النباء اليقين

تدمر .. غباء أوباما أم ذكاء ترامب؟!

لم تستطع الولايات المتحدة الأميركية منع الرئيس الأسد من تنفيذ وعوده بتحرير” المدن الكبرى” في خطوة هامة على طريق تحرير”كل شبر”، والذي يبدأ من تحرير حلب، بعد مراكمة عشرات ومئات الإنتصارات السياسية والعسكرية على مساحة الوطن، ولم تستطع عبر كل الهجمات والغزوات وحرب الكليات أن تحاصر حلب وأن تفك الحصار عن أحياء حلب الشرقية معقل أدواتها وأذرعها الإرهابية، ومعقل مشروعها في تقسيم سورية بالحصة الكبرى وإنتزاع حلب من حضنها الدمشقي الحمداني وتحويلها من عاصمة الثقافة إلى عاصمة المشروع الإخواني–التقسيمي الحتمي– فيما لو نجحت.

 

بالتأكيد قرأت هزيمتها منذ أشهر لكن غياب الحلول البديلة، وجرأة الرئيس الأسد وشجاعته وبسالة الجيش الوطني وحلفائه، وخشيتها من مواجهة الهزيمة المرة جعلتها تذهب في استثمار الملف الحلبي حتى النهاية، لكن سرعة تقدم الجيش وإنهيار دفاعات الجماعات الإرهابية كان أسرع من مراوغتها للجانب الروسي حول خروج المسلحين من حلب وإغلاق ملف الإرهاب فيها، أرادت فعل المستحيل وسط إرتباك كافة مراكز صنع القرار فيها، فبدت الخارجية بزعامة عقلها المفكر كساعة جدارية جامدة، حاولت يائسةً توحيد الفصائل الإرهابية والقفز على موادها اللاحمة من ولاءات وتمويل وتسليح، وشكلت “جيش حلب” الذي إنهار بمجرد الإعلان عن اسم قائده ومقتله، في رد استخباراتي سوري يؤكد جدية الحسم في حلب، فيما كانت وحدات الجيش تتقدم دون توقف وتسقط أمام بواسلها الأحياء واحدا تلو الاّخر وسط صيحات واستغاثات رجال الشيطان الأعظم، لم تسعفها مشاريع القرارت الأممية في مجلس الأمن عبر المشروع المصري – الإسباني- النيوزلندي، إذ فاجئها الفيتو الصيني الخامس والروسي السادس عبر ضربة مزدوجة، كانت كافية لتحديد سعر مندوبتها “سامنثا باور” في سوق النخاسة الإرهابي بـ40 دولار – بحسب بشار الجعفري -، فلجأت مذهولةً إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة عبر 7 دول بالزعامة الكندية للخروج بقرار غير ملزم يخفف عنها وطأة الهزيمة.

واستنجدت بحلفائها لوقف الإنهيار والتحضير للتفاوض حفاظا على ماء وجهها، الأمر الذي تطلب بقاء المسلحين و تمسكهم بمواقعهم بعض الوقت، عبر توارد أفكارٍ وتطابق التصريحات السخيفة! لوزير خارجيتها: “خيار المسلحين الموت في حلب أو في إدلب”, ونظيره التركي:” المسلحون في حلب سيواجهون خطر الموت في مكان آخر إذا غادروها” في وقت ٍ تتابع الحكومة التركية تعزيزها لفصائل “درع الفرات” وضم “أحرار الشام”إليها، وتأمينها التغطية الجوية لتحركهم نحو مدينة الباب بمشاركة القوات التركية الإضافية التي أرسلتها إلى الداخل السوري، بالإضافة إلى دعوات ديمستورا: “لإستئناف المحادثات بلا ضمانات لعدم تكرار مشهد حلب في إدلب”، فيما أكدت السعودية أن الحل سياسي وليس عسكري بعد مسلسل تفاهات وزير خارجيتها الذي لطالما توّعد الأسد بهزيمة عسكرية. وبما يشبه الهلوسات أكد جون كيري أن الحرب لم تنه بعد. وأكدت إدارته التسليح النوعي الجديد”مضادات الطائرات” بعد سنوات من البحث المضني عن” المعارضة – الفانتازيا” – بحسب أوباما.
فقد كان القرار الأميركي معاودة الهجوم على تدمر مفاجئا للجميع بعد مرور 8 أشهر من تحريرها (الأول)، وكَشف غضبها وإنفعالها وحتى إرتباكها، بالإعتماد على عناصر تنظيم داعش، بما يُعد خطأً استراتيجيا يؤكد إفلاس واشنطن وعظمة تحرير حلب، وخطوة بلا فعالية ميدانية أو سياسية، فتحرير حلب مستمر و ربما ساعات قليلة وتُعلن حلب مدينة خالية من الإرهاب. وأن محاولة إشغال الجيش فاشلة، وأن إلهائه في معارك أخرى لن تُثنيه عن التقدم نحو مدينة إدلب، ونحو الشمال الحدودي ومدينتي الباب ومنبج.
فقد حظي تحرير تدمر بتأييد دولي وعالمي، بما يؤكد عظمتها وقيمتها التاريخية والأثرية، وإن إعادة تحريرها مجدداً سيضيف للدولة السورية المزيد من المؤيدين، ولم يكن إختيار واشنطن تنظيم داعش لهذه المهمة موفقا، فالقرارات الأممية تُبيح للجيش السوري والروسي ولكل صادق في محاربة الإرهاب أن يكون شريكا في ذلك، شريطة التعاون مع دمشق، وأن القدرات العسكرية التي أظهرها السوريون والروس في تحريرها الأول يؤكد جهوزيتهم لتحريرها الثاني.
ويبقى السؤال لماذا تدمر؟
للإجابة على ذلك السؤال لا بد لنا من معرفة أن العداء والحروب الساخنة والباردة التي استهدفت فيها الولايات المتحدة الأميركية، جمهورية إيران الإسلامية لسنوات وعقود إنتهت بالحوار المباشر والجلوس على طاولة واحدة، بغض النظر عن توقيع الإتفاق النووي وتداعيات التهديد بالتراجع عنه – إن حصل -، فهذا لا يلغي هزيمة واشنطن ونصر إيران. أعتقد أن واشنطن تؤسس منصة الحوار المباشر مع دمشق في العهد الجديد لسيد البيت الأبيض الجديد، واختارت بوابة تدمر للمناورة وعقد التفاهمات الجديدة مع دمشق وموسكو، بعدما دفن الإنتصار السوري في حلب كل تفاهمات كيري– لافروف حولها، بالإضافة لمحاولتها حصد التأييد الدولي لتضمن حصة ً في إنتصارها “الظاهري” على تنظيم “داعش” الإرهابي، والذي أعلنت حربها وتحالفها الدولي بشأنه، بما ينسجم مع تصريحات ترامب قبل فوزه وبعده، وبما يُمهد لمرحلة جديدة من الحرب على قواعد سياسية أكثر منها عسكرية، بعد إنتهاء المراهنة على فعالية ودور المجاميع الإرهابية، وتحول المواجهات لإطالة زمن الحرب وللمزيد من إستنزاف الدولة السورية.
كان لا بد للإدارة الأميركية من ضبط إيقاع المعارك وتغيير مساراتها قبل أن يتجه الجيش السوري نحو إدلب أو دير الزور والرقة، وقبل فتح جبهة المواجهة المباشرة بين سورية وتركيا، أو حدوث ما لا يحمد عقباه في الجنوب السوري أو اللبناني، فحكومة الكيان الغاصب تقرأ نصر سورية بخوف شديد، ولا نعتقد أنها بوارد البحث عن مواجهة جديدة – حاليا ً – و بأوامر وضرورات أميركية زمنية وظرفية..
وقد تبحث واشنطن عن فرصة جديدة في إبتزاز موسكو عبر دفعها للإنخراط الميداني أكثر فأكثر في الميدان السوري، وإجبارها على خوض مواجهات غير متوقعة مع بعض الأطراف.
فقد استدعى الهجوم على تدمر استقدام حوالي 4000 إرهابي داعشي، لتأكيد رفض واشنطن إطلاق تعاونها مع موسكو- بحسب – بيسكوف -, فمن المعروف أن الدولة الروسية تسعى نحو الحل العسكري والسياسي وفق النظرة السورية – الروسية المشتركة، بما يضمن إيقاف الحرب والخروج بإنتصارهما الجيوسياسي في محيطهما الحيوي الخاص بكل منهما، والذي يشهد تطابقا شبه كلي في منطقة شرق المتوسط.
يبدو أن واشنطن تسعى لذلك من أمد، وقامت بإستقدام آلاف الدواعش من العراق، وعلقت عمليات تحالفها الدولي في الرقة، لتغطية تسربهم نحو الأراضي السورية، مع إدراكها أن السوريين والروس لن يتهاونوا في إعادة تطهيرها وإستعادة السيطرة عليها، وسط تأكيدات موسكو والرئيس بوتين بمواصلة دعم الجيش السوري في محاربة الإرهاب، في وقتٍ يقول فيه إيغور كوروتشينكو أن “نجاح الإرهابيين التكتيكي الحالي يحمل طابعا مؤقتا ً”.
تدرك الدولة السورية أن المرحلة القادمة ستكون مختلفة تماما، وتقرأ التحضيرات الأميركية للمرحلة الجديدة، وتعتقد أنها بصمودها واستمرار تقدمها العسكري تستطيع الحدّ من إندفاع الرئيس دونالد ترامب، وتدفعه للإقتراب أكثر فأكثر نحو تصريحاته “العقلانية” المعلنة حول محاربة الإرهاب والتعاون مع الدولة السورية قبل أن يعتلي القمة، فمن الواضح أنه يقود العربة الأميركية من الخلف منذ مدة، و يبقى أوباما الخاسر الأكبر، “كحمار الأسفار حتى بعد رحيله لفترة طويلة” فالرئيس الجديد لم يخسر من رصيده في حلب وفي تدمر،  وإلا لكان أحجم عن إرتكاب هكذا حماقة، فالإرهاب في تدمر مؤقت ومُدان من كل دول و شعوب العالم… فهل يستغل ترامب الفرصة وتكون تدمر منصة الحوار السوري – الأميركي المباشر مع صدق النوايا، أم إختباراً يُسرع إنهيار الواجهة والهالة الكبرى لولايته بوقت مبكر.

* ميشيل كلاغاصي – اوقات الشام