النباء اليقين

الجنوب بين ذرائع الإحتلال البريطاني وذرائع الإحتلال السعودي

غرقت السفينة البريطانية قبالة جزيرة بريم فاتخذت منها بريطانيا ذريعة لاحتلال الجنوب، وفشلت أول مبادرة سعودية علنية في تاريخها في اليمن فحولتها إلى قميص عثمان لتنفيذ مطامعها الخفية واحقادها التراكمية ضد جاراتها اليمن، فدمرت الشمال وقضت على البنية التحتية تحت شعار إعادة الشرعية وشنت حرباً لا حدود لمأساتها ولا محددات لتداعياتها على الملف الإنساني ، ووضعت الجنوب تحت تصرفها بذات المبرر ، فالتحالف الذي أعلن الحرب على الحوثيين في الشمال صبيحة 26 مارس 2015 ، لم يحرر صنعاء بل حرر عدن من حكومة الشرعية التي من أجل أعادتها قامت الحرب الضروس التي أدت إلى إنهيار الدولة وإنهيار الاقتصاد وتفشي الجوع وارتفاع معدلات البطالة وتصاعد أعداد الجوعى وانتشار المجاعة ، اكثر من حقيقة نذكرها في الذكرى الـ 52 للاستقلال الجنوب من الاستعمار البريطاني وجلاء اخر جندي بريطاني من عدن ، وعودة الجنوب لأهلها بعد إستعمار دام 129 عاماً ، فالجنوب على مر التاريخ كان محل أطماع المستعمرين لتعدد ثرواته وتنوع تضاريسه وتميز موقعة الاستراتيجي الواقع على مضيق باب المندب والبحر العربي ، فالطامعين المستعمرين اتخذوا الكثير من المبررات على مر التاريخ ولكنهم لم يستطيعوا طمس الجنوب من خارطة العالم ، فضلت الجنوب يمنية الانتماء والهوية .

فعدن التي رفع فيها علم الاستقلال صبيحة 30 نوفمبر 1967م ، يرفرف فيها العلم اليهودي كما كان يرفرف العلم الإماراتي وتعتلي لوحات شوارعها صور حكام الإمارات وملوك وأمراء السعودية في ذكرى الاستقلال من الاستعمار البريطاني الـ 52 ، ولا تعتلي صورة مارد ثورة أكتوبر الشهيد راجح لبوزة تلك اللوحات ولا صور رفاقه على عنتر وصالح مصلح والعشرات من كبار ثوار واحرار الجنوب اللذين اجبروا الإمبراطورية التي لم تكن حينها تغيب عنها الشمس على الرحيل من الجنوب ، ولم يسمح اليوم بسماع أغاني ارتبطت بمرحلة الكفاح المسلح ضد الاستعمار الأجنبي في ستينيات القرن الماضي كأغاني الفنانين الجنوبين اللذين شاركوا بالكلمة والاغنية كافة احرار الجنوب النضال الوطني ضد المحتل البريطاني كالفنان محمد مرشد ناجي والفنان محمد محسن عطروش، ومحمد سعد عبدالله، وخليل محمد خليل حماس التي الهبت حماس الجماهير التواقة الى التحرر من الاستعمار وأسهمت في التعجيل برحيل المستعمر الذي وجد نفسه وحيداً أمام شعب يسعى بكل ما يستطيع لنيل حريته واستعادة السيادة الوطنية على أراضيه.

ليست مفارقة ولا نكران لثوار وابطال أكتوبر ونوفمبر ولكن هو الاستعمار الجديد الذي عاد من جديد إلى عدن التي كانت ولا زالت محط أنظار كثير من الدول الطامعة في إرساء قواعد لها على البحر الأحمر والخليج العربي ومن ثَمَّ السيطرة على المحيط الهندي، والحصول على السيطرة الاقتصادية والسياسية في تلك المنطقة، وكان من أهم تلك الدول (بريطانيا)، التي اتخذت من جنوح سفينة “دريادولت”الهندية والتي كانت ترفع العلم البريطاني بالقرب من ساحل عدن ذريعة لاحتلال عدن عام 1837م ، فوجدت بريطانيا ضالتها لاحتلال عدن وأدعت بأن الصيادين اليمنيين قاموا بنهب تلك السفينة وطالبت بالتعويض من قبل سلطان سلطنة لحج محسن العبدلي أو بتمكين بريطانيا من السيطرة على ميناء عدن وكان موقف السلطان العبدلي رفضه بالمساس بالسيادة اليمنية ووافق على دفع أية تعويضات أخرى. ولكن بريطانيا التي لم يكن في نيتها الحصول على أية تعويضات وانما هدفها هو الاحتلال وفرض سيطرتها العسكرية على مدينة عدن ومينائها الاستراتيجي فعدلت عن قبول التعويض وطلبت احتلال عدن مقابل التعويض عما ادعته من نهب الصيادين اليمنيين لمحتويات السفينة «داريا دولت» وبدأت في الاستعداد لتنفيذ غرضها بالقوة المسلحة ، وفي 16 يناير من نفس العام دفع القبطان الإنجليزي «هينس» بعدد من السفن الحربية بهدف احتلال ميناء صيرة فقاوم اليمنيون بشراسة مستميتة الأمر الذي أجبر السفن البريطانية بالتراجع والانسحاب، وبعد ثلاثة أيام في 19 يناير 1839م قصفت مدفعية الأسطول البريطاني مدينة عدن ولم يستطع الأهالي الصمود أمام النيران الكثيفة وسقطت عدن في أيدي الإنجليز بعد معركة غير متكافئة بين أسطول وقوات الإمبراطورية البريطانية من جانب وقوات قبيلة العبدلي من جانب آخر ـ ولكنها خرجت مجبورة تحت رحمة نيران ابطال أكتوبر ونوفمبر عام 1967 م .

وان اختلفت ذريعة احتلال عدن بين الأمس واليوم، إلا ان المطامع واحدة، وبين جنوج السفينة وجنوح حكومة هادي وتفريط سلطان لحج محسن بن فضل العبدلي في 22 يناير 1838 بعدن التي كانت تحت سيطرته والتخلي عن 194 كيلومتر مربع (75 ميلا مربعا) لصالح مستعمرة عدن تحت ضغوط البريطانيين مقابل شطب ديونه التي يقال انها كانت تبلغ لا تتجاوز 15 ألف وحدة من عملة سلطنته، مشترطا أن تبقى له الوصاية على رعاياه فيها.

 

قبل عبدربه هادي قبل خمس سنوات بالتدخل العسكري في اليمن وفرط بالجنوب والشمال مقابل استمراره كرئيس انتخب لسنتين فقط كمرحلة انتقالية ، وتحت ذريعة إعادة الشرعية هاجمت الرياض صنعاء ليس لتستعيد صنعاء وانما لتسيطر على عدن وتحكم قبضتها على الجنوب على مراحل المرحلة الأولى بالتنسيق مع الإمارات التي التقت معها مصالحها في الجنوب فأبوظبي اطماعها تقتصر على السيطرة على ميناء عدن وموانئ الجنوب وتدميرها لصالح حياة موانئ دبي والسيطرة على جزيرة سقطرى ، والرياض مطامعها في السيطرة على شبوة وحضرموت والمهرة وتحقيق الإقليم الشرقي الذي خطط له في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز في ستينيات القرن الماضي وافشل الجبهة القومية ذاك المخطط واسقطت كافة المطامع في الـ 30 من نوفمبر 1967م ، فحكام السعودية لم يهدا لهم بال منذ ذلك الحين ، فقد تقاطعت اهداف ثورة 14 أكتوبر والـ 30 من نوفمبر مع مطامع السعودية التوسعية في الأراضي الجنوبية منذ اندلاعها حتى جلاء اخر جندي بريطاني ، فالسعودية ناهضت ثورة 14 أكتوبر وعملت باتجاه مناهض للجبهة القومية الجنوبية التي اتخذت الكفاح المسلح خياراً وحيداً لمقاومة المحتل البريطاني من خلال حرب التحرير الشعبية حتى نالت الاستقلال الكامل للجنوب، وكانت من أبرز أهدافها طرد المستعمر الأجنبي وإسقاط الحكم السلاطيني، واسترجاع الأراضي والثروات المسلوبة وتحقيق وحدة الشعب في إقليم اليمن، تلك الأهداف التي كانت واضحة ومحدده، أرتئت فيها السعودية خطراً سيداهمها في حال نيل الجبهة الاستقلال، فعمدت خلال فترة الكفاح المسلح في الجنوب ضد الإنجليز إلى توطيد تواجدها العسكري في شروره اليمنية وفي الوديعة التي تقع في حدودها الشمالية لحضرموت ، فتلك المحافظتين الغنية بالنفط حاولت الرياض ضمها من خلال بريطانيا التي كانت تربطها بها علاقة متينه قبل عام 1960م ، إلا أن الجبهة القومية لم تعترف بالوجود السعودي في منطقة شروره .

 

الإقليم الشرقي والرياض

ـ فيما يتعلق بإعادة مسمى الإقليم الشرقي من قبل السعودية مؤخراً ، فالإقليم التي تحاول الرياض اعادته للواجهة يكشف عن مخطط قديم فشلت الرياض عبر بريطانيا مطلع الستينيات بتنفيذه ، ومن ضمن المحاولات التي قامت أسرة ال سعود بهدف تضع يدها على محافظتي شبوة وحضرموت والمهرة في ستينيات القرن الماضي ، قيام بوساطة بريطانية بعد ثورة 14 أكتوبر بإبرام اتفاق رعاه المحتل البريطاني في الثالث من مايو من العام 1965م ، بين ” ممثل الحكومة السعودية الشيخ عبدا لله عوض بن لادن وهو حضرمي مجنس، وممثل السلطنة القعيطية في الجنوب وعدد من السلاطين لإنشاء إقليم شرقي كمرحلة أولى على ان يتم الاتحاد مع المملكة ، وبذلت السعودية جهود كبيرة حينذاك لإقامة الاتحاد الشرقي بين كل من السلطنات القعيطية والكثيرية والمهرية، مقابل قيام الحكومة البريطانية بمنح لاتحاد الشرقي الاستقلال الفوري ، ونص الاتفاق وفق الوثائق التاريخية أن يراعي الاتحاد الشرقي المصالح البريطانية في الاتحاد المزمع وان يدمج الاتحاد الشرقي في اتحاد كونفدرالي مع الحكومة السعودية ” ، وهاهي الرياض اليوم تحاول العودة لتنفيذ تلك المطامع التوسعية القديمة بموجب اتفاق جدة الذي رعته الرياض مؤخراً بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الموالي للإمارات ، والذي يمنح الرياض حق التدخل الكامل في شأن تلك المحافظات أمنياً وعسكرياً ، والملفت للنظر انها قبل اتفاق الرياض بيوم احتضنت اجتماعات لشخصيات حضرمية تحت ذريعة دعم نظام إقليم حضرموت .

 

عاصفة الحزم

وبعد أشهر فقط من نيل الجنوب الاستقلال في الـ30 من نوفمبر ، وجلاء أخر جندي بريطاني ، واختيار الجبهة القومية الرئيس قحطان الشعبي كأول رئيس لدولة الجنوب المستقلة التي حلت محل دولة السلاطين الاتحادية الموالية للإنجليز ، بعث الرئيس الشعبي بعدة رسائل للسعودية بخصوص المحافظتين الجنوبيتين المحتلة من الرياض ، وحاول الشعبي حل الخلاف سلميا حول شروره والوديعة ،وابدى استعداده تشكيل لجنة يمنية جنوبية ـ سعودية لبحث موضوع الحدود بين البلدين ، إلا أن مطالب السعودية كانت بضم شروره إلى أراضيها ، فتصاعدت الخلافات بعد أن فقدت الرياض الكثير من اذرعها في الجنوب وخصوصاً سلاطين حضرموت ، لتندلع أول حرب جنوبية مع السعودية في 27 نوفمبر 1969م ، حينما أقدمت قوات جنوبية على مهاجمة “مركز الوديعة الحدودي” الذي استحدثته السعودية في عمق الأراضي اليمنية ، وتقدمت تلك القوات باتجاه شروره لاستعادتها وتجاوزت منطقة قرن الوديعة لتصل إلى مشارف مدينة شروره ، إلا أن السعودية اعتبرت الحرب ماركسية ،واستعانت بالإسلاميين لمساندة قواتها واطلقت على العملية العسكرية “عاصفة الحزم ” بقيادة الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز ، لتستعيد السيطرة على الوديعة ومناطق واسعة في شروره خلال مواجهات عسكرية استمرت عدة أيام واخضعتها بالقوة لسيطرتها ، بسبب عدم إمتلاك القوات الجنوبية لأسلحة متطورة حينذاك .

 

تلك الأطماع لم تتوقف بل استغلت المملكة حالة عدم الاستقرار السياسي الذي عاشته دولة جنوب اليمن سابقاً خلال السبعينيات والثمانينيات، لتضم أراضي يمنية واسعة كانت تابعة لحضرموت ومحافظتي المهرة اللاتي تشكلان نصف مساحة اليمن إلى أراضيها، حيث اعتمدت آلية الاستقطاب المواطنين اليمنيين في المناطق الحدودية من خلال منحهم جنسيات سعودية وتابعيات امتيازات مالية، لتتوغل في عشرات القرى الواقعة على حدودها الشرقية.

وبعد حرب صيف وتحديداً في ديسمبر عام 1994م ، توغلت القوات السعودية بصورة مفاجئة في عمق الأراضي اليمنية في محافظتي حضرموت والمهرة بعد أن أجتاجت صنعاء الجنوب بعد إعلان الانفصال المدعوم من السعودية والإمارات ، إلا أن قوات صنعاء ردت بمهاجمة القوات السعودية التي استحدثت نقاط ومواقع في منطقة الخراخير التابعة للمهرة ، وأوقفت تقدمها في شروره التابعة لحضرموت ، ولذات السبب حشدت الدولتين قواتها على الحدود استعدادا لمعركة فاصلة ، إلا أن سوريا ومصر تدخلت لنزع فتيل التوتر.

 

 ابتلاع خراخير

الرياض التي حاولت ان تستغل الحروب الداخلية اليمنية طيلة الـ 60 عام الماضية لتحقيق اطماعها التوسعية في محافظة حضرموت اليمنية التي تتسم بمساحة واسعة تساوي ثلث مساحة اليمن وتربطها بالرياض شريط حدودي طويل يمتد من الخراخير وحتى شروره بنجران، وعلى مدى العقدين الماضين تمكنت الرياض من التوغل في عمق الأراضي اليمنية في حضرموت مستغلة الحروب الداخلية والاضطرابات السياسية التي عانتها اليمن للتمدد في الشريط الحدودي وابتلعت عشرات الكيلو مترات على الحدود مع حضرموت ، وخلال الفترة 2008 ـ 2015 ، استغلت ايضاً العديد من الظواهر التي تصاعدت في نطاق المحافظة كانتشار القاعدة وارتفاع ظاهرة تهريب المخدرات على الشريط الحدودي ، والتي يعتقد الكثير من اليمنيين بوقوف الأجهزة الاستخباراتية السعودية ورائها ، خصوصا وأن القاعدة نفذت عمليات تخريبية لا يبدوا انها عشوائية وانما تنفيذاً لمخططات اجنبية ، فاستهدفت قطاع السياحة في حضرموت ، ونفذت سلسلة اغتيالات طالت عناصر أمنية واستخباراتية ، وشنت هجمات انتحارية على مقرات العسكرية ووقفت وراء تفجير مقرات تابعة لأجهزة الأمن القومي والسياسي ، وصولاً إلى قيام القاعدة بالسطو المسلح على بنوك ومصارف تجارية وحكومية في المحافظة ذاتها قبيل العام 2015 ، وخلال تلك الفترة يعتقد بوقوف الرياض وراء تغذية حادثة مقتل احد شيوخ صحراء حضرموت على يد احد العناصر الأمنية لضرب هيبة الجيش اليمني في حضرموت ، واستغلالها لإيجاد مليشيات موالية لها تحت مسمى “قوات تحالف حضرموت ” وصل بها الأمر إلى مضايقة الشركات النفطية في المحافظة .

 

الجنوب الیوم