النباء اليقين

السعوديّة على موعدٍ مع فتح المساجد ولكن وزير الأوقاف يرى في فواتيرها “استنزافاً” للميزانيّة وإسرافا

أمرٌ ملحوظٌ ولافتٌ، أن يظهر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مُهنئاً قادته العسكريين بالصّوت والصّورة بعيد الفطر، إلى جانب كبار وزارة مسؤولي وزارة الدفاع السعوديّة، ومن ثم يُبشِّر بمقدم كٌل الخير على بلاده، وهو أوّل ظُهور علني له خلال جائحة كورونا مُتحدّثاً، ومن ثمّ بعد أيّام وحتى ساعات تتّجه بلاده إلى تطبيق خطّة ثلاثيّة المراحل، تعود المملكة فيها إلى الحياة الطبيعيّة 21 يونيو القادم.


واستُثنِي من العودة الطبيعيّة مكّة المكرّمة، مع إبقاء منع العمرة والزيارة، والرحلات الدولية “إلى إشعارٍ آخر”، وهو ما يفتح باب التساؤلات فيما إذا كان موسم الحج سيشهد هو الآخر تعليقاً لهذا العام، حيث جرى تعطّله بالفِعل 40 مرّةً عبر التّاريخ الإسلامي، كان آخِرها العام 1987 لتفشّي التهاب السحايا، وأبرزها عندما سرق القرامطة الحجر الأسود عام 930 ميلاديّة، وهو ما أشار إليه الباحث إبراهيم محمد في دراسةٍ له العام 2020، وموقع دارة الملك عبد العزيز.
ثمّة من ينظر إلى تصريحات الأمير بن سلمان ولي العهد في العيد، بمثابة إعلان نهاية الجائحة، فحتى المساجد التي أغلقتها السلطات، ستعود في بداية شهر يونيو، ولكن أمام هذا تبقى التساؤلات مطروحةً، حول انتهاء الجائحة فِعليّاً، حيث أعداد المُصابين لا تزال مُرتفعةً، مُقارنةً بدول الجوار العربيّة، التي لم تُسجّل كل تلك الأعداد المهولة، وإن كانت تشهد السعوديّة انخِفاضاً، وتعافياً ملموساً بين المُصابين، والذين وصلوا إلى 58883 حالة.


أمنيات الأمير تتحقّق
العربيّة السعوديّة من الدول الخليجيّة إلى جانب قطر، التي لا تزال تُسجّل أرقاماً قياسيّة يوميّةً مُرتفعةً، وصلت إلى ألفي إصابة وأكثر، ويكون لافتاً أنّ وسائل الإعلام السعوديّة المحليّة بدأت تُركّز على حالات التعافي، وفي تتبّع رصدته “رأي اليوم” للرقم اليومي للإصابات، فإنّ رقم الإصابات آخذٌ بالانخفاض، من ألفيّ إصابة إلى 1500 في تدرّجٍ ملحوظٍ، كأنّه يُحقِّق تمنّيات الأمير بن سلمان التي عبّر عنها بزوال الجائحة كما قال في ظُهوره الأخير.
انخفاض الإيرادات النفطيّة، وغير النفطيّة، وتعطّل الاقتصاد جرّاء أزمة كورونا، يُحتّم على الحُكومة السعوديّة المُسارعة إلى فتح الأسواق، والشركات، والمحال التجاريّة، وذلك لتحريك عجلة الإنتاج، في ظل خطوات “شد الأحزمة” التي شملت إلغاء بدل المعيشة، ورفع قيمة الضريبة المُضافة ثلاثة أضعاف، لكن إجراءات العودة قد ينتج عنها ارتفاعاً في عدد الإصابات، حيث الوضع الوبائي لا يزال غير مُستقرًّا، وهو ما يعني أنّ السعوديّة قد تلجأ لتطبيق منهج “مناعة القطيع”، حيث الإغلاق الكلّي والجزئي لم يُفلِح فيما يبدو في كبح جماح الفيروس التاجي القاتل، ونتج عنه تضرّر الاقتصاد، وعدد الوفيّات وصل إلى 480 حالة، أمّا إجمالي الحالات المُصابة فوصل إلى 83384.


الحياة مع “كورونا” بالاحتراز البروتوكولي
ووضعت من جهتها الداخليّة السعوديّة، مجموعة من البروتوكولات الاحترازيّة الوقائية للقطاعات للعودة، وشملت المساجد، القطاع العام، البترول والغاز، الكهرباء، المقاولات، محلات تجارة الجملة، أسواق النفع العام، دور الإيواء، الأعمال الإداريّة، المطاعم والمقاهي، التوصيل المنزلي، العمالة المنزليّة بنظام السّاعة.


و”أهابت” الداخليّة بجميع المُواطنين والمُقيمين تطبيق تلك الإجراءات وفق كل بروتوكول قطاع، “حفاظاً على سلامة الجميع”، كما غرّمت الوزارة المذكورة من لا يستخدم كمامة أثناء تواجده خارج المنزل بألف ريال، إلى جانب عدم الالتزام بمسافات التباعد الاجتماعي، ووضع القيود على التجمّعات لأكثر من خمسين شخصاً، وهو ما يعني الاعتماد على وعي وثقافة المُواطن والمُقيم بالأكثر في مُواجهة “كوفيد-19″، والمُتفاوت بين شخصٍ وآخر، وغير مضمون النّتائج والعواقب.


90 ألف مسجد أعلنت وزارة الشؤون الإسلاميّة، أنها جاهزة لإعادة فتحها الأحد بعد تعقيمها، ولعلّ عودة المساجد قد تكون التحدّي الأكبر، فهي تشهد نسبة مُخالطة عالية، هذا عدا عن التزاحم المُفترض أمام مغاسل الوضوء، وبرغم إرشادات الوضوء بالمنزل، وعند الدخول إلى المساجد والخروج منها، والتزام المُصلّين بجلب السجّادة الخاصّة، وإبقاء مسافة لا تقل عن مترين بين كُل مُصلٍّ وآخر، واعتماد المصحف الإلكتروني من الجوال بديلاً عن التقليدي الورقي المُنتشر في أروقة المساجد السعوديّة.


فواتير المساجد تستنزف الميزانيّة.. وكُلفتها “مليار ريال”
ومع عودة فتح المساجد، تفقّد وزير الأوقاف السعودي عبد اللطيف آل الشيخ، مساجد الرياض، ومن هُناك وعبر شاشة قناة “الإخباريّة”، انتقد آل الشيخ فاتورة الكهرباء الخاصّة بالمساجد، وعدّها استنزافاً لربع ميزانيّة وزارته، واعتبرها إسرافاً في غير محلّه، وأكّد أنّه بصدد عمل ما يُعين على ترشيدها، ولكن الوزير لم يشرح بدوره ما هي الخطوات التي سيتّخذها لإيقاف استنزاف فواتير المساجد لميزانيّة وزارته، ودعا المُواطنين إلى الإبلاغ عن إمام المسجد في حاله تشغيله ما لا حاجة إليه في المسجد.


وبالنّظر إلى اهتمام الدولة السعوديّة بالمساجد، وإعمارها، وتواجدها بأعداد كبيرة في كُل حي، ومنطقة، تعد تصريحات الوزير آل الشيخ لافتةً، وغير مسبوقة، وتأتي في ظِل دخول البلاد بالفِعل في حالة “شد الأحزمة”، وهو ما يطرح تساؤلات حول الخطوات التي يُمكن أن تُقلّل من فواتير المساجد، والتي تُكلّف وفق آل الشيخ قرابة مليار ريال، وهل سيلجأ الوزير إلى إغلاق بعض المساجد في المملكة لتوفير مصاريفها والتي كانت خُطوطاً حمراء لا تمسّها الدولة، هذا إلى جانب ميزانيّات المكاتب الدعويّة والإرشاديّة المُرتبطة بوزارة الأوقاف، والتي جرى بالأساس تقليص عددها، وإغلاق بعضها، ورفع أكشاكها من الأماكن العامّة في ظِل عصر الانفتاح.


ولعلّ نيّة مُراجعة مصاريف المساجد وانتقاد فواتيرها كما يقرأ مراقبون والتي كان مجرّد الحديث حولها تطاولاً وانتقاصاً يُؤجِّج غضب المؤسّسة الدينيّة التي لم يبق منها غير اسمها، يأتي تطبيقاً لخطّة التقشّف التي تعصف بالبلاد، فماذا عن المشاريع الترفيهيّة في المُقابل ألا تكلّف الدولة المليارات، ومصاريف المسارح والحفلات، واستِضافة الفنانين العالميين والعرب، بالإضافة إلى حِرص المملكة على شراء أندية رياضيّة عالميّة، لتدخل ضمن مُنافسات سيطرة اللوبيّات الرياضيّة العالميّة، فهل سيدخل كُل هذا ضمن مُراجعات ترشيد النّفقات، تساؤلاتٌ مطروحة.

“رأي اليوم” خالد الجيوسي