النباء اليقين

الشركات الخمس التي توجّه الإعلام الغربي

الهدهد / منوعات
الإعلام الروسي لم يستخدم لغة التحريض العارية التي يستخدمها الإعلام الرسمي الغربي تجاه خصومه وأعدائه في البلدان الأخرى. إنما لجأ إلى أسلوب أكثر فعالية في تقديمه رؤية مغايرة للرواية الغربية في قراءة الأحداث الساخنة في سوريا والعراق وأوكرانيا وفي أحداث الدول الغربية نفسها. واستخدم في هذا السبيل الأدوات المهنية التي يستخدمها الإعلام الغربي. لكن الرؤية المغايرة بكل تفاصيلها وقعت كالشهب على تناقضات إعلام يعج بالتضليل المقصود في خدمة انحياز مالكيه وسياساتهم الخاصة. فالتضليل قليل الكلفة كبير المردود السريع كما يقول “بيتر لويس” أستاذ التواصل في جامعة لندن، لكنه لا يصمد طويلاً أمام عود ثقاب.
توصية البرلمان الأوروبي بمعاقبة الإعلام الروسي، قد لا تعود أسبابها إلى مهارة موسكو في التغلّب على إعلامٍ إمبراطوري عريق في عقر داره. بل ربما تدلّ أكثر على استفحال أزمة عدم ثقة الغربيين في إعلامهم الذي تمجّده الدوائر الرسمية بصفته تعبيراً عن الحقيقة الكاملة والديمقراطية. ولا ريب أن اضطرار البرلمان الأوروبي إلى إدراج موضوع إعلام ما على طاولة العقوبات هو إشارة بارزة إلى أن وسائل المراقبة والضغط الأخرى التي تلجأ إليها سلطات الحكم بشكل روتيني، قد تجاوزتها صدقية الإعلام الروسي استقطاباً وتأثيراً في المجتمعات الغربية. وهو أيضاً إشارة واضحة إلى أن هذان الاستقطاب والتأثير يؤديان إلى وقوع حدثٍ جلل وخطير تهون معه التضحية بسرديات حرية التعبير واحترام الرأي الآخر، وما إلى ذلك من مباهاة توحي بالتسامح وسعة الصدر عن طيب خاطر.
الإعلام الروسي لم يستخدم لغة التحريض العارية التي يستخدمها الإعلام الرسمي الغربي تجاه خصومه وأعدائه في البلدان الأخرى. إنما لجأ إلى أسلوب أكثر فعالية في تقديمه رؤية مغايرة للرواية الغربية في قراءة الأحداث الساخنة في سوريا والعراق وأوكرانيا وفي أحداث الدول الغربية نفسها. واستخدم في هذا السبيل الأدوات المهنية  التي يستخدمها الإعلام الغربي. لكن الرؤية المغايرة بكل تفاصيلها وقعت كالشهب على تناقضات إعلام يعج بالتضليل المقصود في خدمة انحياز مالكيه وسياساتهم الخاصة. فالتضليل قليل الكلفة كبير المردود السريع كما يقول “بيتر لويس” أستاذ التواصل في جامعة لندن، لكنه لا يصمد طويلاً أمام عود ثقاب. عشرات المؤلفات والدراسات المرموقة في أوروبا والولايات المتحدة، تكشف أسباب وتداعيات هذا التضليل الإعلامي، ولعل أشهرها كتاب نعوم شومسكي وإداورد هيرمان بعنوان “التلاعب بالعقول”. لكن النقمة أوسع من نقد المختصين التي تجلّت بظاهرة “الإعلام البديل”. والانطباع العام في قاعدة الهرم الاجتماعي في الدول الغربية هو ما يقوله “لوران مودي” المدير السابق لصحيفة “لبيراسيون” الفرنسية والمساعد السابق لمدير صحيفة “لوموند”، في خلاصته بأن الإعلام الغربي بات مكتوم الأنف واللسان كما لم يسبق له ذلك منذ الحرب العالمية الثانية. الإدعاء بالاختلاف والتعدد والتنافس وغيره، يكذّبه استحواذ خمسة فاعلين أساسيين يحتكرون معظم الإعلام ويتلاعبون بمجموع هيئات التواصل ومفاصلها هم :1 ــ جنرال ألكتريك مالك مجموعة أن بي سي.
2 ــ مجموعة تايم وارنر.3 ــ موردوخ صاحب مجموعة فوكس نيوز.4 ــ أمبراطورية تورنير ومجموعة سي أن أن.5 ــ مجموعة كولومبيا براود كاستينج سيستم.

وعلى إيقاع الفاعلين الخمسة يتحرّك مجمل الإعلام الرسمي الفرنسي على سبيل المثال، الذي يملكه ثمانية من أصحاب المليارات والأعمال. وهم بحسب “أوبسرفاتوار الميديا” في فرنسا يتلقون توجيهات من مطبخ هيئات مختصة في الحلف الأطلسي “بناك” التي تصنع فلسفة الإعلام المنحاز وتضخها في الولايات المتحدة وأوروبا. فمندوبو الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا في هذه الهيئات يتبادلون الخبرة في تقديم مفاصل الأحداث في سوريا والعراق وأوكرانيا وغيرها.

وقد لا يكون جميع العاملين في هذه المؤسسات الإعلامية على دراية كاملة بخفايا الإدارات العليا. وفي معظم الأحيان لا تفاجئهم أحادية الخبر والقراءة المجتزأة التي تسقط دفعة واحدة على جميع المؤسسات، بل ربما تعزّز شعورهم بالحقيقة المعممة. لكن أغلبهم يلتزم بالرقابة الذاتية. وفي بعض الأحيان لا تفصح لهم الإدارة عن سبب رفض مقالاتهم أوتحقيقاتهم المصورة على الرغم من عدم تجاوزها السياسية التحريرية المتفق عليها. فالصحافي “هيرفي كومف” تعرّض للطرد من صحيفة “لوموند” بسبب كشفه عن انحياز الإدارة المفضوح لاحتلال العراق. والصحافي البلجيكي “ميشال كولون” تعرّض للطرد أيضاً بسبب فلسطين.
أما الصحافي الأميركي “أمبير ليون” فلم يعرف حتى اليوم عن سبب تدخل مدير محطة سي أن أن “توني مادوكس” لوقف تحقيقه المصوّر عن البحرين. الأستاذ المختص بوسائل الاتصال والإعلام “هارولد لاسويل” يقول إن أصحاب النفوذ والسلطة يلجأون إلى تطويع الناس بالتضليل الإعلامي، عوضاً عن اضطرارهم التطويع بالعنف. لكن إذ يكشف الإعلام الروسي هذا التضليل، الأحرى اللجوء إلى العقوبات والعنف أملاً بتطويعه.