النباء اليقين

عبد الناصر ومشيخات الخليج

كان لافتا للنظر نشر محمد بن راشد قبل أيام صورا له وهو صغير برفقة أبيه يصافح عبد الناصر ، وكأنه يتمسح بالرجل الذي كان نقيضا لكل ما يمثل هو وأبوه ، أو كأنه يريد أن يزعم لنفسه تاريخا مشرفا ما ، لهذا سنحكي قليلا عن ذلك ..

بدأ عبد الناصر محاولاته لاستمالة شيوخ الخليج الى الفكرة القومية ومباديء التحرر من الاستعمار البريطاني والنفوذ الأمريكي في وقت متزامن مع تصديه ل ” مبدأ أيزنهاور” أو نظرية ملء الفراغ التي أطلقها الرئيس الأمريكي آنذاك في 1958 ، قبل ذلك كان قد بذل جهودا مكثفة مع سعود بن عبد العزيز لاقناعه بتغيير نمط الحكم السعودي نحو العدالة الاجتماعية والالتزام بالقضايا القومية ففشل ،

وفي 1958 التقى عبد الناصر أمير الكويت عبد الله المبارك وحرضه على الخلاص من النفوذ البريطاني في الكويت ودعاه للانضمام الى الجامعة العربية ، ثم التقى شيوخا من أبو ظبي ودبي وغيرها وحرضهم على الأمر ذاته ، وفتح عبد الناصر الجامعات المصرية لأبناء الخليج وأرسل مدرسين ومهندسين وخبراء قانون وتنمية مصريين الى تلك المشيخات ..

ولذلك فان الرعيل الأول من الخليجيين الذين تبوؤوا مناصب حكومية في كافة امارات ومشيخات الخليج كان معظمهم من خريجي القاهرة .. في الستينات كانت مشيخات الخليج تسمى في الاعلام الغربي رسميا : ” محميات الساحل المتصالح ” وكانت علاقاتها ببريطانيا تعود الى القرنين ال 18 & 19 ، وحدثت أزمة اقتصادية في بريطانيا منتصف الستينات أتت الى السلطة بحزب العمال برئاسة هارولد ويلسون ( 1967 ) الذي أعلن نية بريطانيا في التخلص من أعبائها العسكرية بالانسحاب من الشرق الأقصى (عدا هونج كونج ) وشرق السويس ( عدن ومحميات الخليج ) ، هنا ارتبك شيوخ العائلات الحاكمة في الخليج وطلبوا التفاوض مع الانجليز فجاءهم وزير في وزارة الخارجية البريطانية اسمه روبرتس وأبلغهم بأن التكلفة المالية للتواجد العسكري البريطاني في الخليج تشكل عبئا على اقتصاد بلاده ، هنا عرض عليه كل من الشيخ زايد بن سلطان والشيخ راشد بن سعيد شيخا أبو ظبي ودبي كل على حدة دفع التكلفة كاملة ، ولكن دينيس هيلي وزير الدفاع البريطاني رد في مجلس العموم البريطاني : ” لن أعمل عبدا أبيض عن حفنة من شيوخ الخليج ..من الخطأ ان نسمح لأنفسنا بأن نكون مرتزقة ”

كان عبد الناصر يعلن آنذاك حتمية انسحاب بريطانيا من جنوب اليمن ويدعم المقاتلين ضد الاستعمار البريطاني هناك منذ بداية الستينات ، وحين بدأت بريطانيا تستعد للانسحاب من عدن أنشأت كيانا أسمته ” اتحاد الجنوب العربي ” يضم 6 مشيخات رئيسية ، ولذلك حين طالبها مشايخ المحميات الخليجية بالبقاء على أرضهم نصحتهم بانشاء اتحاد مماثل أسمته ” اتحاد الامارات العربية ” على أن يضم قطر والبحرين اضافة الى أبو ظبي ودبي والفجيرة والشارقة وأم القيوين وعجمان ورأس الخيمة ، هنا اعترض شاه ايران الذي كان يطالب بتبعية البحرين لايران ، فقررت بريطانيا اجراء استفتاء لتقرير المصير في 1971 ، وذهب عيسى بن سلمان ( والد الحاكم الحالي )الى النجف الأشرف فيالعراق ليطلب من المرجع الشيعي آية الله محسن الحكيم أن يحث مواطني البحرين على التصويت للاستقلال مقابل وعد حفاظ على حقوقهم كاملة في السلطة وادارات الدولة باعتبار أغلبية السكان هم من العرب الشيعة ففعل واستقلت البحرين ( أنظروا الى ابنه يذبح مواطنيه الشيعة اليوم ) ، كذلك رفضت قطر الاشتراك في اتحاد مع البحرين لوجود صراع بين آل خليفة وآل ثاني على ملكية جزر حوار ، وكان هناك خلاف عمره 100 عام بين آل ثاني في قطر وآل نهيان في أبو ظبي على ملكية أراضي حدودية ايضا ، بينما انتهزت السعودية الفرصة وعادت لمطالبتها بريطانيا بأبو ظبي التي كان عبد العزيز يطالب بها منذ 1935 ويعتبرها تابعة له ، وطالبت السعودية أيضا بريطانيا بمنحها واحة البوريمي على الحدود مع عمان وهي من أكبر حقول النفط في الجزيرة العربية ، رفضت بريطانيا مطالب السعودية وأصرت على مباركة قيام اتحاد الامارات العربية ، هنا اشترط شاه ايران ليقبل باقامة تلك الدولة منحه جزيرة أبو موسى التي كانت تحت سلطة الشارقة زمن النفوذ الانجليزي ، فأبرم معه الشيخ خالد بن محمد اتفاقا منحه به الجزيرة مقابل بضعة ملايين ، وهو نفس مع فعله حاكم رأس الخيمة الذي اتفق مع الانجليز على منح جزيرتي طنب الكبرى والصغرى للشاه مقابل بضعة ملايين و20 سيارة مرسيدس

، فيما بعد دعمت الحكومة العراقية آنذاك الشيخ صقر بن سلطان وأتباعه للقيام بانقلاب على حاكم الشارقة خالد بن محمد فذبحه هو و أعوانه ، وتدخلت قوة شرطة أبو ظبي التابعة لآل نهيان فألقت القبض على صقر بن سلطان وقتلته وعينت الشيخ سلطان القاسمي ( والد الحاكم الحالي ) حاكما للشارقة ..

بقلم / محمد الديلمي