النباء اليقين

ما مدى صحة الانذار السعودي للرئيس السيسي حول جزيرتي “صنافير” و”تيران”؟

الهدهدنت/متابعات

تعهدت الحكومة العراقية بتزويد مصر بميلون برميل من النفط شهريا لسد احتياجاتها بشروط تسديد ميسرة، من ضمنها قيام المصافي المصرية بتكرير مليوني برميل شهريا من نفط البصرة الخام، حيث تملك مصر قدرات تكرير فائضة يمكن استغلالها لسد احتياجات العراق من المشتقات النفطية.

هذا التعاون العراقي المصري في ميدان الطاقة جاء اثناء زيارة وزير النفط المصري طارق الملا الى بغداد مطلع الاسبوع الحالي، في زيارة وصفها نظيره العراقي جبار اللعيبي بأنها تاريخية، حيث حظي الضيف المصري باستقبال حافل من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري.

هذا التحرك المصري السريع باتجاه العراق بعد توصل السلطات المصرية الى قناعة راسخة بأن المنحة النفطية السعودية التي تقررت اثناء زيارة الملك سلمان للقاهرة في نيسان (ابريل) الماضي، ومقدارها 700 الف برميل شهريا، وتوقفت قبل ثلاثة اشهر، لن تعود مطلقا بسبب تأزم العلاقات بين البلدين لاسباب عديدة، ابرزها تلكؤ الحكومة المصرية في تنفيذ اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، الذي يقضي بإعادة جزيرتي “تيران” و”صنافير” الى السيادة السعودية.

السلطات السعودية وجهت انذارا شديد اللهجة الى نظيرتها المصرية، حمله وفد عسكري رسمي برئاسة المستشار الاول للعاهل السعودي، يطالب مصر بتنفيذ الاتفاق فورا، وفي غضون اربعة اسابيع، والا فإن عليها مواجهة عقوبات قاسية، الامر الذي دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي الى التحرك على جبهتين، الاولى توقيع مجلس الوزراء المصري رسميا على الاتفاق واحالته الى مجلس الشعب، البرلمان، للتصديق عليه في محاولة لكسب الوقت، والثانية البحث عن وساطات خليجية لامتصاص الغضب، وتأجيل، او اطالة مدة تنفيذ الانذار السعودي والتهديدات المرتبطة به.

المحكمة الادارية المصرية العليا من المقرر ان تصدر حكما في مدى شرعية الاتفاقية بشأن الجزيرتين، وهناك من يرجح صدور الحكم ببطلانها، الامر الذي سيخلق ازمة داخلية مصرية، لان السيد علي عبد العال، رئيس البرلمان المصري، قال انه لن يعرض الاتفاقية للنقاش الا بعد صدور قرار المحكمة، وهناك توجه لنواب كتلة “دعم مصر”، الاكبر في المجلس، بعدم التصديق عليها.

وتتردد انباء في القاهرة هذه الايام بأن وزير الدفاع والخارجية رفضا التوقيع على الاتفاقية خوفا من محاكمتها مستقبلا بتهمة التفريط باراض مصرية، وهناك تحرك شعبي يقوده مجموعة من القضاة والمحامين والمسؤولين الحاليين والسابقين، يطالب بعرض الاتفاقية على استفتاء شعبي تطبيقا للمادة 151 من الدستور، التي تقضي بذلك في حالات التنازل عن الارض.

الرئيس السيسي يواجه موقفا صعبا في ظل هذه الضغوط التي يواجهها داخليا وسعوديا بشأن هذه الازمة، وازمات اخرى عديدة، من بينها تعثر تسليم اقساط قرض صندوق النقد الدولي، وقيمتها 12 مليار دولار، بسبب رفض دول خليجية تقديم اي مساعدة مالية لمصر رضوخا لطلبات سعودية.

اتفاقية النفط مع العراق جاءت احد المخارج التي تخفف الضغط على الرئيس المصري الذي كان يخشى من عودة طوابير السيارات امام محطات البنزين على طول مصر وعرضها في اواخر ايام سلفه الرئيس محمد مرسي، وساهمت في تصعيد الغضب المصري الشعبي ضد الآخير، ولكن عدم تسديد دفعات صندوق النقد المقررة سيخلق ازمة لا تقل خطورة.

من الواضح ان الرئيس السيسي استخدم النافذة العراقية لطرق الباب الايراني، ومن المؤكد ان هذا الباب سيفتح على مصراعيه من الطرقة الاولى، فالتقارب بين العراق ومصر، والاخيرة وايران، في الملفات الاقليمية مثل سورية واليمن وليبيا، اكبر بكثير من نظيره بين مصر والسعودية، وكان لافتا ان الرئيس العراقي مصعوم صرح بأن مصر ستكون شريكا رئيسيا في اعادة اعمار الموصل بعد استردادها من تنظيم “داعش”.

تزايد الرفض الشعبي للتنازل عن جزيرتي “تيران” و”صنافير”، وتلكؤ البرلمان في التصديق عليها، ونزول متظاهرين الى الشوارع تعبيرا عن هذا الرفض، ربما يكون مقدمة لمرحلة تصعيد اكبر للتوتر في العلاقات المصرية السعودية في الفترة المقبلة، وربما يكون قرار المحكمة الادارية العليا الذي سيصدر بعد يومين، هو “المفجر” لاحتقان شعبي متصاعد لاسباب عديدة من بينها الجزر، وارتفاع معدلات البطالة، وغلاء المعيشة.

دول الخليج تلتزم الصمت، ويبدو انها قررت الانحياز بالكامل للموقف السعودي، وادارت الظهر للحليف المصري، فالوساطة الاماراتية انهارت.. ونظيرتها الكويتية تبخرت لصالح فتح الاخيرة قنوات حوار مضادة مع ايران، قد تتبلور في حال نجاحها على شكل تهدئة سعودية ايرانية.. وتأكيد السيد سامح شكري، وزير الخارجية المصري، قبل يومين في حديث لوكالة الانباء الالمانية حول دعم مصر للحكومة السورية، وبقاء الرئيس الاسد، رسالة واضحة للسعودية، وربما الطلقة الاولى الرسمية في حرب دبلوماسية بين البلدين، ومن غير المستبعد ان تكون ايران الرابح الاكبر كالعادة.

راي اليوم