النباء اليقين

بقلم/عبدالمنان السنبلي”بين عاصفتي الصحراء و الحزم جيلٌ عربيٌ من الهزيمةِ و الإنبطاح”

لم يكن المواطن العربي يعلم ما يُحاك له و لأمته في دهاليز و أروقة المخابرات الغربية قبل تاريخ الثاني من أغسطس 1990 حتى دخلت القوات العراقية الكويت في ذلك التاريخ، و لم يكن أيضاً يتصور أن جزءاً كبيراً من حكامة كانوا ضليعين في المؤامرة على الأمة و أدواتٍ في نفس الوقت من أدوات القوى الإستعمارية المتربصة…

 

لم يكن العرب أقرب إلى بعضهم البعض و أكثر إلتزاماً بالمبادئ و القيم العربية كما كانوا قبل ذلك التاريخ، و فجأة حلّت الكارثة و جاءت عاصفة الصحراء، لم تأتِ في واقع الأمر من تلقاء نفسها، بل إستُدعت إلى المنطقة، و كنا نظنها لم تُستدعى و تأتِ إلا لإخراج العراق من الكويت فقط و من ثم ترحل، و لم نكن نعلم أن لها مآربٌ أخرى أهم بكثير من مسألة إخراج العراق من الكويت أو حماية هذا القُطر أو ذاك إلا بعد أن رأينا ما خلّفته من كوارث و تصدّعات و إنقسامات بحق الأمة إبتدأت منذ ذلك التاريخ مروراً بالجفوة العربية العربية و إتفاقية أوسلو و التطبيع و الإعتراف التدريجي بإسرائيل و غزو العراق و العدوان على غزة و لبنان و أحداث ما سُمّي زوراً بالربيع العربي وصولاً إلى تدمير سوريا و ليبيا و مجئ العاصفة الثانية (عاصفة الحزم) و العدوان على اليمن ..

 

يا الله !! يا الله !! خمسٌ و عشرون عاماً بين العاصفتين أحدثت كل هذه الكوارث و النكبات بحق الأمة !! لقد كانت هذه المدة كافيةً لتدمير كل القيَم العروبية و قطع كل عُرى المحبة و الإيثار، لقد كانت في الواقع كافيةً لخلق جيلٍ لا يؤمن إلا بالهزيمة و تقديس الذات، جيلٍ لم يعد يرى في وحدة الأمة هدفاً قومياً أصيلاً يجب العمل على تحقيقه و إنما على العكس من ذلك، فقد تكّون جيلٌ يسعى جاهداً إلى تعزيز الإنقسامات و مباعدة المسافات، فصرنا نسمع اليوم الكثير من الدعوات المطالبة بتقسيم المقسّم و تجزئة المجزّأ في أكثر من مكانٍ و مناسبة !!

 

المفارقة العجيبة هي لو عدنا إلى العاصفتين و درسنا الظاهرة بعمق، لوجدنا أن الأدوات هي ذاتها في كلتا العاصفتين و أن الأهداف من وراهما لا تكاد تنفصم عُراها، أهدافٌ ظاهرها فيها الرحمة و باطنها الكوارث بحق الأمة و العذاب، فكلاهما قد جاءتا بدعوى التحرير ؛ تحرير الكويت ومن بعد العراق و تحرير اليمن و كلاهما أيضاً من قامتا بتدمير العراق و اليمن و نهب ثروات الكويت و الخليج و إقامة القواعد العسكرية على أراضيهم و كلاهما كذلك من عززتا الإنقسامات و الشروخ المجتمعية و الآيدولوجية ليس على مستوى الأمة فحسب و إنما على مستوى المجتمعات داخل الأقطار نفسها و التي قد يحتاج منا إلى عقودٍ لإعادة لملمة ما بعثرته و أخذته العواصف…

 

إلا أنه وبرغم ذلك كله و أمام ما تشكل من جيلٍ عربيٍ هزيلٍ و مهزوم نفسياً و قيميَاً فقد بدأت تلوح مؤشراتٌ عن بروز جيلٍ آخر بدأت ملامحه في التشكّل و النشوء ينبئ بحراكٍ عربيٍ مقاوم تجسّد في صمود و عظمة الشعب اليمني العظيم و الذي إستطاع بمفرده أن يُعثِّر حوافر عاصفة الحزم و يوقعها صريعةً دون أن تحقق أو تصل إلى ما وصلت إليه العاصفة الأولى – عاصفة الصحراء منهياً بذلك إسطورة العواصف و الأعاصير الشيطانية و معلناً للعالم أجمع أن ما بعد العاصفة الثانية لن يكون كما بعد العاصفة الأولى…