النباء اليقين

عطوان: لماذا الحرب النفطية بين السعودية وروسيا أكثر خطورة من “كورونا”؟

تجد القيادة السعودية نفسها هذه الأيام تخوض عدة حروب في وقت واحد، أبرزها حرب “الكورونا” التي جاءت وبالا لانعكاساتها السلبية على تراجع الإنتاج النفطي وأسعاره، وانتشار حالة من الفوضى في الأسواق العالمية.

هناك مثل إنجليزي يقول، عندما تقع في حفرة فإن أول شيء تفعله هو التوقف عن الحفر، ولكن يبدو أن هذه القيادة لم تسمع بهذا المثل، وإن سمعت به، فإنها تفعل عكسه تماما في حالة من العناد، ليست غريبة عليها.

القيادة السعودية تقع حاليا في أكثر من حفرة، ابتداء من حرب اليمن، ومرورا بالحرب النفطية التي أشعلت فتيلها ضد روسيا وأميركا معا، الأولى، بإغراق الأسواق بملايين البراميل، وبأسعار متدنية انتقاما من موسكو التي رفضت تمديد اتفاق “أوبك بلس” والثانية، باستخدام الكميات الإضافية من أجل إفلاس شركات النفط الصخري الأميركية، لأن ارتفاع الأسعار يعني استمرارها في الإنتاج وتحقيق الأرباح.


لا نعرف ما هي الحكمة في خوض حربين في الوقت نفسه مع أكبر قوتين عظميين، وفي مثل هذا التوقيت الذي يقف فيه العالم على حافة المجهول اقتصاديا وسياسيا، فانخفاض الأسعار إلى ما دون 20 دولارا للبرميل يعني انخفاض الدخل السعودي، وتضاعف حجم العجز في الميزانية (حوالي 50 مليار حاليا) بمقدار الضعفين، أي فوق 120 مليارا، على أساس أن ميزانية العام الحالي (2020) وضعت على أساس 55 دولارا للبرميل، والمصيبة أن الدخل سيتراجع، والعجز سيرتفع، والإنتاج سيزداد.

المشكلة أن هذه السياسات النفطية “النزقة” لن تلحق الضرر بالمملكة فقط وإنما بجميع الدول المنتجة للنفط داخل منظمة “أوبك” أو خارجها، ومعظمها باستثناء روسيا، من دول العالم الثالث التي تقيم على النفط وعوائده لتسديد التزاماتها، مثل الجزائر وليبيا ونيجيريا وسلطنة عمان والبحرين وقطر والكويت والإمارات.

الصناديق السيادية العربية التي أسستها دول عربية نفطية، وكانت “مفخرة” استثمارية، هي المتضرر الأكبر، لأن أرصدة هذه الصناديق تتآكل بسرعة، سواء بسبب السحب منها لسد العجوزات، أو لانخفاض قيمتها عالميا بفعل انهيار البورصات العالمية منذ مطلع العام الحالي، وبما هو أكثر من النصف تقريبا.

القيادة السعودية أقدمت على “مقامرة” مماثلة عام 2014، عندما أغرقت الأسواق بالنفط لإلحاق الضرر بالاقتصاديين الروسي والإيراني بالقدر المأمول، والآن تكرر الخطأ نفسه وتقدم على نفس المقامرة، وهناك من يتوقع أن تنخفض الأسعار إلى 10 دولارات، تماما مثلما كان عليه الحال عام 1990 الأمر الذي دفع الرئيس صدام حسين إلى غزو الكويت.


ما غاب عن ذهن صانع القرار السعودي أن الدخل النفطي يشكل 16 بالمئة من مجموع الدخل القومي الروسي، على عكس السعودية التي يشكل هذا الدخل 90 بالمئة من عوائد ميزانيتها.

هذه الحرب النفطية التي أشعلت فتيلها القيادة السعودية وفي التوقيت الخطأ، ستؤدي إلى تدمير “أوبك” وإزالتها من الوجود كمنظمة عالمية حافظت على أسعار شبه عادلة لأسعار النفط، وستكون المملكة هي المتضرر الأكبر، لأنها ستفقد دورها القيادي أولا، والكثير من العوائد النفطية ثانيا.

لا نستبعد أن يتوصل الروس والأميركان إلى اتفاق بتأسيس تحالف نفطي قد لا يكون هناك مكان للسعودية وبعض الدول العربية الخليجية الأخرى فيه.. والله أعلم.

عبد الباري عطوان