النباء اليقين

الانحطاط السعودي في زمن كورونا


حتى لحظة كتابة هذه السطور تعتبر اليمن خالية من وباء كورونا القاتل ، وهذه نعمة تستوجب الشكر والحمد لله ، نسأله تعالى أن يحفظ شعبنا ويلطف بالشعوب التي نالتها هذه الجائحة الكبرى ، وحتى تبقى بلادنا خالية من وجود هذا الوباء الفتاك بإذن الله تعالى ، فإن الالتزام بإغلاق الأسواق الشعبية ، والتخفيف من التجمعات ، وإغلاق صالات الأعراس والاحتفالات، والنوادي، والحدائق، والتزام – مالكي الأسواق التجارية والمطاعم وأصحاب الأعمال ، وداخل مقرات الأعمال سواء المؤسسات الحكومية أو غيرها – باستخدام المعقمات للوقاية من أي انتشار محتمل للفايروس ، كما أن إتاحة المجال لأصحاب المبادرات المجتمعية وما يفرضه الخطر الفتاك بالجميع من وجوب أن تكون هناك مسؤولية جماعية وتكاتف من الجميع ، إضافة إلى قرارات تجهيز مراكز الحجر الصحي ، وتشكيل اللجان المجتمعية لضبط السلوكيات العامة التي تخل بالإجراءات، ولإيصال أي حالة اشتباه إلى المراكز المحددة ، والإبلاغ عن الوافدين من الخارج أيا كانوا ، وأيا كانت الطريقة التي وصلوا بها ، والتعاون في إغلاق المنافذ نهائيا ، والتوعية بمخاطر الوباء وكيفية مواجهته ، كلها أمور تضمن سلامتنا وسلامة أهلنا جميعا من هذا الوباء المخيف.
ولعل من المهم الإشارة ونحن بصدد الحديث عما انقض على البشرية جمعاء حاصدا أكثر من مليون حالة إصابة ، وما يزيد عن أربعين ألف وفاة ، أن نُعرِّض على السلوك المنفلت الذي يتبعه النظام السعودي متماثلا مع سلوك “الشيطان الأكبر” أمريكا في التعامل مع الكارثة ، حيث ينطلقان من ذهنية “أنا خير منه” الشيطانية ، ويتعاملان مع حياة الإنسانية وفق تمايز وأنانية منحطة ، ولربما ذلك هو العامل الأكثر تسببا في انتشار الجائحة وازدياد الضحايا في أمريكا عالميا والسعودية عربيا.
فيمَا يستجمع العالم قدراته لمواجهة وباء كورونا ، ويتنادى لمساعدة بعضه البعض ، يقرر ترمب -الغارق في شروره وأباطيله- وقف المساعدات عن اليمن ؛ رغم عدم أهميتها وجودا وعدما، وفيمَا تعمل حكومات العالم على تعزيز التعافي من الوباء ومنع تفشيه ، يستنفر النظام السعودي قدراته وأذرعه ومخابراته وإعلامه لإيصال الفايروس إلى اليمن ، وهو إذ يحصن نفسه بإغلاق المنافذ والمطارات أمام أي وافد إليه ، يقوم بترحيل ما يزيد عن 4 آلاف يمني قسرا نحو العاصمة صنعاء والمحافظات ، وهو إذ يقرر إقامة محاجر حجز صحي ويتخذ الإجراءات الاحترازية بما في ذلك منع التجوال ، ووقف الحركة نهائيا ، يستميت إعلاميا في إبقاء بلادنا مفتوحة بلا إجراءات احترازية لمواجهة الكارثة ، حيث يتعاطى مع الإجراءات التي تتخذها حكومة الإنقاذ وفقا لتوصيفاته الكاذبة والزائفة للحقائق ، ويسوقها ضمن حملاته الدعائية لما يشبع غرائزه الحيوانية الموبوءة بنوازع الحقد الوهابي الدفين ، وعداوته المطلقة لليمنيين ، هادفا من ذلك كله وصول الوباء إلى بلدنا لا سمح الله ، غير أن ما ينبغي إدراكه أن السلوك العدائي واللاأخلاقي للنظام السعودي في تعاطيه ، واستماتته في نقل الوباء إلى اليمن ، لم ولن يحصن بلاده من خطره أبدا ، إذ أن الأرقام تتحدث عن أعلى نسبة تفشٍ ” عربيا” في السعودية.
إن أول ما يجب أن تنصب عليه الجهود الدولية الرامية لمواجهة وباء كورونا في اليمن ، هو إجبار النظام السعودي المعتدي على وقف العدوان والقصف على المدنيين بالطيران ، ورفع الحصار المميت والقاتل المفروض على الجمهورية اليمنية فورا ، والتوقف عن كل الإجراءات العقابية والقسرية ضد المغتربين والمعتمرين وترحيلهم إلى اليمن ، في سلوك مشين ومنحط يعبر عن حالة الانسلاخ القيمي والأخلاقي ، لما تحمله تلك الإجراءات من مخاطر كارثية في احتمال إيصال الوباء عبر المرحلين إلى اليمن ، ومن المهم الإدراك أن أي تلكؤ في قرار وقف العدوان وسلوك طريق السلام سينعكس سلباً على أرواح الآلاف من اليمنيين ، ومن يتحمل مسؤولية ذلك هو النظام السعودي وأمريكا فهما من وضعا شعبا بأكمله رهن إبادة جماعية وشيكة ، ومن المتوجب أن تضطلع به الأمم المتحدة عبر مبعوثها بمسؤولياتها وتقوم بما عليها في وقف العدوان ورفع الحصار عن اليمن.
ثم إن التعاطي الواعي المبني على أسس طبية وعلمية متخصصة ، واتخاذ إجراءات احترازية ووقائية تمنع وصول المريض ، وتحد من تفشيه السريع يلعب دوراً مهماً في تحجيمه وتقليل الإصابات به ، وصولاً للخلاص التام من مخاطره الكبرى ، وتأمين السلامة لشعبنا ، وما اتخذ في هذا الصدد من إجراءات احترازية ، سواء ما كان منها تفاديا لوصول الوباء ، أو ما كان لمواجهة خطر أي انتشار محتمل له ، لا بأس بها وهي في حدود الممكن والمتاح ، غير أن إغلاق الحدود نهائيا ، وإقفال المنافذ أمام العائدين من الخارج ، وبالذات المرحلين من الأراضي السعودية ، وفرض رقابة على عمليات التهرب والتهريب لأي وافد ، والإبلاغ عن أي شخص وصل إلى صنعاء أو أي محافظة قادما من السعودية أو غيرها مسؤولية الجميع إزاء الجميع وبلا استثناء ، وهي أضمن لسلامتنا من المكروه ، فبحسب التقارير الطبية المفسّرة لانتدشار الفيروس تأكد أن الاحتكاك بأجانب هو أحد أسباب تفشي الوباء وانتشاره، وهذا ما يحتم علينا تعزيز الإجراءات المانعة لوصول العائدين من الخارج ومنعهم من الدخول إلا بعد تطبيق نظام الحجر الصحي المقرر ، لنقلل من فرص وصول العدوى إلى بلادنا قبل وصولها لا سمح الله، فهي وإن وصلت لن تستثني أحدا ولن تميز بين هذا وذاك.
حتى اللحظة لا يوجد هناك أي علاج لهذا الوباء سوى محاصرة انتشاره ، لذا فعلينا كشعب وقاه الله حتى اللحظة من الغائلة أن نصون أنفسنا بالاستمرار في إغلاق المنافذ ، ومنع وصول الوافدين ، والإبلاغ عن المتهربين ، كما أن على الإخوة المغتربين أو المعتمرين أو أيا كانوا الإدراك بأن الالتزام الصارم ، والامتثال للبقاء في المنافذ الفترة المحددة ،ضرورة تستوجب مخالفتها العقاب ، ذلك أنها تعد جريمة قتل متعمدة للآلاف من اليمنيين ، ولا نعتقد بأن أحدا منهم مستعد لارتكاب جريمة قتل جماعية بحق أهله وشعبه ، وأن يسمح لنفسه بأن يكون أداة إبادة جماعية لا قدر الله!
كلنا متفقون وبلا خلاف على أهمية الإجراءات الاستباقية التي تتخذ في إطار افتراض انتشار محتمل للفايروس ، إنما ومن جديد نعيد التأكيد أن الأهم من ذلك هو منع الوافدين عن الوصول ، واستمرار إغلاق المنافذ ، فكلنا يعلم أن الأنظمة الصحية المتاحة لبلادنا تعيش حالة يرثى لها بسبب العدوان السعودي الأمريكي الغاشم ، ليس أمامنا سوى الامتثال للإجراءات الاحترازية بإغلاق المنافذ ، والإبلاغ عن المتهربين الذين يصلون تهريبا من النقاط ومناطق الحجر الصحي ، حتى لا نواجه ما لا يحمد عقباه.

كتب رئيس تحرير صحيفة الثورة / عبدالرحمن الأهنومي