النباء اليقين

سايكس بيكو من جديد

من السابق ﻷوانه التنبؤ بشكل وحجم التغييرات الجيوسياسية المنتظرة كنتائج محتملة للصراعات المسلحة والمستعرة نيرانها حاليًا في بعض الدول العربية والتي كشفت مجريات أحداثها وخلفياتها ضلوع أمريكا وإسرائيل وحلفائهم في المنطقة وإشعال فتيلها وتغذيتها بهدف تغيير موازين القوى وإضعاف وتفكيك التحالفات المضادة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة كخطوة أولى تسبق وتمهد لخطوات أخرى في إطار تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في تقسيم سوريا واليمن والعراق الناجم عن التوافق الاستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل والسعودية
كمقدمات لمشروع التقسيم الرامي تنفيذ تغييرات جيوسياسية تعيد تشكيل المنطقة العربية وفقًا لتصورات أمنية استراتيجية من أولوياتها مواجهة التهديد الاستراتيجي الكامن في محور المقاومة والممانعة إيران وسوريا وحليفهما الاستراتيجي حزب الله الذي استطاع هزيمة الجيش الإسرائيلي وأجبره على الانسحاب من جنوب لبنان في 25 آيار 2000 الحدث الأبرز الذي ظل يشغل حيزًا كبيرًا من الاهتمام والتعاطي السياسي والإعلامي في مساحات وفضاءات دولية وإقليمية وشكل فيما بعد نقطة تحول ومنطلقًا لانتصارات قلبت معادلات وأوجدت توازنات لم تشهدها المنطقة من قبل.
باستثناء انتصار العرب عام 1973 م الذي لم تكتمل فصوله في إسقاط قوة الردع الصهيونية التي كانت تمثل محورًا مركزيًا في منظومة الهيمنة الغربية في المنطقة. إلا أن انتصار حزب الله في العام 2000م له قيمته الاستراتيجية النوعية باعتباره إنجازًا تاريخيًا غير مسبوق، زعزع تلك المنظومة وحدثًا مفصليًا أثبت فاعلية محور المقاومة والممانعة، وكان له الأثر الأكبر في تصويب مسار الرأي العام الفلسطيني والعربي الذي أدرك أنه لا مجال انتزاع الحقوق واستعادتها إلا عن طريق خيارات المقاومة المسلحة في مواجهة الكيان الصهيوني. وأعطى دافعًا كبيرًا لحركات المقاومة الفلسطينية الإسلامية والقومية لتوسيع نشاطها المقاوم وتطوير قدراتها العسكرية في مواجهة الجيش الإسرائيلي في غزة التي انسحب منها في 2005م.
ومما لاشك فيه أن تبني معسكر الممانعة ممثلاً بقطبيه إيران وسوريا لخيارات المقاومة وسياسة الممانعة في مواجهة الكيان الصهيوني والتدخلات الأمريكية في المنطقة انطلاقًا من الإيمان بالثوابت والمبادئ الإسلامية والقومية التي تجلت في دعم إيران لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين وبشقيها الإسلامية والقومية واحتضان سوريا لها، قد شكل ضربة قوية لرأس الأفعى في المنطقة، وعزز من روح المقاومة والنضال. وهو ما جعل من إيران وسوريا شركاء في صناعة انتصار 2000 ،2005 م في جنوب لبنان، و غزة.
وعزز في نفس الوقت من مواقفهما وحضورهما السياسي الإقليمي والدولي وفتح آفاق واسعة لمزيد من العلاقات بدول المنطقة والقوى والتيارات السياسية الإسلامية والقومية العربية للعمل المشترك في إطار محور المقاومة والممانعة الذي اتسع نطاق نشاطه ليشمل العراق واليمن إلى جانب لبنان وفلسطين وسوريا وإيران …. الأمر الذي أوجد تكافؤًا وتوزانًا سياسيًا، وتوزع أدوارًا في مواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي وله مؤشرات مستقبلية خطيرة قد تحد من الدور الأمريكي وتحجم أدواته في المنطقة وتهدد المصالح المشتركة الأمريكية والإسرائيلية ولها أثرها الأمني على حلفائهم. كما أن هذه المؤشرات وتأثيراتها أضحت بواعث قلق وخوف أمريكية واسرائيلية ظهرت مفاعيلها في التوافق الاستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل والسعودية وتحولت إلى عامل أساسي لبلورة التصورات الأمنية الاستراتيجية السالفة الذكر والتي أعدت لمواجهة التهديدات والأخطار. وما يجري في سوريا واليمن والعراق هو استنزاف لمحور المقاومة والممانعة بحروب لا نهاية لها إلا بالقضاء عليه كونه يعتبر العقبة الحقيقة في وجه المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، وفي سياق مشروع التقسيم الذي لاحت أول خطوات تنفيذه في الظهور في سوريا واليمن والعراق، اتضح حجم الدور الإسرائيلي والسعودي المحوري وكذلك طبيعة علاقتهما من خلال العمل على استمرار القتال في سوريا واليمن والمشاركة فيه كضرورة حيوية وحتى وجودية لبقاء الكيانين الصهيوني، والسعودي .
وهو ما أكدته اللقاءات المتلاحقة بين الصهاينة والسعوديين وكذلك تقاطع المصالح بينهما والتوافق في المواقف السياسية حيال ما يجري في سوريا والتي تنبئ عن تعاون إسرائيلي سعودي، وتنسيق على إسقاط النظام السوري وتوزيع أدوار، وما ورد على لسان الوزير الإسرائيلي بدون حقيبة (تساحي هانغبي ) المقرب من رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو يؤكد التماهي والانسجام بين إسرائيل والسعودية؛ الممول بالمال والداعم بالسلاح للتنظيمات والجماعات التكفيرية التي تقاتل النظام السوري؛ حيث قال: “إنا نبارك القوى التي تعمل بالنيابة عنا أي عن إسرائيل” من يطلق عليهم صفة الثوار السورين وشدد على أن النظام السوري دعم التنظيمات الفلسطينية في حربها (الإرهابية) ضد إسرائيل ويرى (تساحي هانغبي ) أن سقوط النظام السوري سيؤدي إلى انهيار المدماك الأساس في محور المقاومة والممانعة والذي يعد تهديدًا فعليًا لإسرائيل التي لم تستطيع نسيان دور سوريا كحاضنة لمحور المقاومة والممانعة في تحويل شمال إسرائيل إلى أكبر خطر استراتيجي في وجهها .
كما أن المصلحة الاستراتيجية تحتم إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد كما قال رئيس مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال ( عاموس بدلين ) إنها خطوة تؤدي إلى إضعاف إيران وستقطع التواصل الإقليمي بين إيران وجنوب لبنان وسوف يتوقف دعم حركات المقاومة بالسلاح في كلٍ من لبنان وسوريا وهي الذريعة التي تتذرع بها إسرائيل في شن غارات جوية على سوريا مؤخرًا بينما أن حقيقة تلك الغارات هي نوع من الضغط والدعم العسكري للتنظيمات والجماعات التكفيرية التي تكبدت هزائم كبيرة على أيدي الجيش السوري وحزب الله وعانت من انكسارات متلاحقة بفعل تدخل سلاح الجو الروسي، وتزامن ذلك مع قيام الإعلام الأمريكي والإسرائيلي والإعلام العربي الحليف بش حملات إعلامية محرضة على قتال النظام السوري وحزب الله مستخدمة صيغًا إعلامية مشحونة بالطائفية والمذهبية والعرقية سعيًا منها في إيجاد انقسام في المجتمع السوري على أسس طائفية ومذهبية وعرقية تمهيدًا لتقسيم سوريا جغرافيًا وسياسيًا باعتبارها المدافع عن نظام الدولة القومية في الشرق الأوسط، وتقسيمها له تأثير كبير على نظام الدولة السيادية في المنطقة، ويزيد من عوامل التفوق والقوة الإسرائيلية في المواجهة العربية الإسرائيلية ويعزز من نزعات الاستقلال للأقليات ويحقق لإسرائيل أهدافها المستقبلية. وعلى ما يبدو أن المنطقة العربية دخلت في مرحلة مخاض متعسر يسبق استنساخ سايكس بيكو جديدة تعيد رسم خارطة الوطن العربي بأيدي أمريكية ،إسرائيلية وبتمويل سعودي وو وأخيرًا سنكمل قراءة مجريات تنفيذها في اليمن ….لاحقا ..

بقلم/ فضل عباس جحاف