النباء اليقين

البهلوانياتُ “الترامبية”

حميد رزق

عندما كان عَبدربه منصور هادي وحزبُ الإصلاح موجودين في صنعاء بلغت تحَـرّكاتُ القاعدة ذروتَها، فقد تم اغتيالُ مئات الضباط وشَنَّ تنظيمُ القاعدة عشراتِ الهجمات على النقاط والثكنات العسكرية في مختلف المحافظات، وبلغت ذروةُ تحَـرّكات القاعدة عشيةَ ذكرى الوَحدة اليمنية في شهر مايو 2012م عندما قتل حوالي 200 جندي في ميدان السبعين خلالَ عَـــرْضٍ عسكري، وفي بداية شهر ديسمبر من العام 2013 اقتحمت القاعدةُ وزارةَ الدفاع في العاصمة صنعاء وقتلت عشراتِ الأطباء والجنود، وفي شهر فبراير من العام 2014 اقتحم تنظيمُ القاعدة السجن المركزي وأفرج عن جميع عناصره الموقوفة..

لقد كان تحَـرُّكُ القاعدة كبيراً ولافتاً في تلك الفترة، وكان هو الذريعة الأمريكية الجاهزةَ للتدخل في اليمن، ولم يكن تحَـرّك تلك العناصر في تلك الفترة بمعزل عن الرضا، بل والتنسيق الأمريكي الذي كان مهيمناً وحاضراً في تفاصيل الأجهزة اليمنية، لا سيما الأمنية والعسكرية..

بعد شهورٍ قليلةٍ اندلعت ثورةُ 21 من سبتمبر من خارج السياق المتوقَّع لدى الأمريكيين والسعوديين، وفجأةً اختلطت اللعبةُ على هاتين الدولتين، وبعد سقوط مراكز النفوذ التابعة لهما في صنعاء، تم توجيهُ عناصرَ القاعدة لتكونَ جزءً مما يسمَّى بالمقاومة للقتال جنباً إلى جنب مع السعودي والإمَارَاتي والقطري والإخواني ضد الجيش واللجان الشعبية..

وهكذا أجبرت ثورةُ 21 سبتمبر الأمريكيَّ على تبديلِ أولوياته وإعَادَة النظر في ذرائعه، فتوقَّفت هجماتُ الطائرات بدون طيار، وتوارى الحديثُ عن الخطر العالمي لتنظيم القاعدة في اليمن، وتركزت كُلُّ الجهودِ الأمريكية السعودية في كيفية حشْدِ الجماعات التكفيرية لمحاربة الجيش واللجان الشعبية تحت شعارات “إعَادَة الشرعية والتصدي للانقلابيين”..

وكان اللافت أنه وبعدَ هروب هادي وحزب الإصلاح وقياداته العسكرية والقبَلية والسياسية اختفت جرائمُ القاعدة وتراجعت عملياتُ القتل والاغتيال وتم هزيمةُ القاعدة في أَهمّ معاقلها في مختلف المحافظات اليمنية..

بعد وصولِ ترامب إلى الرئاسةِ الأمريكيةِ يبدو أن الأخيرَ يفضّلُ العودةَ للعمل بموجبِ النسخة الأصليةِ من الذرائع الأمريكية المصطنعة؛ لتبريرِ التدخُّــل في اليمن، وَأبرزُ تلك الذرائع “القاعدة”، وعلى ضوء ذلك جاء الانزالُ في محافظة البيضاء، وبعد ذلك بساعات قليلة انسحبت عناصرُ ما يسمى “الحزام الأمني” من محافظة أبين؛ ليفسح المجال أَمَــام انتشار وسيطرة القاعدة على هذه المحافظة الساحلية الهامة بالتزامُن مع وُصُول المدمّرة الأمريكية كول إلى المنطقة.

الخلاصةُ أننا أَمَــامَ إعَادَة تفعيل لورقة القاعدة في إطَـار سياسةٍ أمريكيةٍ جديدةٍ بعكس إدارة أوباما التي دمجت مِلَفَّ القاعدة وجعلته جزءً من التحالف السعودي في عدوانه على اليمن، على أساس أن تقديراتِ أولئك لحسم المعركة لن تطولَ عن أسابيعَ أَوْ شهورٍ قليلة.

عندما تم توصيفُ العدوان على اليمن أنه أمريكي سعودي منذ أول غارة لم يستوعب البعضُ، لكن الحقيقَةَ التي وتؤكد دقّة التوصيف والتشخيص لأطراف الحرب على اليمن أن العدوانَ أمريكيٌّ إسرَائيليٌّ يلبَسُ قُفَّـازَ الوهابية السعودية القطرية الإمَارَاتية..

وهذا الشيءُ مُهِمُّ؛ لأنه يجعل من البهلوانيات الترامبية غيرَ ذات جدوى أَوْ تأثير بالنسبة للشعب اليمني الذي لم يُخْدَعْ بالحياد الأمريكي المزعوم، ولا للحظة واحدة، وبالتالي فالأمريكي لم يعُد لديه أَيُّ جديد يضيفُه للعدوان على اليمن غيرَ الضجيج الذي يهدفُ لابتزاز البقرة الحلوب ومشيخات الخليج، وبالعكس هناك إيجابيةٌ ستحملُها أَيَّةُ حماقاتٍ محتملةٍ للثور الأمريكي الجديد؛ كونها ستكشفُ للداخلِ والخارج بما لا يدعُ مجالاً لأي لَبْــسٍ، أن العدوانَ لا علاقةَ له بالشعارات الخادعة من نحو تحالُفٍ عربي واستعادة الشرعية وغيرها من الأكاذيب التي باتت فاقدةً للمصداقية.