النباء اليقين

تنمية الإنسان بهدي القرآن الكريم

الهدهد / تقارير

اعداد/ أحمد يحيى الديلمي

    إنَّ الإنسان هو ميدان التنمية، ومحورها، وأساس قيامها، واستمرارها، وغني عن البيان أنَّ الله عَزَّ وجَلّ، استخلف الإنسان في الأرض، وسخَّرَ له ما في الكون جميعاً، وجعل الأرض ذلولاً له، القيام بمهمّة الاستخلاف، وتعمير الأرض.

       وفي خضم ذلك، تتجسد التنمية في الإسلام من مفهوم خلافة الإنسان في الأرض، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، ويقول في آية أخرى: { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}.

      إنَّ عمارة الأرض، هي الغايةِ من استخلافٍ الإنسان فيها، قال تعالى: {وقال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}، وتعني الخلافة، تسخيرُ الموارد الطبيعية للإنسان، ليعمل على إنتَاج السلع، والخدمات، يقول الشهيد القائد:”عمارة الحياة قضية هي غاية من استخلاف الإنسان…”.

     وتُعَدُّ التنمية وسيلة لتحقيق سعادة الإنسان، ورفاهيته، في الدنيا، والآخرة، حيث أنَّ الله عَزَّ وجَلّ، قد سَخَّرَ كل ما في هذا الكون لخدمة الإنسان، كما في قوله تعالى: {سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}.

      ويُبَيِّنُ الشهيد القائد: “أن استخلاف الإنسان على هذه الأرض هي قضية مرتبطة بمظاهر الحياة هذه؛ ولهذا أن الله يقول في القرآن: {سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}(لقمان: من الآية20) استخلاف الإنسان على هذه الأرض داخل هذا البناء الذي يمثله في القرآن أشبه شيء ببيت، هذه الأرض مع السماء هذه، هذا المنزل الكبير، استخلافك فيه مرتبط بمحتوياته، ومن خلال تعاملك مع محتوياته وفق هديه سيظهر نمط من الحياة بشكل، راقي“.

        وهناك العديد من المُصطلحات في القرآن الكريم، التي تدّلُ على التنمية، من ذلك: الإعمار، والابتغاء من فضل الله، والسعي في الأرض، والتمكّين، ويعتبرُ مصطلح العمارة من أبرز المصطلحات تعبيراً عن التنمية الاقتصادية في الإسلام.

       ولقد استعمل الإمام على بن أبى طالب “عليه السلام”، لفظ العمارة للدلالة على معنى أعمق للتنمية بمفهومها المُعاصر في خطابه لواليه في مصر “مالك بن الأشتر”، جاء فيه: “وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب خراجها، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً “.

       وفي هذا الجانب، يُبَيِّنُ الشهيدُ القائدُ أنَّ مهمة الإنسان في هذه الحياة كبيرة، وواسعة جداً، وهي خلافة الله في أرضه، وأنَّ يعمل على عمارة، وتطوير الحياة، وفق هُدىَ الله عَزَّ وجَلّ، يقول:”مهمة الإنسان في هذه الحياة كبيرة وواسعة جدا، ماهي المهمة هي خلافة الله هي ان يكون خليفة في أرضة وان يسير في هذا العالم في عمارته وفي تطوير الحياة فيه على وفق هدى الله الذي رسمه لبني ادم جيلا بعد جيل على أيدي رسله وفيما أنزلة في كتبة“.

      ويُعَدُّ الإنسان الثروة الاقتصادية الأولى لأيّ أُمَّة من الأُمَّم، وأساس تقدّمها الاقتصادي، والثقافي، والاجتماعي، لأنَّه محور كل نشاط اقتصادي، فهو المُنتِج عندما يبذلُ الجهد، ويقوم بالعمل، ويستخدم طاقاته الذهنية والجسدية، وهو المُستهلك عندما يقوم باستهلاك السلع، والخدمات، التي تُلبي حاجاته، ورغباته، وهو المُستثمر عندما يُنتِج وسائل الإنتاج المُختلفة، ولذلك يعتبر الإنسان الثروة الحقيقية في أي أُمَّة، مهما كانت مقومات الثروات الأُخرَى متوافرة.

     وفي سياق ذلك، لم يكّن تناول الشهيدُ القائدُ لمفهوم التنمية الاقتصادية بشكل تنظيري، وإنَّما ذهب إلى بيان ماهّية التنمية التي تُريدها الأُمَّة، تلك التي تبني الإنسان أولاً في نفسه، وتحفظ كرامته، وحينها سيتجه إلى بناء الحياة، ويعرف كيف يبني الاقتصاد، بالشكل الذي يُمكن أنَّ يُهيئ له حريته، واستقلاله، وامتلاك قراره الاقتصادي، حيث يقول: “…فنحن نقول: نريد التنمية التي تحفظ لنا كرامتنا، نريد نمو الإنسان المسلم في نفسه، وهو الذي سيبني الحياة، هو الذي سيعرف كيف يعمل، هو الذي سيعرف كيف يبني اقتصاده بالشكل الذي يراه اقتصاداً يمكن أن يهيئ له حريته واستقلاله، فيملك قراره الاقتصادي، يستطيع أن يقف الموقف اللائق به، يستطيع أن يعمل العمل المسئول أمام الله عنه“.

     وبذلك تنطلق التنمية الاقتصادية الحقيقية من الإنسان، من خلالِ حفظ كرامته، ورعاية حقوقه وحريته، وزيادة كفاءته، وتنمية قدراته، من أجل رفع درجة مُساهمته الإيجابية في بناء الأُمَّة، ذلك أنَّ التنمية تنطلق من الإنسان، ثم تتجه لتغيير محيطه المادي، وتهدف في النهاية إلى تحقيق سعادته في هذه الحياة.

ويُشيرُ الشهيدُ القائدُ إلى حقيقة دامغة مفادها أنَّ: “تنمية الإنسان” بهدي القرآن الكريم هي التي يجب البدء بها أولاً، كون تحقيق التنمية الاقتصادية عملية تالية، ولاحقة، ومن منطلق القاعدة الاقتصادية التي تُفيد بأنَّ “الإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها”، يُؤكِّدُ الشهيدُ القائدُ بالقول: “إن التنمية لا تقوم إلا على أساس هدي الله سبحانه وتعالى، أليسوا يقولون هم كقاعدة اقتصادية، أو مقولة اقتصادية: [أن الإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها]؟ الإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها. لا بأس، هذه حقيقة، فإذا ما كان هذا الإنسان يسير على هدي الله سبحانه وتعالى، إذا ما كانت نفسه زاكية، إذا ما كانت روحه صالحة، ستنمو الحياة، وتعمر بشكل صحيح“.

      ولابُدَّ من إدراك أنَّه لا تنمية اقتصادية، سواءً كانت زراعية، أَوْ صناعية وعلمية، دون تنمية الإنسان، وذلك بتعليمه، وتثقيفه، وتدريبه، على كل الفنون، والمهارات، التي تساعده على النهوض، والتطور، فالإنسان هو المحور الأساسي في التنمية، وهو الفاعل الأول في هذا الكون، خاصَّةً إذا ما أدركنا أنَّ الكون موجود لخدمة الإنسان، ومُسخَّر له، والغاية هي عمارة الكون، وبناءه، وتشييده.

      وتدور التنمية بكل أبعادها، واتجاهاتها، وأهدافها، حول محور رئيسي واحد، هو الإنسان، لاسِيَّمَا وأنَّ الإنسان هو غايتها، ومحورها الرئيسي في الحاضر، والمستقبل، ورأس المال، والاستثمار الحقيقي لأي أُمَّة.

      وتُقرُ الجمعية العمومية للأمُم المُتحدة:” بأنَّ الإنسان هو الموضوع المحوري لسيرورة التنمية، وأنَّ السياسات التنموية يجب أنَّ تجعل من الكائن الإنساني المُشارك الأساسي في عملية التنمية، والمُستفيد الأول منها، وتقرُ بأنَّ إيجاد الشروط المساعدة على تنمية الشعوب، والأفراد، هو المسؤولية الأولى للحكومات، كما أنَّها تُدرك أنَّ الجهود العالمية المبذولة من أجل تطوير الالتزام بحقوق الإنسان، والدفاع عنها، لابُدَّ أنَّ تتلازم مع جهود مماثلة من أجل اقامة نظام اقتصادي عالمي جديد”.

      ووفقاً للتعريف الوظيفي للتنمية، الذي ينص على أنَّ التنمية هي: “تنمية النَّاس بالنَّاس من أجل النَّاس”، يُصبحُ الإنسان وسيلة للتنمية الاقتصادية الشاملة، وغايتها، في إدراك ملموس لأهميَّة الإنسان، فرداً، وجماعة، في سُلم اهتمامات النهوض الاقتصادي، والتنموي.

 

الهوامش:

  • القرآن الكريم:

–  سورة البقرة، من الآية (30).

–  سورة هود، الآية (61).

–  سورة لقمان، من الآية (20).

  • السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة دروس شهر رمضان المبارك، سورة البقرة، الدرس الخامس.
  • السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة دروس شهر رمضان المبارك، سورة البقرة، الدرس الثالث.
  • السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً.
  • رؤية الاسلام لحل المشكلة الاقتصادية، حسن محمد ماشا، مجلة كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، العدد الأول، 2008م، جامعة القرآن والعلوم الإسلامية، الخرطوم، السودان.
  • نهج البلاغة، جمع الشريف الرضى، شرح الإمام محمد عبده، الاعلمي للمطبوعات، بيروت، بدون ت ج.3، ص96.
  • السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة معرفة الله، وعدة ووعيده، الدرس التاسع.
  • رحالي حجيلة، وبوخالفة رفيقة، التنمية من مفهوم تنمية الاقتصاد إلى مفهوم تنمية البشر، المركز الجامعي تيبازة.
  • وائل الحسن، التنمية البشرية بناء الانسان والاوطان، موقع الطريق.