النباء اليقين

ثمن الانفصال عن قضايا الأُمَّــة

سند الصيادي

قبل أَيَّـام كشفت وسائلُ إعلام عبرية عن أن النظام السعودي خاطب خارجية الكيان الصهيوني بلهجة عتاب على تسريب زيارة نتنياهو للمملكة التي كان متفقاً على سريتها، وجاء في الخطاب أن هذا التسريبَ أحرج السعودية أمام العالمين العربي والإسلامي، وَبأن السعودية في عتابها السري بيّنت أن فتح أجوائها أمام الطيران الإسرائيلي يعتبر خطوة حسن نوايا تجاه هذا الكيان على طريق المزيد من العمل المشترك.

ورغم اللهجة المتوددة لهذا العتاب السعودي لدولة الاحتلال وَحرصها على أن يحاط بالسرية بعيدًا عن التداول الإعلامي، إلّا أنه تم تسريبه هو الآخر، موحياً للرأي العام أن هذه الكيان وإعلامه لا مروءة لهم ولا احترام لمواثيق أَو اعتبارات لسمعة ومشاعر النظام السعودي الخائن لشعبه وأمته، رغم ما قدّمه ولا يزال يقدمه من خدمات على طريق تأمين هذه الكيان من خلال تكفل هذا النظام بضرب كُـلِّ مفاصل المقاومة العربية والإسلامية وَتمويل كُـلّ المخطّطات العدوانية عليها، أَو في سياق دعمه الكبير لتوطين وَتأصيل إسرائيل في المنطقة من خلال تمويل مبادرات تصفية القضية الفلسطينية، وجرجرة أنظمة الكثير من الدول العربية إلى التطبيع العلني معها.

وكما هو حال الخطاب الإسرائيلي، لا يُظهر الخطابُ الأمريكي للمملكة سياسيًّا وإعلاميًّا أدنى احترام، وَلطالما يتعمد إحراجها بكل المواقف وَإظهارها كمُجَـرّد وسيلة سهلة لتحقيق الفوائد وَتقليل الخسائر وَكبح المخاطر، وهذا الواقع الحادث بقدر ما يؤلم شعوب المقاومة وَمناصريها، فَـإنَّه يحرج حتى مؤيديه وَيعدم أمامهم خياراتِ وحججَ الدفاع عنه، بما يزيد من انعزاله، وتساقط أركانه وَيؤذن بسقوطه المدوي.

والعزلة ليست تلك التي يفرضها القانون الدولي بحربه وحصاره وعدم اعترافه بشرعية الشعوب كما هو حادث في اليمن التي يزداد نظامُها تماسكا وقوة كلما دنى نحو شعبه وَقضايا أمته، وإنما الانعزال الأخطر والمدمّـر هي تلك التي تمرُّ بها بعض الأنظمة مع شعبها وَقضايا أمتها كما هو حال النظام السعودي اليوم.

بالأمس قوبلت تصريحات كوشنر وتأكيداته بأن تطبيعَ النظام السعودي مع “إسرائيل” حتمي، بصمت سعودي سياسي وإعلامي مريب، زاد من التوضيح على الحال الذي وصل إليه ابن سلمان ووالده من ضعف وإرباك وَفقدان للبوصلة السياسية، وَشلل كلي في القدرة على الرد أَو التعليق على هذه الرهانات المتفوهة باسمه بكل ثقة وَاطمئنان، وَبدا أن المملكة قد فقدت آخر أشكال الدولة وباتت تهوي في منزلقات لا يعرف نظامُها منتهاها.

إنه ثمنُ الانفصال عن الأُمَّــة وَقضاياها المقدسة، بهذه العبارات وصّف وَشخّص عبد السلام هذا التبلد وَالتقزم السعودي الحادث والمثير للشفقة، وهو بهذه الكلمات يختزل النصائح بأخذ العبر وَبالتحذير من المآلات التي تنتظر كُـلّ الأنظمة المهرولة نحو الرضا الأمريكي والإسرائيلي عليها، وَهي رهانات خائبة بطبيعة الحال، وَالرهان الأقوى والأبقى الذي يعزز من وجود وحضور أي نظام يبقى في الارتباط الوجودي بقضايا أمته وَنذر نفسه لخدمتها وَالانتصار لها، مهما كانت الكلفة باهظةً والتحديات كبيرة، إلّا أنها لن تكون بذات القدر من التكاليف والتحديات التي تنتظر أُولئك المراهنين على غيرِ الله وَشعوبِهم.

ولا حجّـة في الأولى ولا في الآخرة، ولا مصالح آنية أَو بعيدة المدى لمشرقي أَو مغربي انتمى للعروبة وَاعتنق الإسلام في أن يقيم أيَّ تواصل بكيان العدوّ، قالها رئيس وفد اليمن المفاوض، وعززتها الوقائع والشواهد، وَحذّر منها عبر القرون إِلَهُ الأرض والسماء في كتابٍ حكيمٍ.