النباء اليقين

مولد الرسول مولد أمة

الهدهد / مقالات

عبدالرحمن مراد

بعيدا عن التغريد في المعتاد وفيما ألف الناس في مناسبة المولد النبوي الذي اعتاد أهل اليمن على الاحتفاء به منذ زمن بعيد، وقد أصبح حديثهم هو ذاته لا يكاد يحمل جديدا في المضمون وهم غافلون عن الدلالة الحقيقية والجوهرية للرسالة المحمدية التي جاء بها فتلقفها الآخرون منا وابتعدنا عنها , ابتعدنا عن المقاصد والاهداف وظل الحال يعزف على السير والمواقف دون النفاذ الى الجوهر لصناعة واقع يتجدد في حياة الامة .

لقد كانت الرسالة المحمدية ثورة حقيقية أحدثت تحولا حقيقيا وتبدلا في حياة شرذمة تعيش على الاغارة والسلب والحروب والسبايا وتمعن في الضياع في الصحراء دون غاية تستأجرها القوى الكبرى في ذلك الزمن الفرس والروم للقيام بمهام تحقق لها المصالح وهي كالناقة العجفاء لا تدري ما تقوم به أو أين تسير فجعل منها أمة مهابة الجانب ذات شأن عظيم لبس أعرابها تاج كسرى ووطأت أقدامهم الحافية أيوان كسرى في أنفة العربي الأصيل .

لقد كانت الرسالة المحمدية تحولا كبيرا في حياة البشرية جمعاء وليس في حياة العرب فهي تملك أسس ومقومات المستويات الحضارية التي يتباهى بها الغرب اليوم من حيث حقوق الانسان ومن حيث العدل ومن حيث الخيرية ومن حيث المساواة ومن حيث النجدة والاغاثة ومن حيث المدنية وحرية التعبير .

لقد كانت أهم المنطلقات الفكرية لتلك الرسالة المحمدية الكبرى تقوم على مبدأ في “كل كبد حراء صدقة ” وهو مبدأ سام غفل عنه الناس من أهل الديار الاسلامية وعمل به غيرهم فكان ذلك ميزة يتباهون بها في مقابل وصم العرب بالمجتمعات المتوحشة التي تهدد الحضارات الانسانية .

وشكلت هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة الى المدينة حالة انتقال من المجتمع القروي الذي يؤسس للعصبيات الى المجتمع المدني الذي يؤسس للتعايش والمحبة والسلام والحق والعدل والخير والمساواة في ظل حالة التعدد في الثقافات فقد كان في يثرب الكافر واليهودي والنصراني والمسلم من مهاجر وانصار وشكلت وثيقة المدينة أول عقد اجتماعي ينظم مستوى العيش عرفه تاريخ البشرية وما يزال الكثير من الفرق الاسلامية التي تدعي الانتماء الى الاسلام تجهل مثل ذلك والأدهى أنها تراه باطلا وكفرا يخالف المنهج الذي سار عليه السلف , ويرى البعض في الدستور كفرا جاء من الغرب لا يجوز العمل به ويقولون لا يصلح هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها وهم غافلون كل الغفلة عن المعاني الكبيرة في جوهر الرسالة .

كما أن الرسالة المحمدية -لو كنا نحسن التأمل- أول من تنبه لظاهرة الرفق بالحيوان وهناك الكثير من النصوص في هذا الباب ولكن الجماعات والفرق لا يقفون إلا عند النصوص الموضوعة بغية تشويه الرسالة وفي غالبها من الاسرائيليات وقد فصل الفقهاء وعلماء الحديث القول في ذلك وهي نصوص نراها اليوم في سلوك داعش وغيرها من الجماعات التي نشأت تحت رعاية المخابرات اليهودية والكثير من الاخبار تقول إن زعيم داعش يهودي وظفته المخابرات العالمية لخدمة مشروعها الذي يسعى الى فرض الوصاية على المسلمين والعرب بحجة أنهم يشكلون خطرا على المجتمع الدولي .

ولعل الكثير يذكر قوله عليه الصلاة والسلام في حق طائر ” من روع هذه في فراخها ” وهي اشارة الى المحميات الطبيعية التي يعمل البشر من الحضارات الاخرى على الاهتمام بها .

وقد لا نقف طويلا عند قوله عليه الصلاة والسلام حين أمر بعدم تلقيح النخل فلم تثمر فقال :” أنتم أدرى بشؤون دنياكم ” أي أن الفقهاء والعلماء لا يكادون يقفون عند مبادئ وقيم واشارات محمدية كان من حقها الاهتمام والتأصيل الفقهي حتى نسبق العالم في مستوياته الثقافية والاجتماعية التي يدعي تفوقه بها علينا وهي من صميم تجربتنا ومن صميم الرسالة المحمدية لكن غفلتنا عنها جعل لهم قصب السبق فيها .

لقد كان الرسول الأعظم أعظم رجل عرفته البشرية فقد قيل عنه أنه نهر أصحابه حين سلوا سيوفهم على يهودي يتقاضاه دينا وأساء الخطاب بقوله أنتم قوم مطل , فأمر بقضاء دينه ووهبه عطية مقابل ترويعه بسل السيوف عليه فالكثير يقرأ هذه الحادثة ويقصرها على الرحمة دون النفاذ الى جوهرها وهو العدل والمساواة والبعد الانساني بغض الطرف عن الانتماء فاليهودي لم يكن مسلما ولم تطعه نفسه في ترويعه وهو القادر بحجة كفره بل شق عليه ترويعه وهو مواطن يتمتع بكامل الحقوق في الدولة العادلة التي يديرها الرسول الاعظم .

الموضوع متشعب وكما أسلفت القول في المستهل إنني سوف أغرد خارج المعتاد وهي كلمات تشير وتومئ ولا تبحث ولا تستقصي ذلك أننا أمام حالة انتقال جديدة لا بد لنا من الوقوف أمامها بقدر وافر من التأمل , فالزخم الذي عليه الحال هذا العام من حيث تكثيف الاحتفاء ومن حيث إثارة السؤال لابد له من قول الجديد وبعث المندثر لنعيد صياغة واقعنا الحضاري وفق مقتضيات المراحل الزمنية والمستويات الحضارية وبحيث نبدع واقعا جديدا يعيد للأمة عزتها وكرامتها وسيادتها وسبقها ومثل ذلك يتطلب وعيا وتوجها سياسيا واهتماما بالمفكر والمثقف وتشجيعا للجدل الذي يهدف الى تحقيق الفاعلية الثقافية والحضارية في هذا الزمن الذي نشهد فيه استهداف الأمة المسلمة في عقيدتها وثقافتها .