع قوات الأمن والجيش واللجان الشعبية في مواجهة العدوان.. ودعم الجبهات بالمال والرجال والقوافل الذي يجود بها هذا الشعب المعطاء والكريم والأبي.. الذي يأبى الضيمَ وحياة الذل والاستكانة والاستسلام.. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظمة هذا الشعب وعظمة إرادته وامتداده الأصيل للعروبة والإسْلَام.. فكان في الماضي كما هو في الحاضر قاهر الغزاة والمحتلين وأرضُه مقبرة لهم تحصد كُلّ ما يأفكون.. يواجه الشعب اليمني كُلّ ما تمتلكه أمريكا وإسرائيل من تقنيات عسكرية متطورة بسلاح الإيمان والعزيمة والإرَادَة الصلبة.. وفوق هذا العدو فشل وأحبط على مدى هذه السنوات الثلاث من العدوان..

كما قدم سماحة السيد رسائلَ متعددةً وواضحة لجمهورية مصر العربية، مفادها أن إخوتكم في اليمن ليسوا خطراً عليكم أبداً.. وَأن القوة البحرية اليمنية لا تشكّل عليكم خطراً، فلا تشارك مصر بالبارجات في غزو الحديدة.. فالخطر كُلّ الخطر هو ممَّن احتل مكانتكم المحورية في القيادة والريادة..

وأمّا الرسائل التي وردت في الخطاب لإيصالها للنظامَين السعوديّ والإماراتي فكانت على شقين الأول: يا مَن تّدعون أنكم تخوضون حرباً باسم العروبة على اليمن أرضاً وإنْسَاناً.. وأنكم تحاربون إيران في اليمن وتريدون إعَادَة شرعية الهيمنة والوصاية من جديد.. وأنكم تمتلكون مشروعاً ظاهرُه العروبة وبَاطِنَة إسرائيل هذا كبيرٌ عليكم.. فأنتم فقط مجرد أَدَوَات قذرة تتحَرّكون بكل إخلاص في مشروع أمريكا وإسرائيل الرامي إلى تفتيت اليمن والمنطقة برمتها..

وفِي الشق الثاني من الرسائل: عليكم أن تدركوا أن هنا شعباً وقيادةً وجيشاً جُلُّ همِّهم أن يدافعوا عن بلدهم وَأن يحافظوا على سيادته من الغزو والاحتلال.. فغرورُكم هذا جعل منكم تستهينون بقدرات الجيش وإرَادَة هذا الشعب العظيم.. وظننتم أنكم بأيام وستكون اليمن خاضعةً لكم وتعود كما كانت حديقةً خلفية.. وبعد ثلاثة أعوام من الصمود والثبات والقوة والاستبسال.. تفاجأتم وأدركتم أن اليمن لم تكن لقمة صائغة من السهل ابتلاعها.. وظننتم أن اليمن فيه جيشٌ منقسم وشعب منقسم ومن السهل اللعب على المتناقضات.. وإحياء النعرات الطائفية والمناطقية والمذهبية، وأنكم ومن خلال إعْلَان عاصفتكم سيرتعد اليمانيون ويأتون خاضعين وأذلاء رافعين راية الاستسلام، كما هو حالكم ومعرفتكم بنوعية من المرتزقة والمتسولين اليمنيين..

وفِي الإطار نفسه حرِصَ سماحةُ السيد أن يوصل لأمريكا وإسرائيل رسائلَ أكثر وضوحاً وكانت على ثلاثة اتجاهات الأول: أنه أعلنتم من واشنطن عدوان على اليمن من أجل عودة شرعيتكم التي رفضها الشعب.. وأغلق الأبواب أمامها وسعى إلى استقلال قراره السياسي من خلال ثورة 21 سبتمبر التي كانت ثورة شعبية شارك فيها جميع أبناء الشعب.. وجسّدت الجمهورية وأصلحت الاختلالَ فيها، فالشعب لن يقبل بالوصاية والتبعية مجدداً، فقد ضحَّى الشعب تضحياتٍ كبيرةً ولا يمكن العودة إلى الماضي على الإطلاق وعلى الأمريكان أن يفهموا ذلك..

الاتجاه الثاني: رغم عدوانكم على اليمن أرضاً وإنْسَاناً وحصاركم المفروض برًّا وبحرًا وجوًا.. فإننا بفضل الله بخير ولدينا القدرة لأن نواجهكم حتى يوم القيامة جيلاً بعد جيل.. انظروا إلى الصناعات العسكرية وانظروا إلى ما وصل به الحال بالقدرات العسكرية اليمنية من التطور والابداع.. فلا حصارُكم أثَّر على صمودنا ولا عدوانكم أوهن عزائمنا ولا طائراتكم وقنابلكم الفتاكة أخفتنا.. فحرص سماحة السيد حفظه الله أن يتحدثَ عن القدرات والصناعات العسكرية والتي كانت رسالةً واضحةً للأمريكان ولإسرائيل.. أننا اليوم بفضل الله وفضل وعي الشعب وقوة ورباطة جأش جيشنا ولجاننا الشعبية والقوى الأمنية.. وصلنا إلى مستوى كبير من الصناعات العسكرية.. ولدينا مراكز أبحاث ولدينا الخبرات ولدينا العزيمة ولدينا الإرَادَة لامتلاك سلاح كاسر للتوازن ونتفوق في معادلة الرد والردع..

الاتجاه الثالث والأهم: حرص سماحة السيد حفظه الله أن يقولَ للأمريكان والصهاينة وَأَدَوَاتهم القذرة من الأنظمة اللا عربية أي تصعيد من قبلكم.. وأية محاولة لغزو الحديدة فإن تكلفت ذلك كبيرة عليكم.. ولكم عبرة بما جرى طيلة ثلاث سنوات من العدوان.. فاعتبروا وإلا فالتصعيد سيقابله تصعيد وسنقدم على خطوات لم نقدم عليها من قبل.. وستكون مؤلمةً وستخسرون كما خسرتم منذ البداية، وان الشعب اليمني بجيشه ولجانه الشعبية جاهز بفضل الله لمواجهة أية حماقات تقدم عليها أمريكا وإسرائيل وأَدَوَاتهم في المنطقة.