النباء اليقين

ماذا لو ارتبط الخطاب التفاوضي اليمني بسورية؟

ناصر قنديل

– ليس خافياً حجم الترابط الإقليمي والدولي بين الحربين في سورية واليمن، طالما أنّ القوى ذاتها تقريباً تتخندق وراء جبهتي القتال هنا وهناك، ولا حجم الترابط في التسويات في الساحتين، طالما أنّ موازين القوى التي ترسمها الحروب ستنتج سلة توازنات تحدّد الأحجام والأدوار للدول الفاعلة في المحيطين المؤثرين في الأزمتين، وخصوصاً مكانة كلّ من إيران والسعودية، لكن ما نقصده هنا هو شيء آخر يخصّ الخطاب التفاوضي للقوى الوطنية اليمنية، التي تتعرّض لحملة لئيمة وظالمة، تبخسها حقوق الحدّ الأدنى من المواطنة، ومن حق شعبها في تقرير مصيره، وترفع بوجهها شعارات انتقائية واستنسابية، من نوع دعم الشرعية، ونزع سلاح الميليشيات، والقرارات الأممية، والمشاركة في السلطة ليست جوائز للانقلابيين، وسواها من المعادلات التي تروّج لها السعودية من جهة، ويعزف على وترها الفريق اليمني المرتبط بها، وتلقى قبولاً على مستويات دولية وإقليمية لتتحوّل ضغوطاً يتعرّض لها المفاوض اليمني، حتى يصير خطابه الداعي لتسوية سياسية نوعاً من الطلب المستغرب في قلب هذه المعمعة.

– السؤال الذي تطرحه المفاوضات اليمنية وسياق إنتاج الخطاب التفاوضي لا صلة له بتحليل الحرب والتسوية وإمكانياتهما، ولا بالوقوف أمام لوحة القوى المصطفة على ضفاف مواجهات تسود المنطقة من مشرقها إلى مغربها ومن شمالها إلى جنوبها. فهو سؤال حول الخطاب وآليات إنتاجه في قلب معادلة دولية إقليمية تحيط بالتفاوض وترعاه، وتتولى في الوقت نفسه الإحاطة بالتفاوض حول التسوية في سورية وترعى صناعة التسوية فيها كما في اليمن، ويستطيع أيّ مراقب أن يلحظ ازدواجية المعايير والانتقائية والاستنسابية في مقاربة الملفين السوري واليمني من القوى والمؤسسات والمرجعيات ذاتها، كما يستطيع ان يكتشف أنّ ردّ المفاوض اليمني إلى خطاب تفاوضي ينعزل بالمفردات اليمنية يشكل شرطاً لإضعافه ونقله إلى موقع الدفاع السلبي التفاوضي، بحرمانه من فرصة استخدام مرجعيات التفاوض الخاصة بسورية، أداة قوة ووسيلة إثبات، ومقياساً للنزاهة.

– المقترح هنا هو أن يخرج المفاوض اليمني من رومانسية الخشية من اتهامه بالتورّط في لعبة أو تحالفات إقليمية يربط مصير اليمن بها، فيبتعد تحت خشية هذا الاتهام وبقوة هذا الابتزاز للتموضع وراء خصوصية مرجعيات يمنية صرفة، إثباتاً لوطنيته، لكنها تحقيق ضمني لعزله في هذه الخصوصية التي يريدها رعاة التفاوض الإقليميون والدوليون، والمطلوب ليس ربطاً سياسياً ولا مصيرياً، بل الربط المعياري، الذي يأخذ حال المعارضة السورية المتبناة من القوى ذاتها التي تقاتل في اليمن ضدّ القوى الوطنية تحت شعار دعم الشرعية، والتي تشترط للتسوية صيغة تتضمّن رحيل الرئيس السوري، بينما تشترط في اليمن تسليم القوى الوطنية ببقائه وجعله خارج النقاش، وترى في سورية أنّ حكومة موحّدة تقع دون الحدّ الأدنى للمطلوب بينما تستكثر على القوى الوطنية اليمنية مثل هذه الحكومة، وتدعو القوى الوطنية اليمنية لإلقاء السلاح أولاً ثم التحدث في السياسة، بينما ترسل المزيد من السلاح للقوى التي تدعمها في سورية، وترفض البحث في سحب سلاحها.

– المقصود هنا بآليات إنتاج الخطاب التفاوضي هو الانطلاق من مقاربة تقول إنّ المجتمعين الدولي والإقليمي منشغلان بحربين كبيرتين في المنطقة، هما حرب سورية وحرب اليمن، وأنّ القرارات الأممية الخاصة بالتفاوض نحو حلّ سياسي فيهما يشكل عنوان الجهد الأممي لأشهر مضت ولا يزال، وأنّ عناصر الاقتراب والافتراق بين عناوين وشعارات التفاوض في الحالين تشكل معياراً أخلاقياً للمجتمعين الدولي والإقليمي، في تقديم مرجعيات قانونية وسياسية وأخلاقية في أزمات عميقة وخطيرة كالتي تمثلها الحربان في سورية واليمن، وأيّ مقارنة بين المعارضة السورية والقوى الوطنية اليمنية ستجعل كفة القوى الوطنية راجحة بقوة لنيل أضعاف ما يطرح على المعارضة السورية، أو يُطلب لها، فالقوى الوطنية اليمنية باعتراف أعدائها هي القوة الفعلية التي تقاتل الإرهاب في اليمن بينما يقول أصدقاء المعارضة السورية وأصدقاء أصدقائها إنّ مشكلتها الكبرى في الخلط البنيوي القائم بين تشكيلاتها والتنظيمات الإرهابية، والقوى الوطنية اليمنية منذ بدء الحرب السعودية، لا صلة ممكنة لها بالخارج، سواء عبر البر أو البحر أو الجو، وبالتالي لا يمكن إلصاق صفة الاعتماد على الدعم الخارجي بها، مقابل معارضة سورية تتموضع قياداتها وغرف عملياتها في عاصمتي بلدين مجاورين لسورية مع حدود مفتوحة لها منهما، هما تركيا والأردن، وفي سورية واليمن يتمّ الحديث عن قوى مناوئة لرئيس الدولة ومناصريه، لكن في اليمن تمكّنت هذه القوى من إجبار الرئيس على الرحيل لفقدان أيّ فرصة للقتال بقوى ذاتية يمنية، بينما فشلت القوى الموازية في سورية بالسيطرة على أيّ من المدن الكبرى رغم كلّ ما تمتعت به من دعم من الخارج والتباس علاقتها بالتنظيمات الإرهابية. والحديث هنا قبل التدخل الروسي في سورية والحرب السعودية على اليمن، ما يكفي لتقدير حجم موازين القوى الشعبية في البلدين لكلّ من معسكري الرئيس ومناوئيه. فالسؤال لو تمكنت المعارضة السورية رغم كل ّالتباسات علاقتها بالإرهاب وكلّ الدعم الذي تلقاه، من السيطرة على الجغرافيا السورية، هل كان هناك مَن سيخرج ليطالبها بقرار أممي أن تنسحب وتسلّم السلاح وتعلن القبول بالعودة إلى كنف «الشرعية»؟

– إنّ قبول القوى الوطنية اليمنية بمعاملة موازية للمعارضة السورية في مقاييس المشاريع الدولية للتسويات، وخصوصاً ما يقدّمه المبعوثون الأمميون، هو بذاته تنازل من القوى الوطنية اليمنية عن حقوق تفوّق أخلاقي وسياسي لا يمكن الجدال بأحقيتها وثباتها، يجب أن يكون موضع تقدير من المرجعيات الدولية المعنية برعاية التسويات في سورية واليمن، ورسم إطار قانوني موحّد لها، بالإجابة عن أسئلة من نوع، الأولوية هي لخضوع المعارضة المسلحة للشرعية وليست الأولوية للتسوية السياسية، هل يقبل المعنيون بأزمتي اليمن وسورية تطبيق هذا المبدأ في البلدين؟ إذا كانت الأولوية هي لتسوية تتيح توحيد الجهود للحرب على الإرهاب والاعتراف بأنّ هناك أزمة لا تحلّها لا شعارات نعم للشرعية أو لا لرأس لنظام، وأنّ الخروج من الأزمة يستدعي تسوية تترجمها حكومة موحدة ترعى التشارك في الحرب على الإرهاب، وتضع دستوراً جديداً للبلاد تمهيداً لانتخابات يقول الشعب فيها كلمته في صناديق الاقتراع حول مَن يتولى قيادة دولته. فالقبول بهذا السقف هو تنازل من الدولة السورية وتنازل موازٍ من القوى الوطنية اليمنية أن ترتضيه، بقوة ما يستطيع الرئيس السوري قوله من أنّ سيطرته العسكرية على أغلب سورية رغم كلّ الالتباسات المتصلة بوضع المعارضة وتداخلها مع الإرهاب ووقوف جيوش وأجهزة مخابرات وحدود مفتوحة وراءها، وبالمقابل إعادة انتخابه دستورياً أسباب كافية لاعتبار القبول بهذه التسوية تنازلاً. بينما تستطيع القوى الوطنية اليمنية أن تقول إنّ رضاها بهذا الحلّ تنازل لأنها أثبتت شعبيتها وقدرتها بمنازلة يمنية يمنية كسبتها، وأنّ عودة «الشرعية» إلى جزء من اليمن لم تتمّ إلا بقوة حرب خارجية كبرى، وأنّ هذه الشرعية صورية فاقدة دستوريتها بعدما انتهت ولاية الرئيس وطالبه مجلس الأمن بانتخابات فورية.

– يستطيع المفاوض اليمني القول إذا كان المجتمع الدولي يعتبر أنّ الحدّ الأدنى الممكن مطالبة المعارضة السورية ومسانديها قبوله، هو حكومة موحدة ترعى التشارك في الحرب على الإرهاب وتمهّد لدستور جديد وانتخابات، دون ذكر لمصير السلاح والانسحابات وتركها كمهام للحكومة الموحّدة، فلا يمكن القبول باعتبار ذلك أعلى ما يمكن للقوى الوطنية اليمنية التطلّع نحوه، وإذا كانت الرئاسة في سورية شأناً يخصّ السوريين، فلا يُعقل أن تكون الرئاسة في اليمن شأناً دولياً لا يحقّ لليمنيين الاقتراب منه، وإذا كان للمعارضة السورية الحق بالمطالبة بهيئة حكم انتقالي، رغم كلّ الفوارق بين وضعها الملتبس ووضع القوى الوطنية اليمنية النقي، فإن قبول هذا الطلب يجعل مثله مشروعاً لليمنيين.

– القوى الوطنية اليمنية في موقع تفوق أخلاقي بوجه مجتمع دولي ظالم ولئيم، ووضع هذا المجتمع أمام المرآة السورية سيمنح المفاوض اليمني أوراق قوة، بالقول لا نطلب إلا بالحصول على ما يقبله المجتمع الدولي للمعارضة السورية، وندعو مجلس الأمن لوضع معايير موحّدة للتسويتين اليمنية والسورية تشكل مدوّنة سلوك ملزمة للمبعوثين الأمميين وللرعاة الإقليميين للحروب والحلول.

نقلا عن جريدة البناء