النباء اليقين

الأممُ المتحدة ومجلس الأمن وانتصار الشعب اليمني لقضيته العادلة

الهدهد / مقالات

مطهر يـحيى شرف الدين

تمَّ إنشاءُ منظمة الأمم المتحدة كوسيلة ومنهج للتعاون بين الدول الأعضاء؛ من أجلِ منع الحروب وقمع أعمال العدوان والعمل على حلِّ المنازعات الدولية التي تؤثر وتُخل بالسلم والأمن الدولي، كما إن أهـمَّ عامل أَسَاسي دفع إلى إنشاء المنظمة هو إنقاذُ الشعوب من ويلات الحروب وآثارها التي جلبت على الإنسانية مآسٍ وأحزاناً يعجز عنها الوصفُ..

منظمةُ الأمم المتحدة عبارةٌ عن نظام من أنظمة المجتمع الدولي، يتم بواسطتها تنظيمُ العلاقات الدولية وذلك عبر ميثاق الأمم المتحدة وتطبيق القوانين الدولية والعهدين الدوليين بشأن الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية وملحقاتها، وكذلك الإعلانات والقرارات والمبادئ الصادرة عن الجمعية العامّة والاتّفاقيات الدولية الثنائية ذات الطابع القانوني الملزم لأطرافها..

ولذلك يتضح من ظاهر عناوين تلك الأدبيات، السعيُ الحثيث للمنظمة الدولية نحوَ حماية حقوق الإنسان وسيادة العدالة ونشر الوعي بين جميع شعوب العالم بتطبيقِ القوانين والاتّفاقيات الدولية الهادفة إلى ضمان حقِّ الشعوب في تقرير مصيرها، وإلى إفشاء السلام الدولي والحيلولة دون قيام الحروب والصراعات على المستوى الدولي والإقليمي والعالمي، وكذلك العمل على وقفِ الاشتباكات والصراعات ومنع انتشار أَو بيع الأسلحة المحرمة دولياً، وتفاقم المنازعات الدولية التي تهدّد السلامَ العالمي.

كان ميثاقُ الأمم المتحدة قد بيّن في موادِّه التزامات على عاتق الدول الأعضاء، من أهمها: الامتناعُ عن استخدام القوة أَو التهديد باستخدامها وضرورة الالتجاء إلى الوسائل السلمية لحلِّ ما قد ينشئُ بين الدول الأعضاء وغير الأعضاء من منازعات وخلافات والالتزام بمبدأ حسن النية؛ بغيةَ الوصول إلى حفظ السلم والأمن الدوليين والعمل على تعزيز احترام حقوق الإنسان وحرياته الأَسَاسية..

ولعل أبرزَ ما يمكن أن نتحدّثَ عنه مناسبةً للواقع الذي نعيشه اليوم، هو مجلسُ الأمن الذي يُعتبر أحد أجهزة المنظمة وله قوّةُ الإلزام والحُجة القانونية في قراراته وتوصياته، والتي كشفت الأحداثُ والوقائعُ على الساحة الدولية أنها مجحفةٌ وغيرُ عادلة، وأصبح لها الأثر الكبير في معاناة الكثير من شعوب العالم وفرض العقوبات وتدابير القمع على دول أعضاء، منها اليمنُ وذلك بموجب الاستناد إلى الفصل السابع..

والسؤالُ الأولُ الذي يُثار في هذا المقام، هو لماذا كانت لقرارات مجلس الأمن بموجب اختصاصاته الصفةُ القانونيةُ الملزمةُ على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تكون بصدد نزاع دولي أَو صراع؟!، وَلماذا الدولُ الخمس فقط تم اختيارُها لتكون أعضاء دائمة في المجلس ولها حقُّ إصدار القرارات الدولية دون غيرها وتعتبر ملزمة، ولها الحقُّ في أن تقرّرَ ما إذَا كان ثمة موقف أَو نزاع يهدّد السلم والأمن الدوليين؟!..

في حين تعتبر مخرجات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبارة عن ملاحظات وتوصيات ليس لها القوة الملزمة، ناهيكَ عن ذلك فإنه يتوجّبُ على الأمين العام للأمم المتحدة أن يخطر مجلس الأمن في كُـلِّ دور من أدوار انعقادها بكُلِّ المسائل المتعلقة بالسلم والأمن الدولي، بما في ذلك طبيعة ووضع الحروب والنزاعات القائمة بين الدول؛ ولذلك فإن مجلسَ الأمن عندما يصدر قرارات بشأن نزاع أَو موقف دولي فليس للجمعية العامة أن تقدّمَ أيةَ توصية معارضة في شأن هذا النزاع، وكما جاء في ميثاق الأمم: ليس ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخّلَ في الشؤون الداخلية لدولةٍ ما، على أن هذا المبدأَ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع..

ومن أهـمِّ مظاهر احتكار القرارات الدولية التي تنفرّد بها الدولُ العظمى في مجلس الأمن، التفوقُ بالعضوية الدائمة في مجلس الوصاية واختصاصات اتّخاذ القرارات المناسبة إزاء الأقاليم التي تفتقد إلى السيادة وتخضع للوصاية، وبالذات تلك التي تتمتع بموقع وأهميّة استراتيجية؛ ولذلك يمكن القولُ إن الوزنَ السياسي والاقتصادي للدول الأعضاء الدائمة، إضافةً إلى العوامل التاريخية الذي تتمتع بها تلك الدولُ بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، هو ما جعلها تمتازُ بالوضع الخاص بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الذي يحقُّ له التدخّل في الشؤون الداخلية للدول بموجب الفصل السابع، الذي يُجيز للمجلس اتّخاذ عقوبات عسكرية وغير عسكرية أَو تدابير قمع؛ حفظاً للسلم والأمن الدولي ومواجهةً لأيِّ تهديدٍ للسلام والتعايش بين الأمم..

لكنه وأمامَ آلاف الجرائم المرتكبة بحقِّ الشعب اليمني من قبل تحالف العدوان السعودي الأمريكي لما يقارب الخمس سنوات، يغفلُ أَو يتغافلُ عنها غير آبهٍ بكُلِّ ما تم ذكرُه من أدبيات وصكوك الأمم المتحدة وبالذات فيما يتعلّق باحترام حقوق الإنسان وحرياته وضرورة حفظ السلم والأمن الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها، مستغلاً بذلك صلاحياته واختصاصاته المنصوص عليها في ميثاق الأمم، ضارباً عرضَ الحائط بالاعتبارات الأخلاقية والإنسانية والقانونية، ومنتهجاً بذلك الازدواجية في المعايير الفاضحة لتوجّـهاته وممارساته الظالمة.

الأمر الذي يجعل الأممَ المتحدة عاجزةً عن عمل أي شيء؛ نتيجةَ ما قامت به الدولُ العظمى العالمية من دور في صياغة وإخراج ميثاق الأمم وبما يحقّق مصالحَها الدولية والإقليمية، بل أضحت صكوكُ الأمم المتحدة عبارةً عن مظاهرَ إعلامية ظاهرها الحقوقُ والحريات، وباطنها مجلسُ الخوف والطغيان والاستكبار، بل أصبحت غطاءً يتستر على أساليبِ وممارسات المجلس المجحفة والظالمة بحقِّ شعوبٍ اشتاقت لنيل الحرية والسيادة وأحبّت أن تعيشَ عزيزة كريمة متخلصةً من التبعية لدول الاستكبار الطامعة التي نراها اليوم ممثّلة لمجلس الأمن الذي أصبح صوتاً لا يُعلى عليه وقراراً لا يمكن استئنافُه وسيفاً مسلطاً على رقاب الشعوب.

أضف إلى ذلك فإن مجلسَ الأمن يحظى بحقِّ إحالة أية دعوى مقدّمة من الدولة المعتدى عليها إلى المحكمة الجنائية الدولية ضدَّ الدول المعتدية، كخيارٍ بديلٍ للدولة المعتدى عليها إذَا لم تكن عضواً في نظام روما الأَسَاسي لمحكمة الجنايات الدولية.

الأمر الذي يكشف للعالم أن الدوافعَ الحقيقية لتشكيل مجلس الأمن، ما هي إلّا حيلةٌ من الدول العظمى الاستكبارية في مجلس الأمن ومخادعة الشعوب المستضعفة في محاولاتٍ بائسةٍ للسيطرة والنفوذ وفرض الوصاية عليها؛ بغيةَ الاستيلاء عليها لنهب ثرواتها ومقدراتها.

ولذلك عندما رأى الشعبُ اليمنيُّ الحرُّ أن ما يُسمّى بمجلس الأمن يتمادى في صمته ونفاقه وتعاطفه مع مرتكبي الجرائم المروِّعة والانتهاكات الصارخة بحقِّ أبنائه وأرضه، فإنه قد أدركَ منذُ وقتٍ مبكر رهانه على تأييد الله له وعلى عدالة قضيته ومظلوميته التي سينتصرُ بانتصارِه للهِ سبحانه وتعالى ولرسوله واعتصامه بحبل الله ووثوقه به، بالله والتوكل عليه..

فما أُخذ من هذا الشعب بالقوة، لن يستردَّ إلّا بالقوة وبالعُدة والعتاد وبالبأس الشديد وبالعزيمة وصدق الحديث وثبات المبدأ، وها نحنُ اليومَ نرى بشائرَ النصر على أعداء الله ورسوله والمؤمنين تلوح، واللهُ على كُـلِّ شيء قدير..