النباء اليقين

من قتل الرئيس الحمدي ’’ النفط المدفون أم الوحدة مع سالمين

 رشيد الحداد

أثنين وأربعون عاماً مضت على جريمة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، في الـ11من أكتوبر 1977، إلا أن أسباب ودوافع مقتل الرئيس وقائد «حركة التصحيح» اليمنية، لا تزال أسئلة مفتوحة من دون إجابات مقنعة، فمن قتل قائد التغيير الذي ساد في عهده العدل والاستقرار والرخاء الاقتصادي؟ هل إنجازاته التي سابقت الزمن، أم ثقته بنفسه وبشعبه؟ أم تجاهله لكيد القوى التقليدية التي أطاح بها، أم ملفات النفط والحدود والوحدة وغدر الأشقاء؟

تعود بنا الذاكرة الشعبية والوطنية إلى جريمة اغتيال الرئيس السابق إبراهيم محمد الحمدي، في صنعاء قبل 45 عاماً من اليوم، فكلما اشتدت ضائقة الشعب اليمني الاقتصادية يترحمون على الرئيس الحمدي وعهده الذهبي، ويجمعون على أن جريمة اغتياله جريمة اغتيال بحق الوطن برمته.

جريمة قيدت ضد مجهول

الجريمة التي قُيّدت في سجلات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية حينذاك ضد مجهول، لا تسقط بالتقادم، فلجنة التحقيق التي شكلت عقب اغتيال الرئيس الحمدي، وشقيقه عبدالله، قائد «قوات العمالقة»، في حفلة غداء دعا لها الرئيس أحمد الغشمي، رئيس اركان الجيش حينذاك، على شرف رئيس الوزراء عبدالعزيز عبدالغني، الذي عاد قبل يومين من وقوع الجريمة من لندن بعد إجرائه عملية جراحية تكلّلت بالنجاح، لم تقدم أي تقرير، ولم تقم بأي إجراء لكشف ملابسات الجريمة ودوافعها، فتلك اللجنة التي كانت برئاسة عبدالله الشيبة، نائب رئيس الأركان، وعضوية وزير الداخلية ورئيس جهاز الاستخبارات، كانت تدرك أن الجريمة لا تحتاج إلى تحقيق كونها جريمة سياسية واضحة تقف ورائها دولة أجنبية.
فمن قتل الرئيس الحمدي، عَمِل على توزيع مبالغ مالية كبيرة عبر الشخصيات الاجتماعية والقيادات العسكرية في مختلف انحاء البلاد بعد أيام من الجريمة، مقابل قيام تلك الشخصيات بتهدئة المجتمع اليمني.

قائد التغيير؟

وصل الرئيس إبراهيم الحمدي إلى السلطة في الـ 13 من يونيو عام 1974م بانقلاب أبيض، إلا أنه كان يمتلك رؤيا ومشروع لتصحيح الاختلالات المالية والإدارية، وتمكن من إحداث تغيير جذري في شمال اليمن، ليحقق خلال الفترة الممتدة بين 13 يونيو 1974 و11 أكتوبر 1977م، ما لم تحققه اليمن منذ عقود زمنية قبل مجيئه إلى السلطة وبعد رحيله. فالرئيس الشاب الذي أعلن الحرب على الفساد الإداري والمالي، واتجه نحو التنمية الشاملة، معتمداً على قدرات الدولة الذاتية والشراكة المجتمعية عبر التعاونيات، دشن مطلع العام 1975م الخطة الخمسية الشاملة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كأول خطة تنموية تعتمد على الشراكة الاجتماعية في التنفيذ وبتمويل وطني، لينقل اليمن من الترتيب الأخير في قائمة الدول النامية إلى واحدة من 10 دول هي الأسرع نمواً في العالم، حيث ارتفعت مؤشرات النمو الاقتصادي إلى 10% ومستوى دخل الفرد ارتفع بنسبة 300%، لذلك تضاعفت شعبية الرئيس الحمدي، الذي عاش اليمنيون في عهده رخاءً اقتصادياً ومعيشياً غير مسبوق، لهذا كان الحمدي بالنسبة لليمنيين منقذاً وملهماً وقائد تغيير لم يتناسوه حتى اليوم، برغم محاولات طمس كافة ملامح عهده، فالرئيس الذي أحب الشعب وأحبه الشعب، لا يزال رئيساً محموداً، ويرى اليمنيون بمختلف مشاربهم أن فقدان الحمدي كان خسارة للوطن وللشعب وللتنمية.

رئيس لا يقبل الوصاية

اتسمت علاقة الحمدي بالسعودية بالشدة واللين، فالرئيس الشاب الذي أطاح بالحرس القديم للمملكة في اليمن من مختلف مواقع اتخاذ القرار، تعامل مع الرياض كرئيس دولة مستقلة ذات سيادة خارج حسابات الوصاية السعودية، فعمدت على إشعال الصراعات السياسية والقبلية في الداخل، وعملت على تعزيز دور ادواتها، حيث حاولت إعادة تلك الأدوات إلى السلطة، وارسلت عدد من الوفود للتوسط بين القوى القبلية والحمدي، إلا أن وقوف الشعب مع الرئيس أفشل كافة مخططات المملكة، فقبل جريمة الاغتيال بأسبوعين، رد على تلك القوى في خطابة بمناسبة الذكرى الـ 15 لثورة 26 سبتمبر بالقول إن «هذا العهد لا يمكن أن يكون عهد تفتيت ولا يقبل بأي تدخلات أجنبية، ومن هذا الموقع نقول صراحة، إن الذين يريدون أن يفرضوا علينا مواقفاً، أو يجرونا الى مواقف تصرفنا عن مهمتنا الأساسية في بناء الدولة اليمنية المركزية الحديثة، إنما يعملون لمصلحة الشيطان الرجيم، ولا يعملون لمصلحة هذا الوطن».

ترسيم الحدود

تزامن وصول الرئيس الحمدي مع موعد تجديد اتفاقية الطائف الموقعة بين الإمام يحيى حميد الدين، والملك عبد العزيز آل سعود سنة 1934م، والذي اعترف فيها آل سعود بيمنية جيزان ونجران وعسير، ولكن السعودية اصطدمت برفض الحمدي التوقيع على الاتفاقية بشكل مطلق، وما زادها خوفاً طموح الحمدي وإنجازاته المتسارعة وشعبيته في الداخل والخارج، فأدركت الرياض أن تجديد الاتفاقية من قبل الحمدي مستحيل، لتتمكن من تجديدها لـ25 عاماً قادمة مع رئيس الحكومة حينها عبدالله الحجري، الذي وقع من دون علم الحمدي، وبعد أشهر اغتيل الحجري وزوجته في لندن بطريقة غامضة.

بعد تجديد الاتفاق خلسة، اتسمت علاقة الحمدي بالرياض بالتوتر، فالمملكة مارست ضغوطاً كبيرة على نظام الحمدي لإعادة الموالين لها من القوى القبلية والتقليدية خلال الفترة 76، 77م من دون جدوى، كما واجهته بملف ترسيم الحدود، وهو ما دفعه للرد عليها بحدة قائلاً: «حدود اليمن تبداً من الركن اليماني».

نفط تهامة

اتجه الحمدي مطلع العام 1977م نحو استخراج النفط من باطن الأرض، فالحمدي خلال زيارته لبكين دعا الشركات الصينية منتصف العام 1966م، للقدوم إلى اليمن للاستثمار في مجال النفط والمعادن، كما وقع اتفاقية مع شركة «شل» الامريكية مطلع العام 1977م، وبدأت الشركة عمليات التنقيب عن النفط في جنوب مدينة حرض بمحافظة حجة، على الحدود مع السعودية، إلا أنها توقفت بعد تدخل سعودي أوقف استخراج النفط من منطقة حرض اليمنية. ووفقاً لدراسة جيولوجية فإن المنطقة غنية بالنفط، والاحتياطات النفطية التي تتواجد فيها وفي مناطق تهامة كبيرة جداً.

يؤكد الأمين العام المساعد للتنظيم الناصري، أحمد الرداعي، أن الرئيس الحمدي ألزم شركة «شل» بسرعة التنقيب، وحدد العيد الـ15 لثورة 26 سبتمبر عام 77م موعداً لافتتاح أول بئر نفطية، ولكن الشركة أوقفت أعمالها بعد تلقي إغراءات سعودية ضخمة، وغادرت البلاد، فما كان من الرئيس الحمدي إلا أن استقل طائرته واتجه صوب الرياض، من دون بلاغ مسبق بقدومه، وحال وصوله، قابل الجانب السعودي متسائلاً لماذا كل هذا العداء ضدنا؟ فطلب منه تنفيذ عدد من المطالب مقابل السماح بتنقيب النقط. ووفقاً للمصادر، فإن ترسيم الحدود كان أولى تلك المطالب التي رفضها الحمدي، مبرراً ذلك بأن اليمن في مرحلة انتقالية، وعندما يتم انتخاب رئيس جمهورية بطريقة مباشرة يكون مخولاً بالتوقيع.

وتضيف المصادر أن الحمدي اشتاط غضباً عندما قابله الجانب السعودي بطلب آخر تمثّل بوقف مشروع الوحدة اليمنية، وهو ما اعتبره تدخلاً سافراً في الشؤون اليمنية، كما طلب الجانب السعودي من الحمدي، الذي اعتمد سياسة الانفتاح على العالم الخارجي، وقف الانفتاح على المعسكر الاشتراكي والصين.

التمدد السعودي في حرض

بعد مقتل الرئيس الحمدي بفترة وجيزة، تم تشكيل لجنة لترسيم الحدود، واتجهت الرياض للتمدد في الأراضي الغنية في النفط جنوب حرض، لتستحوذ على آلاف الكيلومترات من الأراضي اليمنية في حجة، تحت ذرائع مختلفة من بينها مكافحة تهريب المخدرات. تمدد السعودية لم يتوقف عند ذلك الحد، بل سعت إلى شراء أكثر من 100 كيلومتر في العام 2014م من عدد من المواطنين، لتستحوذ على مناطق سبق أن تم القيام بمسوحات نفطية فيها، وأثناء محاولة توقيع البائعين، وهم 7 مواطنين يمنيين على وثائق البيع التي حُرّرت باسم مواطن سعودي، في فرع السجل العقاري في محافظة حجة، ألقي القبض على المواطنين الذين باعوا، وتم إحالتهم إلى نيابة الأموال العامة.

 

الجنوب اليوم