النباء اليقين

الطفل عمران اليمني

غسان جواد

جميعنا تعاطفنا مع صورة الطفل السوري “عمران”. صورته التي احتلت الشاشات مصدومًا خائفًا صامتًا، وقعت في أنفسنا موقعًا مؤلمًا. لا وقت أمام هذه الصور للبحث عن “حقيقة” ما جرى. الحقيقة الوحيدة الماثلة أمامنا، أنّ طفلًا يشبه اولادنا واخوتنا واولاد اخوتنا واصدقائنا يجلس في إسعاف، وقد غطاه الغبار والدم. وهذه صورة تكفي حتى نكون دون تفكير الى جانب هذا الطفل، متعاطفين مع حالته ومظلوميته.

لكن مهلًا.. هل يتجزأ الألم؟ وهل العواطف التي تحرك الانسان مركزة في مكانٍ واحد هو سوريا؟ أم أنّ الألم الانساني واحدٌ حيثما وجد؟

ماذا عن الطفل “عمران اليمني”؟ وهو اسمٌ نستعيره من مأساة الطفل السوري، لكي نسقطه على أطفال اليمن، الذين يقتلون يوميًا بقذائف الموت السعودي. أليسوا أطفالًا؟ ألا تشاهدون صورهم؟ ألا تتابعون موتهم اليومي؟ أم أنكم تضبطون مشاعركم على توقيت “الجزيرة” وشقيقتها في التحريف والتزوير “العربية”؟

هل يعلم الباكون والباكيات، النائحون والنائحات على أطفال سوريا، أنّ في اليمن أطفالًا لا يجدون حتى من يخرجهم من تحت الركام؟ وأنّ غالبيتهم يموتون حرقًا بصواريخ وقذائف النابالم؟ وأنّ بعضهم لا يظل منه أثر حتى ينقذوه أو يدفنوه؟

هل تعلم المذيعة الاجنبية التي بكت وهي تذيع خبر الطفل السوري “عمران”، أنّ بلادها والعالم الذي تعيش فيه يسكت منذ أكثر من سنة ونصف عن أبشع حرب وأكبر مجزرة في التاريخ الحديث؟

هل تعلم الصحف الغربية التي اشتراها المال الخليجي، ودمرها ومسح قيمها، أنّ ثمة حربًا بلا رادع ولا معايير ولا قيم ولا أخلاق تشنها مملكة الصمت والخوف والذهب؟ ضد من؟ ضد شعب كل ذنبه انه اراد امتلاك بلاده وبناء دولته واستعادة ذاته. هذه الصحف التي نشرت تقارير عن “مآسي” الاطفال في سوريا، اين هي من طفولة اليمن؟ وعذابات اليمن؟ وقصف المستشفيات وحضانات الاطفال في اليمن؟

كنا معجبين ببعض القيم الغربية، بقيم الحرية والعدالة والمساواة. الى أن افسد مال النفط كل شيء. افسد الرؤساء والحكام والدول، فأصبحت مثلًا كبريات الصحف ووسائل الاعلام الغربية والعالمية ملكًا لأمراء ومشايخ ورجال أعمال تافهين غير مثقفين ولا مسيسين سوى بالصمت والاحقاد. واصبحت بذلك اشبه بالصحف السعودية الحكومية المتخلفة.

حتى كرة القدم افسدوها وأدخلوا اليها مفهوم الرشوة والبيع والشراء.

أما ما يسمى “النخب”، فقد انتقلوا من المقهى الى صفحات التويتر والفايس بوك. وراحوا يغدقون بالعواطف غب الطلب. بلاد نخبتها كهذه النخب، لا شك انها في الحضيض من سوءة الى سوءة الى حضيض.

الحصار الاعلامي والسياسي والاخلاقي المفروض على اليمن وشعبه، هو اسوأ جريمة واخطر عسف يصيب شعبًا على وجه الارض. شعبٌ يموت بكامل عنفوانه وكرامته، والعالم يرسل المزيد من الدعم والقذائف للقاتل المأجور. ويصمت طويلًا منتظرًا إنجاز الجريمة.