النباء اليقين

المرأة في شعر جحاف عواطف مستقيمة ومشاعر صادقة

بقلم /  عبد السلام عباس الوجيه

امرأة بلا حجاب مدينة بلا أسوار عنوان مجموعة شعرية كنا قد أعددناها للطبع كأول ديوان للأستاذ علي عبد الرحمن جحاف بعد أن جمعنا ما تيسر من إنتاجه الشعري وكنا قد اتفقنا مع الأخ عبد القدوس المتوكل حفظه الله على طباعة دوواين الشاعر وأرسلنا إليه هذه المجموعة ومجموعة أخرى هي (كاذي شباط) فطبع كاذي شباط ولم يطبع بقية المجموعات وقد عثرت على محاولة تقديم كتبتها للمجموعة الأولى بين أوراقي المتناثرة وهذا نصها كماهي وكما كتبت في تلك الأيام مقدمة ديوان امرأة بلا حجاب الشاعر علي عبدالرحمن جحاف أحد أبرز شعراء اليمن الملتزمين الذين لم يخرجوا بالأدب خارج إطار الثوابت والضوابط الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية ،ولم ينساقوا وراء التيارات التي جردت الأدب عن الأخلاق وعطلت وظيفته الأساسية ورسالته السامية، وغايته النبيلة المتمثلة في السمو بالأرواح والأذواق .

فهو شاعر تجد في معظم شعره الأصالة والصدق وعمق التجربة، ونقاء الفكر وصفاء العاطفة وحرارة الانفعال ورقة الإحساس، وشفافية التصور والخيال، وجودة التعبير وجمال الصور الموحية وظلالها الوارفة وتوافق الألفاظ مع دلالتها المعنوية وجوها الشعوري.

جمال شعره واضح في الفكرة والمضمون والصورة الفنية الأخاذة والمعنى المشرق الوضاء الذي يشغل القلوب ويؤثر في النفوس، فهو شعر باعث للمتعة والمنفعة محرك للواجدان .

مضمونه الفكري مستوحى من قيم الإسلام العريقة ومعبر عن المعاني الخيرة في الإنسان،لأنه أصلاً نابع من وجدان سليم وذات مؤمنة وضمير حي وخيال بناء وعواطف مستقيمة وتصور صحيح استوعب دوره في الحياة المتجددة ونفس حرة لاتزيف الحقائق ولاتحابي الضلال ولاتزين النفاق هذا هو الغالب على شعره ونادرا ماتجد بينه مايشّذ عن هذه القاعدة اللهم إلا بعض أبيات الأدب المكشوف التي قالها أيام عنفوان الشباب حسب تعبيره والتي يشطح بها قلمه بين الحين والآخرقاصدا مفاكهة الإخوان والترفيه عنهم لاأكثر!!!

وهي في سياقها النصي في منتهى الطرافة والامتاع. شاعرنا الكبير علي عبد الرحمن جحاف اختار لنفسه الصدق والوضوح وبقي متوافقاً ومنسجماً مع روحية وفكر الجماهير التي يخاطبها ومع أهدافها، وهو اختيار صعب في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل، في زمن تحول فيه الأدب إلى نشرات ناطقة وشعارات طنانة تكتب حسب الطلب وأصبحت الريادة فيه من نصيب حملة المباخر الذين يجيدون الرقص على الحبال ويحسنون العزف على أوتار السلاطين اختيار صعب في زمن لم يعد فيه للإبداع في مجال الأدب والفن أهمية تذكر، بعد أن توارت القيم الفنية الإبداعية الأصيلة، وفقدت الأفكار حيوتيها وجاذبيتها، ولعبت الانتماءات وصفقات ماوراء الكواليس دورها في تسليط الأضواء على بعض السخافات كأعمال عظيمة !!

اختار لنفسه الصدق فلم يحاول اللحاق بركب المنفعة،والوقوف في صف المتاجرين بالأدب والشعر واختار لنفسه الوضوح فلم يحاول الاحتماء بغابات الإبهام والغموض السوداء للافلات من جحيم الحصار، كما فعل البعض ممن أغرقوا في الرمزية فتقوقعوا في عالم خاص بهم، وفقدوا الصلة التي تربط بينهم وبين الآخرين ،لأنهم اختفوا خلف حلكة العبارة كالأشباح فلاهم الذين احتفظوا بنقائهم الفكري كهدف لجأوا إلى الرمز من أجله،ولاهم الذين استطاعوا تحريك العواطف واتخاذ المواقف بالإبهام والغموض، بل أفلت الزمام من أيديهم ولم يعد لهم التأثير المأمول في حركة الحياة أستاذنا الأديب الشاعر الكبير شاعر مبدع يتجلى إبداعه في روائع القصائد الحمينية التي كتبها، وأصبحت منتشرة تتغنى بها الشفاة ويطرب لها الأمي والمثقف في اليمن .

كما يتجلى إبداعه في روائع شعره الفصيح الذي عبر به عن ضمير الأمة .وهو أحد الشعراء اليمنيين القلائل الذين أجادوا القصيدة الشعرية الحديثة وامتلكوا زمام مايصطلح على تسميته بالشعر الحر، أقول أحد القلائل لأن الكثير ممن كتب ويكتب هذا النوع من الشعر -وبينهم للأسف بعض الأسماء اللامعة – نرى في إنتاجهم مايستعصى على الفهم ويأباه الذوق ويرفضه العقل .

وكثيرا ماتطالعنا الصحف بقصائد ليست بالشعر المنظوم ولابالنثر المعبرمجرد كلمات مرصوفة أشبه بهذرمة المخبول أو هذيان المريض، ركيكة البناء …هزيلة الأسلوب، تفتقر إلى أدنى خصائص وميزات ومقومات الشعر، وتخلو من الجمال خلوها من الأوزان والقوافي، كما تفتقد القدرة على التأثير بنفس درجة افتقادها للغة الشعر وموسيقاه، تجردت من الخصائص الفنية وتحررت من القيود الشكلية، وليت الأمر وقف عند هذا الحد بل تمادت تحت شعار التطور والتحديث في خدمة دعوات مشبوهة وتيارات هدفها تثبيت المفاهيم الغربية وجرجرة الأمة إلى المزيد من الضياع والتمزق .

وللأسف الشديد لم يهتم شاعرنا بجمع شعره إلا منذ وقت قريب تحت إلحاح الأصدقاء والمعجبين فتواضعه الشديد يجعله في حيرة من سر إعجاب الناس بشعره فهو كما يصرح في إحدى رسائله يعود إلى شعره فلا يجد فيه شيئاً مما يقولون عنه !!!

ولهذا فمعاول الإهمال والسنين بددت منه الكثير الكثير وماتجمع منه حتى الآن لايمثل العشر وهذه النسبة القليلة الموجودة من شعره ستصدر في خمس مجموعات، هذه أولاها والثانية من هذه المجموعات، هي من روائع شعره الحميني ستصدر تحت عنوان(كاذي شباط)وهو اسم أحدى قصائده وهنالك ثلاث مجموعات أخرى في طريقها إلى النشر والأمل كبيرفي مبادرة كل من يحتفظ للشاعر بشيء من انتاجه إلى موافاته به، وهذا نداء أسطره إلى كل أصدقائه ومعارفه ومن يحتفظ بشيء من أشعاره التي مازال أغلبها ضائعا كما ذكرت أما عن هذه المجموعة الأولى (امرأة بلا حجاب مدينة بلا أسوار)فعنوانها يكشف عن مضمونها وهي من شعره الفصيح تجمع بينها وحدة الموضوع، عن المرأة ومنها وإليها، ستجد فيها عزيزي القارئ الكريم الصورة الواضحة للشاعر فهو كما ستقرأ في قصائد المجموعة لايخدع المرأة، ولايسمم أفكارها، ولايلهب عواطفها ولايحرضها على التمرد بل يسمو بها ويرفعهاويضعها في مقامها الرسالي الأمثل بعيدا عن الإثارة والإغراء والتضليل، يقدم لها الحب في إطاره الحقيقي وليس في إطار زائف.