النباء اليقين

جراحنا لم تندمل بعد !

الهدهد / مقالات

ناجي داوود

ستة أشهر مضت على استهداف طيران العدوان السعودي الأمريكي منزل شقيقي رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين عبد الله صبري، وهي فاجعة لا تفارق مخيلتنا على الإطلاق، ولا يمكن أن يمر يوم دون أن نتذكر ذلك اليوم المشؤوم وتفاصيله المؤلمة.

كان السكون يخيم على كل شيء، الناس نيام، والصباح هو رمضاني بامتياز، فالكثير من الناس نائمون، بعد أن صلوا الفجر ، ولا شيء في السماء سوى طائرات الحقد التي كانت تبحث عن ضحايا جدد، لتضاف إلى الرصيد الدموي لآل سعود، وما هي سوى لحظات حتى ألقى الطيران حمولته، ليختار ولأول مرة حي هائل السكني المكتظ بالسكان.

انقشع الغبار في ذلك الصباح بعد الغارة اللعينة ليُكتب في ذلك المكان فصلٌ من فصول المأساة لا تزال تداعياته ماثلة إلى يومنا هذا.

غارة جوية لعينة كشفت هذا الصمت وهذا السكون، تنشق الأرض، فيخرج الجرحى وأجسادهم ممتلئة بالغبار، في حين تحتضن الأنقاض أجساد الشهداء ولا تريد أن تفارقهم.

تعالت أصوات سيارات الإسعاف وبدأ الرعب يكبر ويزداد.

يرن تلفون شقيقي عبد الرحمن في صبيحة ذلك اليوم ضُحى والناس نيام، وإذا بالنداء:”هبوا لإنقاذنا”.. لا مفر من تلبية النداء فقد وقعت الواقعة والكل صامت ويفكر بما حل بنا،

نعم .. إنه ذلك اليوم، يوم المحشر، فقد صحونا ونحن في ذهول عجيب وانطلقنا إلى أرض المحشر ( حي الرقاص ) فزعين ومذعورين ويتوالى الحشد والحضور من كل مكان. الكل يقف لا يدري أين يمضي، والأفواه والأمعاء تلتهب ولا شربة ماء!

الكل ينتظر ، الناس، والأهل، والأصدقاء، والزملاء أبصارهم زائغة .. أنا وإخواني دموعنا تنهمر من الفزع والخوف، ومن الأخبار التي كانت تتوالى علينا كالصاعقة، لقد استشهد حسن بن عبد الله في ذلك اليوم، واستشهد لؤي بن عبد الله بعده بأيام، ثم لحقت «أُمُّنا» الفاضلة بحفيديها غير أننا قررنا في تلك الأيام التماسك والثبات وعدم إظهار الضعف والانهزام، وهكذا هي عادة الشعب اليمني الذي صمد خلال السنوات الخمس الماضية، يزغرد في جنازات الشهداء، حتى لا يجعل العدو يحس ولو للحظة أنه هزمنا! .

ما أطول ذلك اليوم! ، وهنا أتساءل: ما الذي أرعب تحالف العدوان اللعين ومرتزقته منك يا شقيقي ، وأنت صحفي لا تملك سوى القلم، ومقالات تُنشر على صفحات الجرائد وعلى مواقع التواصل الاجتماعي؟

هل أرعبهم قلمك ، كتاباتك ، مواقفك ، ثباتك ، مدنيتك ، نضالك الإعلامي؟

كل شيء وارد، فهؤلاء يرتجفون من كل شيء، ويخافون من كلمة الحق التي تصدح في وجوههم، وتقول لهم: كفوا عن أذية الناس، فأنتم مجرد قتلة مأجورين!

لقد كنت يا شقيقي مرعباً لهم، ولهذا استهدفوك، ولم يكتفوا بملاحقتك بمفردك، بل أرادوا تصفية الأسرة بأكملها، معتقدين أن ذلك سيُخرس ألسنتا، وسيمنعنا من الانطلاق في مواجهة المعتدين.

لقد خسر العدو رهانه.. كان يريد إسكات الحقيقة، غير أن قلمك يا أخي كما تؤمن أنت سيظل مدافعاً عن الوطن، الذي هو «الأم» الكبرى، وهو يجمعنا في كنفه وترابه.

سيظل قلمك يا أخي مقاوماً للاحتلال.. يا أشرف وأنبل وأطهر صحفي، وأنا أقول وبإيمان مطلق بأنك من أكثر الناس هدوءاً ورزانة وسكينة ووقارا.. أنت شخصية لا توحي إلا بالنقاء والهدوء والاتزان قلما تجد صحفياً يتصف بها .. أنت أنيق في كلامك وعباراتك ومصطلحاتك وحتى مظهرك ، حُرٌّ يرفضُ الإملاءات ..