النباء اليقين

قراءة في محاضرات الشهيد القائد .. وسائل الصراع مع العدو وطرق المواجهة (1-2)

مقدمة

كان الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) منذ باكورة انطلاقته الثقافية يحاول ترسيخ الوعي بطبيعة الصراع مع أعداء الأمة وفي المقدمة أمريكا وإسرائيل ولم يكن ما يطرحه مجرد تحليلات سياسية أو وجهات نظر خاصة بل كانت تحليلات نابعة من رؤية وتشخيص قرآني لطبيعة العدو ونفسيته وعداوته الشديدة للعرب والمسلمين مع ما يتمتع به من مكر ودهاء شديد ونفسية مليئة بالخبث وحب الفساد وقدرة عالية على لبس الحق بالباطل وبراعة رهيبة في نشر الضلال ومسخ النفوس وحب الهيمنة والسيطرة..

كان الشهيد القائد يدرك جيداً أن الهيمنة الأمريكية في ظل الوضعية العربية الراهنة ستزداد عتواً وجبروتاً مع تنويع الوسائل والأشكال والأساليب في استهداف الأمة وإن المساعي الاستعمارية الأمريكية لن تتوقف عند السيطرة على موقعنا الحيوي ونهب ثرواتنا بل ستمتد إلى ما هو أخطر من ذلك إلى ضرب نفسياتنا و تقويض هوينها وقيمنا ومبادئنا .

كان الشهيد القائد يرى أن أمريكا واليهود بالذات يدركون الأهمية الاستراتيجية للموقع الحيوي الذي تتمتع به منطقتنا العربية والإسلامية وأن من يهيمن عليها سيهيمن على العالم، وبالفعل فقد حولت أمريكا المنطقة إلى قاعدة عسكرية لها تتحكم من خلالها على كل مفاصل السياسات الدولية ورأت في الأنظمة العربية الخائنة خير معين على ذلك وتحولت إلى جنود مجندة في خدمة أمريكا وضد أبناء أمتهم وضد شعوبهم،

فلم يعد أمام أمريكا سوى تقويض هوية الأمة وسلخ الشعوب العربية والإسلامية من روح الإسلام وقيمه العظيمة والقضاء على إرادة الأحرار الذي يشكل خط الدفاع الصلب الأخير في وجه الهيمنة الأمريكية ليسهل تحويلنا إلى مسوخ بشرية سهلة الانقياد طيعة تتقبل ما يريده لها أعدائها وهو فعلاً ما أصبحنا نلمسه ونراه اليوم في مساعي تطويع الأمة لليهود وللكيان الصهيوني من خلال عناوين التطبيع والتعاون التجاري وترويض الشعوب على تقبل الهيمنة الصهيونية مقابل تناسى قضاياها وفي المقدمة قضية فلسطين فلم يعد العدو هو الكيان الصهيوني فقد أصبح هناك عدو وهمي ركزه لها الامريكيون يتمثل في الشعب الإيراني المسلم..

أما الشعوب التي ترفض فليس أمامها سوى القذف بها في أتون الحروب والأزمات التي تحبكها الأنامل الأمريكية والصهيونية كما يحدث في اليمن وفي سوريا والعراق ولبنان..

في هذا التقرير سنقف مع الشهيد القائد وهو يوضح لنا قبل سنوات أساليب الخداع الأمريكي وعناصر قوة الأمة في مواجهة الهيمنة الأمريكية:

وسائل الأعداء وأساليبهم في استهداف الأمة

يقدمون أنفسهم عبارة عن محررين
في محاضرة [ٍ الدرس الثامن عشر من دروس رمضان] يطرح السيد حسين التلاعب الأمريكي بالأنظمة العربية وكيف يحركونها عكس التيار ثم ينقلبون عليها ويقدمون أنفسهم كمخلصين ومحررين يقول: ((الأمريكيون يقدمون أنفسهم عبارة عن محررين وأنهم يزيحون الظلم ويزيحون الطغيان ويزيحون الجبروت، ما هكذا يعملون؟ فيحاولون أن يشغلوا الناس بأنه هكذا الدين؟ وكل حاكم من حكامكم الذين أنتم تكرهونهم وهم يظلمونكم وهم كذا، دينكم يأمركم بأن تطيعوهم، من أجل أن تقبل الأمريكي وتكفر بدينك أنت عندما يقدم لك دينك بأنه يأمرك بطاعة إنسان أنت تعتبره ظالما ويظلمك، والأمريكي يقدم نفسه لك عبارة عن محرر لك من الظلم والطغيان، كيف سيكون موقفك أنت؟ ألست ستعتبر الأمريكي وستعتبر الأطروحات الأمريكية أفضل من الإسلام؟!)).

إذاً فهذه عملية تشويه من جانب اليهود أنفسهم من جانب الأمريكيين ليشوهوا الدين حتى يرى الناس أن الأمريكيين أفضل، ومن يتأمل القضية واضحة، أليسوا يقدمون تحريراً، إزالة الأنظمة الطاغوتية؟ ما هكذا يقولون؟ ويقدمون لك منطقا آخر [أطع الحاكم وإن قصم ظهرك وإن.. وإن..] إلى آخره، هل هذا مقبول ديمقراطياً؟ ليس مقبولاً ديمقراطياً، معلوم أنه ليس مقبولاً في الديمقراطية فهل يقبل في دين الله؟ إذا كان البشر أنفسهم لا يقبلون هم أن يشرعوا هذا الشيء، فيأتي نظام يوجب على الشعب أن يطيعه وإن قصم ظهره وإن أخذ ماله، فكيف نجيزه على الله؟! لا يوجد في أي نظام يجيز هذا ويقول للناس: أن عليهم أن يؤمنوا ويسمعوا ويطيعوا، وإن كان تعامله على هذا النحو، أعني: أن البشر أنفسهم يترفعون عن هذه في أنظمتهم في تقنينهم، أما من كذبوا على الله فيجيزون ذلك على الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال في آية سابقاً: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً}(النساء:50).

صناعة المبررات

في أكثر من محاضرة يؤكد السيد حسين على أن الأمريكيون يعملون على صناعة المبررات، ويتعبون في حبك القصص التمثيلية لتكون مقبولة ومما قاله في محاضرة [الصرخة في وجه المستكبرين]: ((إذاً ربما شاهدتم ما يُدبر ضد حزب الله، وفعلاً هذا هدف رئيسي من وراء كل ذلك التمثيل، قصة أسامة, التمثيلية التي كان بطلها أسامة وطالبان، فلا أسامة ولا طالبان هم المستهدَفون، ولا ذلك الحدث الذي حصل في نيويورك هو الذي حرك أمريكا، من يدري, من يدري أن المخابرات الأمريكية قد تكون هي من دبرت ذلك الحدث؛ لتصنع المبررات, وتهيئ الأجواء لتضرب من يشكلون خطورة حقيقية عليها، وهم الشيعة، هم الشيعة.

اليهود يعرفون بأن السنِّية لن يشكلوا أي خطر عليهم، ونحن رأينا فعلاً, رأينا فعلاً ما يشهد بأنهم فعلاً ينظرون هذه النظرة. أليس زعماء العالم الإسلامي اليوم سنيّة؟. أليسوا سنيّة؟ كلهم ربما واحد منهم (خاتمي) شيعي. هؤلاء هم ماذا عملوا في هذا العالم؟ أليسوا هم من وافق، من سارع إلى التصديق على أن تكون أمريكا هي من يقود التحالف العالمي ضد ما يسمى بالإرهاب؟ ومن هو الذي يقود التحالف العالمي؟ أمريكا، أمريكا هم اليهود، وأمريكا هي إسرائيل، اليهود هم الذين يحركون أمريكا ويحركون إسرائيل، ويحركون بريطانيا, ومعظم الدول الكبرى، اليهود هم الذين يحركونها)).

محاربة اللغة العربية لصالح اللغة الانجليزية
في محاضرة [الثقافة القرآنية] يتناول الشهيد القائد رؤية العدو للقرآن الكريم وللغة العربية وكيف يعملون على فصل الناس عن القرآن وعن لغته العربية لصالح ترويج الانجليزية يقول: ((حرب شعواء ضد اللغة العربية؛ لأنها لغة القرآن الكريم، وأن الله سبحانه وتعالى قال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}(الشعراء195) {قُرْآناً عَرَبِيّاً}(يوسف2) أكثر من ثلاث آيات تحدث الله عن القرآن أنه عربي، باللغة العربية، بلسان العرب

هناك فنون أخرى – كما قلت – لا يتعرضون لها، يرونها أنها تساعد في خلق فرقة في أوساط الناس، وتعدد في أقوالهم، واختلاف في وجهات أنظارهم، وتخلق لدى كل شخص منهم مشاعر انفرادية، استقلالية؛ فيظل لوحده، يدور حول نفسه، لا يفكر في أن يذوب في الآخرين، فيكون مجسداً لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}(التوبة71).

حاولوا مع ذلك لما وجدوا أن هذه الفنون بعضها تخدم، تخدم أهدافهم، تفرق، تمزق الصف الواحد، أضافوا شيئا آخر: حرية الرأي والرأي الآخر، حرية الاعتقاد، حرية الكلمة، حرية الصحافة، حرية، حرية!.

ما هذا الذي نزل في الساحة؟ من أين جاء هذا؟ ألم يأت من عند الأمريكيين؟ من عند أعداء الإسلام والمسلمين؟ هل قدموا هذا حرصاً منهم علينا، أو رحمة منهم بنا، هم يسهرون علينا، يسهرون نومهم من أجلنا؟! لا، هم كانوا في الماضي يُعدّون هذه الأمة للحظة التي يمكن أن ينقضوا عليها.

تغيير ثقافة الأمة وبناء جيل يتولاهم

في محاضرة [ آيات من سورة الكهف] يواصل الشهيد القائد كشف الأساليب الأمريكية في استهداف الأمة وتغيير ثقافتها ومسخ هويتها في مساعيهم للهيمنة المطلقة عليها يقول: ((الأمريكيون متجهون لتغيير ثقافة الأمة هذه؛ ليبنوا جيلاً يتولاهم، يحبهم، يجلهم، يمكنهم من الهيمنة عليه، بدل من أن يكونوا أولياء لله، ومحبين لله، وأن يمكنوا كتاب الله من أن يحكم عليهم. يكون البديل هم اليهود، فهم يريدون هذه، يريدون الاحتلال لأفكارنا، لنفوسنا، لبلادنا، لقيمنا، لكل ما يربطنا بديننا.

هم يريدون هذه، وإلا لما اتجهوا إلى المدارس الحكومية التي لا تخرج مناهجها ولا ملتزمين، التزام ببعض الأشياء، ما هذا معروف؟ أم أنه ليس معروفاً؟ تحدثوا في أوساط الناس نحن نقول: إذا كنا أذكياء نعرف كيف نعمل سننجح أمام أي قضية ينزلها الأمريكيون)).

نشر الفساد الأخلاقي وسلخ الأمة عن دينها وقيمها
يؤكد السيد حسين أن الاعداء يدركون جيداً قيمة الدين الإسلامي ويعملون منذ زمن طويل على محاربته وسلخ المسلمين عن قيمه ومبادئه ولأنهم لا يستطيعون ضرب الدين في ذاته وإنما ضربه في نفوسنا وفي واقع حياتنا فلا يبقى له أثر

يقول (رضوان الله عليه ) في محاضرة [الإسلام وثقافة الإتباع]: ((الأعداء أنفسهم يعرفون عظمته فيتجهون أساساً لمحاولة ضربه هو، وهل يستطيعون أن يضربوه هو؟ لا، يضربوه في أنفسنا، يضربوه في واقع حياتنا، عندما نكون بسهولة قابلين لأن نتخلى عنه، نبتعد عنه، نبتعد من طريقهم وهم يتجهون إلينا، نفسح المجال لهم يفسدون كيفما يشاءون، يعيثون في الأرض فساداً.

لهذا نلاحظ دائما أنهم لو كانوا يعلمون أن هذا الدين ليست عزتنا متوقفة عليه، ولا قوتنا مرتبطة به، هو لا يمثل قوة لنا، وأنه لا يمثل عزة لنا، ولا علاقة له بوحدتنا، لما بذلوا دولاراً واحداً في سبيل محاربته، لاتجهوا إلينا شخصياً يحاربوننا بأي طريقة، تصفيات جسدية، محاربة شخصية هكذا، كما هو معروف في الصراع، لكنهم يعلمون على الرغم من أنهم يمتلكون أسلحة فتاكة، أسلحة متطورة، أن هذه الأسلحة لو توجه إلى مسلمين، ملتزمين بإسلامهم، يتحركون على أساس توجيهاته، وهديه، فإنهم سيكونون مهزومين أمامهم، مهما كانت قوتهم.

لذلك يسعون أولاً إلى نشر الفساد الأخلاقي، الفساد الثقافي، نشر ما يخلق فرقة في أوساط الناس، ما يبعدهم عن دينهم، ما يشككهم في مبادئه، ما يشككهم في كتابه، في نبيه، هكذا، هكذا حتى يهيئونا لأن يضربونا بسهولة، ومتى ما ضربونا نكون قابلين لأن نهزم، قابلين لأن نهزم أمامهم؛ لهذا تجد أن الإسلام هو الدين الوحيد في هذه المعمورة الذي يحاربه الأعداء من اليهود والنصارى.

هناك ديانات قائمة لماذا لا يحاربونها؟ وثنية ما تزال قائمة يشجعونها، البوذية ما تزال قائمة، ديانات أخرى ما تزال قائمة لا يوجهون حربهم إليها بل يشجعون أصحابها، بل يشجعون أصحابها على أن يبقوا على ما هم عليه، إلا الإسلام، إلا الإسلام.

سياسة التطويع
يرى الشهيد القائد أن من الوسائل المتبعة لدى اليهود النصارى هي سياسة التطويع يقول في محاضرة [سورة آل عمران ـ الدرس الأول] حول الآية الكريمة:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} ما هذه حالة رهيبة؟ يقلب الأمة, يقلب الناس من إيمان إلى كفر، ولن يكون فقط أنه مجرد التضليل الذي يصل بك إلى درجة الكفر من حيث لا تشعر، أو التضليل الذي يأتي من قبلهم وأنت لا تشعر أنه من قبلهم ولو شعرت أنه من قِبَلهم لتمردت عليه. لا.

هم يستطيعون أن يصلوا بالأمة إلى درجة أن تلمس أن هذا هو من قِبَلهم هم اليهود، وستنطلق في طاعتهم، هم يستطيعون أن يصلوا بالأمة إلى أن تطيعهم هم، وهم بكامل مشاعرهم يعرفون أن هذا من قِبَل اليهود، أو أن هذا يهودي ويطيعونهم؛ ولهذا جاء بالضمير {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً} تطيعوا فريقاً {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}.