النباء اليقين

شروط “صنعاء” تحاصر العدوان: غطاء “دولي” لتمرير الخدعة السعودية!

الهدهد / أخبار محلية

أربعةُ أَيَّـام مرت على إعلان تحالف العدوان عن “هُـدنة” لأسبوعين في اليمن، لكن الترجمة الميدانية لتلك الهُـدنة لم تكن وقف العمليات العسكرية، وإنما تصعيدها على مختلف المستويات، ففي جبهات الحدود، تضاعف السعودية من كثافة زحوفاتها على مواقع الجيش واللجان، فيما يتزايدُ عددُ غارات المقاتلات المعادية بشكل ملحوظ، لكن مجلس الأمن الدولي يتجاهل كُـلّ ذلك، ويطالب “صنعاء” بالاستجابة لتلك الهُـدنة الزائفة، الأمر الذي يؤكّـد أن تلك “الهُـدنة”، علاوة على كونها محاولةً مكشوفةً للالتفاف على شروط “صنعاء” للسلام، هي أَيْـضاً محاولة دولية لتجميل موقف السعودية وخلق غطاء سياسي وهمي يمنحها فرصة لتحقيق أي إنجاز عسكري.

هذا ما يؤكّـده موقف “صنعاء” من “الهُـدنة” السعودية، الموقف الذي كان واضحاً منذ اليوم الأول في التأكيد على أنها ليست إلا “مناورة سياسية وإعلامية” بحسب تعبير رئيس الوفد الوطني وناطق أنصار الله محمد عبد السلام الذي عاد، أمس الأحد، مجدّدًا ليؤكّـد أن “ما أعلنه تحالف العدوان من وقف لإطلاق النار مُجَـرّد تدليس وتضليل للعالم”، مستشهداً على ذلك بـ”التصعيد الجوي والبري” للعدوان والذي يترافق “مع استمرار الحصار”.

تصريح عبد السلام الأخير يجدد تثبيت الشرط الأَسَاسي الذي تضعه صنعاء على الطاولة كأَسَاس وحيد للدخول في أية مفاوضات ولإيقاف عمليات الردع والرد، وهو “إصدار قرار صريح وعملي من قبل تحالف العدوان بوقف الحرب والحصار بشكل نهائي”، وهي المتطلبات التي لم يتضمنها إعلان “الهُـدنة” السعودية أصلاً.

وبطبيعة الحال، فإن عدم ارتقاء “الهُـدنة” السعودية إلى مستوى شروط صنعاء شيء، وعدم تطبيق تلك الهُـدنة شيء آخر، واستغلالها كغطاء ثالث لتمرير تصعيد جديد شيء ثالث، فعلى الرغم من أن صنعاء ترفض تماماً الحلول الجزئية، إلا أن الرياض لم تبذل حتى عناء تقديم هذا الحل الجزئي بصورة حقيقية، بل تمادت في الابتعاد عن السلام إلى حد أنها استخدمت مُجَـرّد “الإعلان” كخدعة عسكرية لتنفيذ المزيد من الهجمات الجوية والبرية، الأمر الذي جعل من تلك “الهُـدنة” نفسها دليلاً واضحاً على أن الرياض أبعد ما يكون عن خيار السلام.

في هذا السياق، يشير رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام، في تصريحه الأخير إلى دليل آخر على ابتعاد تحالف العدوان عن مسار السلام، إذ يؤكّـد أنه “لو كان ثمة توجّـه جاد وإرادة حقيقية نحو السلام لأصدر مجلسُ الأمن الدولي قراراً صريحاً بإيقاف الحرب ورفع الحصار الجائر لا أن يكتفي ببيان هزيل يجاري فيه التحالف”، في إشارة إلى بيان المجلس الأخير الذي تجاهل التصعيد السعودي البري والجوي وعمد إلى مطالبة صنعاء بالاستجابة لـ “الهُـدنة”، وهو الأمر الذي يترجم وفقاً لوقائع الميدان كمطالبة فجة لقوات الجيش واللجان بترك سلاحها والتفرج على القوات السعودية ومرتزِقتها وهي تتقدم وترتكب الجرائم تحت غطاء “وقف إطلاق النار”!

إن اعتمادَ الرياض على الدعم الدولي لتمرير خدعة “الهُـدنة” ليس جديدًا؛ لأَنَّه ينطلق من الوهم الذي اتكأ عليه “ابن سلمان” وحلفاؤه طيلة السنوات الماضية كقاعدة أَسَاسية تتمحور حول الإيمان المطلق بأن مجلس الأمن يستطيع أن يفرض ما يشاء، وَإذَا أجمع أعضاؤه على أن التصعيد العسكري يسمى “هُـدنة” فإنه سيكون هُـدنة بالفعل ويجب على الجميع أن يؤمن بذلك ويلتزم به!

لكن حتى هذه القاعدة لا تجعل من الخدعة السعودية شيئاً ذكياً، فإذا كانت الغارات الجوية المتصاعدة والمحاولات الحثيثة لتحقيق تقدم في الحدود، هي الترجمة المعتمدة للهُـدنة، فإن التزام صنعاء بها يقتضي ردوداً عسكرية أَيْـضاً، وهو ما يعيدنا إلى الإنذارات التي وجهتها القيادة الثورية والسياسية لتحالف العدوان بـ”مفاجآت لم تكن بالحسبان”، فالحقيقة أن التلاعب بالأسماء ووضع مصطلح “وقف إطلاق النار” مكان مصطلح “التصعيد العسكري” لا يغير من الواقع شيئاً، ذلك أن قانون رد الفعل، كما هو واضح من اسمه، يرتبط بالأفعال، وليس بالمسميات، أَو بالبيانات السياسية والإعلامية، حتى لو كانت صادرة عن مجلس الأمن.

لهذا تعيد صنعاء تحالف العدوان من الوهم إلى الواقع، مجدّدًا، وتذكره بالشروط التي يختبئ منها خلف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وهذا ما عبر عنه تصريح لعضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، مساء أمس الأول، تطرق فيه إلى “اللقاء” الذي أعلن المبعوث الأممي مارتن غريفيث أنه يحضر لعقده بين وفدي صنعاء وحكومة المرتزِقة؛ مِن أجلِ “استئناف العملية السياسية”، حيث أوضح الحوثي أنه تم إرسال رسالة للمبعوث أكّـدت “ضرورة أن يشهد اللقاء توقيعاً وإشهاراً للاتّفاق، بعكس الجولات السابقة التي اعتمدت التكتيكات دون حلول نهائية وشاملة والتي عادة ما تفضي للفشل”.

رسالة واضحة تؤكّـد للرياض وحلفائها في الغرب أن الجلوس إلى طاولة التفاوض أَيْـضاً لن يمنحهم أية فرصة للخداع وكسب الوقت؛ لأَنَّ الشرط الوحيد الذي يجب توفره ليكون اللقاء ناجحاً هو أن يتضمن حلًّا شاملاً ونهائياً، وهو ما يعيدنا إلى رؤية صنعاء المعلنة قبل أَيَّـام لهذا الحل، والتي كان أبرزُ شروطها وجود وقف العدوان ورفع الحصار بشكل كامل ونهائي، وبقرار صريح.

هكذا نجد أن الرياض تصطدم بالشروط اليمنية في كُـلّ مكان، حتى وهي خلف الدرع الأممي والدولي الواهن، الأمر الذي يشير بوضوح إلى امتلاك “صنعاء” للمتغيرات والثوابت الفاعلة في الجانب السياسي، بعد أن امتلكت ذلك في الجانب العسكري، حتى بات الجانبان يشكلان معاً معادلة متماسكة غير قابلة للتعديل أَو التجزئة ولا مجال للالتفاف عليها: إما السلام الشامل وفقاً لشروط الندية، وإما الحرب التي لن يكسبها “التحالف” أبداً.